تاجر لا يدفع الفاتورة

خالد الخوالدي

كثيرةٌ هي الوقفات والمساعدات والمنح والعطايا والهدايا والمكافآت والتعزيزات والأراضي والتسهيلات التي قدَّمتها الدولة لفئة بعينها (فئة التجار)، خاصة الكبار منهم. أمَّا الصِّغار، فمتى ما كبروا سيحصلون على نفس المميزات؛ لأنَّ حكومتنا تُعطِي بكرم، وتمنح بسخاء، بهدف أن تعمر هذه الفئة وتنشط وتُسهم في تعزيز الحركة التجارية والاقتصادية في البلاد، ولكن هذه الفئة للأسف الشديد فقط تأخذ ولا تعطي.

ولنْ أتطرَّق إلى تفاصيل الأخذ وعدم العطاء، إلا في موقف واحد "محطات تعبئة الوقود"؛ فهذه المحطات تأخذ ولا تعطي، فلا دورات مياه نظيفة بهذه المحطات، وإن وُجِدَت فعلى استحياء، حتى إنَّ أدنى الخدمات لا تُوجد بها حتى تلك الخدمة الخاصة بتعبئة الإطارات بالهواء مُتعطِّلة في كثير من المحطات، أو غير موجودة، وعلى المواطن أو السائح الذي يبحث عن تعبئة إطار في منتصف الليل أنْ ينام في سياراته حتى الساعة التاسعة عندما تُفتح المحلات أو الصناعيات، ولا مطاعم راقية يُمكن أن يقف عندها السائح أو المار في الطريق ليسد جوعه، ولا هايبر ماركت مُحترم بالمحطة يُمكن أن يقتني منه حاجياته، ولا ورشة لتصليح سيارته في حالة أصابها عطل لا قدر الله، ولا مغسلة أوتوماتيكية يُمكن أن يُنظف بها سيارته، في دولة تخالف فيها الشرطة السيارة غير النظيفة، ولا مسجد كبير نظيف مع دورات مياه نظيفة يخدم المارين في الطريق، ولا غيرها من الخدمات الضرورية، علما بأنَّ أغلب هذه الخدمات هي خدمات مدفوعة القيمة ويستفيد منها صاحب المحطة مبالغ مالية إضافية، إلى جانب الاستفادة من المشتقات النفطية التي تُباع، وبعض هذه الخدمات على التاجر أنْ يُقدِّمها كفاتورة لخدمة الوطن والمجتمع كواجب من واجبات المسؤولية الاجتماعية.

وبأمانة.. شيء مخزٍ ومواقف يندى لها الجبين، تلك التي تحصل لمواطنين وسياح غُرباء يبحثون عن دورة مياه يقضون فيها حاجتهم، ولا يجدون، وإذا وجدوا كانت بدون ماء أو غير نظيفة، فماذا يفعلون؟!!! وأستغرب ألا تستحي المؤسسات المعنية بمحطات الوقود ان يدخل وطننا سائح ويقف في تلك المحطات ولا يجد دورة مياه وإن وجدها تكون متسخة، وهذه المواقف رأيناها وعايشناها وسمعنا عنها، وعلامات الاستفهام تتَّجه نحو تلك المؤسسات الحكومية التي تشجع على السياحة، وتلك التي تفكر في تنشيط التجارة، وتلك التي تمنح التصاريح لهذه المحطات دون شرط أو قيد، فقط لوجه الله!!

إنَّنا نشاهد محطات لتعبئة الوقود في دول عديدة عبارة عن مُدن متكاملة، بها كل الخدمات من دورات مياه ومساجد كبيرة ومحلات تجارية، يستوفي منها المارة كل حاجياتهم ومطاعم على مستوى عالٍ، بينما نجد معنا النقيض من ذلك.. فما هي الأسباب؟ ولماذا لا تعمل الجهات المختصة عن منح التصاريح بمناطق نموذجية لمحطات تعبئة الوقود بها رسم تخطيطي لكل الخدمات بشكل هندسي جميل يكون موحَّدًا لكل المحطات، مع إلزام من يرسو عليه منح الترخيص إقامة هذه الخدمات والعناية بها كنوع من الالتزام الأدبي والمجتمعي والنفعي والسياحي الذي تشجع عليه الدولة، وعلى الأفراد والمؤسسات والشركات الخاصة تنفيذ ذلك حَرْفيًّا وليس بالمماطلة والتسويف.

... إنَّ تنفيذ هذه السياسة بصورة عاجلة أمرٌ مُهم لتشجيع السياحة، خاصة في موسم الخريف الذي تتَّجه فيه الآلاف من الأسر العُمانية والآلاف من الأخوة الخليجيين إلى محافظة ظفار للاستمتاع بالأجواء الاستثنائية. وهنا، على الحكومة أنْ تكون حازمة في تنفيذ ذلك، وبالكيفية التي تجعل من هذه المحطات إستراحات حقيقية للمارة والسياح، وليست محطة لتعبئة الوقود فقط.. وعلى وزارة السياحة ووزارة النفط والغاز تحمُّل مسؤولياتهما في هذا الجانب.. ودمتم ودامتْ عُمان بخير.

[email protected]