المختصون يشخصون أسباب ودوافع الظاهرة المقلقة ويضعون الحلول الناجعة لمواجهتها

جنوح الأحداث.. شباب المستقبل في مرمى نيران التفكك الأسري وضعف الأدوار المجتمعية

◄ 414 حالة جنوح لذكور.. و31 حالة للإناث بالسلطنة العام الماضي

◄ تضافر جهود الأسرة والمُجتمع يسهم في احتواء الحدث وتوجيهه إلى الصواب

المكتومية: الاحتواء وإبراز القدوة الحسنة ودعم الهوايات.. 3 طرق ضرورية في التربية

◄ البلوشي: التدليل الزائد عن الحد يفاقم من مشاعر عدم المبالاة لدى الطفل

المطاعني: وسائل الإعلام منوط بها نشر التوعية الأسرية والتحذير من مخاطر التوترات العائلية

◄ البوسعيدية: ضرورة تبني برامج إرشادية تستند إلى أطر نظرية ناجعة

الرؤية - مدرين المكتومية

تواجه المجتمعات في عصر العولمة مخاطر عديدة، وأشدها فتكا تلك المتعلقة بالنشء والجوانب الاجتماعية في أي أمة، ويمثل جنوح الأحداث ظاهرة مقلقة تزلزل استقرار المجتمع وتعيق حركة التنمية فيه؛ إذ إن هؤلاء الأحداث هم المستقبل المشرق للشعوب، لكنهم باتوا أكثر عرضة للتأثر بحالات التفكك الأسري وضعف دور المؤسسات التربوية في المجتمع. وبحسب الأرقام الصادرة عن دائرة شؤون الأحداث بوزارة التنمية الاجتماعية، فإن إجمالي عدد الأحداث الجانحين والمعرضين للجنوح خلال عام 2016، بلغ 445 حالة في مُختلف مُحافظات السلطنة؛ منها 414 حالة ذكر و31 حالة أنثى، وتتصدر محافظة شمال الباطنة بعدد 137 حالة ( 131 ذكر – 6 أنثى)، تليها محافظة مسقط بـ 68 حالة (48 ذكر – 20 أنثى)، وبعدها مُحافظة الداخلية بنصيب 53 حالة ذكر، ثمَّ مُحافظة جنوب الشرقية بواقع 47 حالة (46 ذكر – 1 أنثى)، ومحافظة شمال الشرقية بعدد 38 حالة (37 ذكر -1 أنثى)، وسجلت محافظة الظاهرة 34 حالة ذكر، ومحافظة جنوب الباطنة 26 حالة ذكر، ومحافظة ظفار 34 حالة (21 ذكر – 3 أنثى)، ومحافظة البريمي 12 حالة ذكر، وآخرها محافظة مسندم بعدد 6 حالات ذكور.

وتتمثل أكثر عشر جرائم انتشرت بين قضايا الأحداث في السرقات والتي بلغ عددها 133 جريمة، ثم الإيذاء البسيط وعددها 86 جريمة، وبعدها مخالفة قانون المرور بعدد 46 حالة، والتَّحرش الجنسي وعدد الحالات فيه 32 حالة، تليها جرائم هتك العرض بعدد 22 حالة، وإهانة كرامة بعدد 18 حالة، يعقبها جرائم معرض للجنوح بعدد 17 حالة، وجرائم مخالفة قانون تقنية المعلومات بواقع 14حالة، والتخريب بواقع 14 حالة أيضاً، وانتهاك حرمة مسكن بعدد 12 حالة، إلى جانب جرائم التسول بعدد 9 حالات.

دعم خاص

وفي هذا الشأن أكدت نادية المكتومية المختصة في مجال الأسرة أنَّ فئة الأحداث تحتاج لدعم خاص في المجتمع، فـ"كل ابن آدم خطَاء وخير الخطائين التوابون"، ولا ننسى أنَّ هذه الفئة العمرية لم يكتمل نضجها فهي تصنف في فئة مرحلة المُراهقة التي تعد منعطفاً حساساً بين الطفولة والشباب، وتتميز بخصائص وتغيرات سريعة في المستويات العقلية والجسمية والعاطفية والاجتماعية وتحتاج لكم كبير من التفهم والاحتواء والدعم لعبورها بسلام وأمان، هذا إن كنَّا نتحدث عن المراهق الطبيعي الذي يعيش ظروفاً طبيعية في أسرته ومجتمعه فكيف بمُراهق صنف في فئة "حدث" يمر بظروف وتجربة حساسة في حياته بدخوله لدار الإصلاح بعد أن يكون قد ارتكب جرماً يُعاقب عليه القانون؟

وأضافت: بالتأكيد سيحتاج لدعم ورعاية خاصة في هذه المرحلة الحساسة وغيرالعادية من حياته من قبل أسرته أولاً ومدرسته وجيرانه وباقي المحاضن التربوية في المُجتمع ممن يحتكون بهذه الفئة، ومتى ما أخفق المحيطون به في احتوائه والأخذ بيده أدى ذلك لانتكاسته وانحرافه أو إصابته بمشكلات نفسية وصحية تعوق نموه واستقراره وقد ينتقل أثر ذلك إلى المحيط من حوله.

ومضت المكتومية قائلة: نستطيع أن نصنع منه مجرمًا مستقبليًا ونستطيع أن نخرج أفضل ما عنده بطريقة تعاملنا معه كأسرة ومُجتمع. فيجب أن نعي أنَّ هذه التجربة الاستثنائية قد تؤثرعلى نفسية الحدث المُراهق وتسبب له أعراضاً انفعالية سلبية متى لم يجد الدعم والاحتواء من المربين من حوله، فتظهر على شكل أعراض نفسية من مثل العصبية والشعور بالدونية أو العدوانية أحياناً أو الاكتئاب أو عدم الثقة بالنفس وتدني تقدير الذات أو اكتئاب أو عزلة وغيرها من الانفعالات السلبية التي يعكسها الحدث في سلوكيات غير مرغوبة تنم عن عدم توافقه مع بيئته بعد مروره بتلك الظروف والتقصير في احتوائه والأخذ بيده ليتجاوز هذا المنعطف العارض في حياته. والسؤال هنا كيف نستطيع أن نُقدم الدعم والمساندة لهذه الفئة من قبل الأسرة والمحيطين به، ليعبر هذه الأزمة بأمان دون أن تكون وصمة يخجل منها ويعاني في حياته؟

وأوضحت المكتومية أنَّ هناك العديد من الطرق لاحتواء هذه الفئة من قبل الأسرة والمجتمع منها: التقبل: أي تقبل الأسرة والمجتمع هذا الحدث المراهق كأي شخص ارتكب خطأ ويحتاج إلى فرصة لتعديله وعدم النظر له كمجرم وتذكيره بالجرم الذي ارتكبه، بل على العكس يجب أن نحاوره ونقنعه أن بداخله شخصا صالحا وأن السلوك الذي بدر منه غير مقبول والعقوبة التي وقعت عليه لصالحه وصالح المُجتمع ولمساعدته على تحمل مسؤولية أفعاله لأنّه الآن يُدرك الصواب من الخطأ ولا يجب أن نجعله يشعر أنَّ تلك العقوبة مجحفة بحقه وبأنه مظلوم ولتوصيل ذلك المفهوم نطلب منه أن يضع نفسه مكان الآخر الذي قد يكون تعرض للأذى بسبب سلوكه الخاطئ كيف سيشعر؟ وما الأضرار التي تحملها جراء ذلك؟ وتسمى هذه الطريقة "تبادل الأدوار" وهي طريقة للتعلم والإقناع وإدراك وتفهم شعور وأحاسيس الطرف الآخر. وأكدت أهمية البعد عن الإذلال والتحقير وتوجيه أصابع الاتهام لهذا الحدث بعد قضاء مدة عقوبته، وكأن ما اقترفه نهاية العالم! بل احترامه كإنسان أخطأ وتحمل مسؤولية خطأه ويستطيع مواصلة حياته بدعم ممن حوله ويستحق منِّا الاحترام والفرصة للمواصلة بسلام، لأن تقليل الاحترام له يضعف نظرته لذاته وثقته بنفسه مما ينعكس على سلوكياته ومشاعره في المقام الأول ولا يُساعده على الاستشفاء من ألم الإحساس بالذنب والخزي الذي قد يُصاحبه كحدث.

الحوار الإيجابي

وأشارت إلى ضرورة تعزيز لغة الحوار الإيجابي، وذلك من قبل الوالدين والمحيطين به فيجب أن نتقن فن الحوار الفعَّال وننتقي كلماتنا وأسلوبنا في التواصل معه فنستخدم أساليب التوجيه غير المباشرة مثل القصة ومقاطع الفيديو التي تُعزز عنده القيم والثقة بنفسه وبأنَّ ما مرَّ به هو تجربة مفيدة للتعلم والبدء بقوة ونضج أكبر.

وأوضحت أن من الطرق التي يمكن استخدامها أيضاً التعزيز وبث روح الثقة في النفس، وهذه من المهارات المهمة التي من شأنها دعم الحدث للتكيف وتخطي المنعطف الذي مرَّ به، ويتم ذلك بعدة سبل منها الكلمات التحفيزية والثناء على سلوكياته الإيجابية وتعظيم كل تصرف إيجابي ولو كان صغيرًا، كذلك بالنظرة والابتسامة والتربيت على كتفه وبث روح الطمأنية في نفسه. دمجه في المجتمع والمحافل الاجتماعية: وذلك باصطحابه للمجالس والمناسبات الاجتماعية وتقديمه للناس والافتخار به أمامهم، أيضًا إشراكه في خدمة المجتمع والتظاهرات المجتمعية كماراثون المشي أو عمل تطوعي مُعين وغيره من الأنشطة المجتمعية ليشعر بأنَّه جزء من المجتمع وبأنَّه مُتقبل من قبل المحيطين به فتتلاشى مخاوفه من مواجهة المُجتمع والتصادم معه. تزويده بمهارات كيفية التعامل مع من يوجه له أصابع الاتهام أو السخرية من تجربته التي مرَّ بها: فيجب تهيئته نفسيًا بأنّه قد يتعرض لمثل هذه المواقف من الآخرين ليس لأنَّه سيئ بل لقلة وعي الآخرين بأساليب التعامل التربوية الراقية، ونعلمه في حالة تعرضه لمثل هذه المواقف كيف يتصرف؟ وذلك بأن نخبره بأننا لا نملك تصرفات الآخرين ولا نستطيع أن نمنعهم عن تصرفاتهم لكن نملك التحكم بأنفسنا وعدم السماح لتصرفاتهم بتدميرنا، وبالتالي من الضروري أن يتحلى هذا الحدث بالثقة بالنفس وعدم الاندفاع بالرد اللفظي أو الجسدي والتجاهل ونذكره بقول النبي صلوات ربي وسلامه عليه "ليس الشديد بالصرعة إنما الشديد الذي يملك نفسه عند الغضب" وعدم رده يدل على قوته وليس ضعفًا منه، ثم نطلب منه اللجوء لمن يثق بهم من الإيجابيين الداعمين له من حوله سواء كان الأب أو الأم أو أيّ شخص مُقرب منه وذلك للتنفيس ومناقشة الموقف الجارح الذي تعرَّض له، أيضًا نعلمه كيف يجري حوارا داخليا إيجابيا مع نفسه بأن يُحدث نفسه أو يكتب عبارات إيجابية يدحض فيها الكلمات السلبية الجارحة التي تعرَّض لها من مثل" أنا شخص صالح وشجاع وقوي" "ما تعرضت له ساعدني على النُّضج" "كل شخص معرض لما تعرضت له والعبرة بتخطي الموقف وإصلاح الذات" "سأكون أفضل بقوة الله" ....إلخ من العبارات المبتكرة والإيجابية التي تساعده في السيطرة على ألمه وانفعالاته السلبية.

القدوة الحسنة

وزادت أن من بين الوسائل المتبعة ربطه بقدوات إيجابية، وذلك عن طريق إطِلاعه على شخصيات تعرضت لمثل ظروفه أو شخصيات عاشت ظروفا صعبة وكيف استطاعت هذه الشخصيات انتشال أنفسها وتحويل نكباتها إلى نجاحات وتميز لم يصل له الآخرون الذين لم يمروا بنفس ظروفهم نرسخ لديه فكرة : التجارب القاسية تخرج أفضل ما فينا وبأن الله لم يقدر لنا شيئًا إلا وفيه خير لنا ونذكره بقصة سيدنا يوسف عليه السلام كيف أن حبسه وسجنه كان خيراً له حيث خرج من سجنه ليكون عزيز مصر.

ومضت موضحة أن هناك طريقة تعتمد على صناعة هوايات للحدث، وهذه من الأمور المهمة جداً حتى نساعده على الانخراط في هوايات يحبها وندعمه لممارستها باستمرار لتساعده في التعبير عن ذاته وتحرر الطاقات العصية، وتعد متنفسا مثاليا لنطق الذات بأسلوب مُختلف وآمن، كذلك تشغل وقت فراغه وتصرف تفكيره عن السلوكيات السلبية، وتعزز إثبات ذاته وشعوره بالرضا والتصالح مع الذات، ومن هذه الهوايات الرسم والكتابة والرياضة أو أيّ هواية يستمتع بها وتجعله يعيش في عالم يجد فيه ذاته.

وتوجه المكتومية حديثها للمُربين، قائلة: "إنَّ هذا الحدث ليس مجرما إنما مراهق اقترف جرماً يستحق العقاب، وأن الهدف من عقابه تربيته وتهذيبه وتعديل سلوكه للأفضل وليس تدميره، وبأن من حقه أن يحظى بكل الدعم من المحيطين به لتخطي هذا المنعطف المؤلم في حياته لصناعة فرد مسؤول ناضج يخدم مجتمعه وأمته فرفقاً بأبنائنا".

غياب الأدوار

من جهته، قال عبدالله بن محمد بن سالم البلوشي اختصاصي اجتماعي مدرسي عضو جمعية الاجتماعيين العمانية إن المجتمعات الحديثة تُعاني عموماً من ظاهرة انحراف الأحداث نتيجة للمتغيرات الاقتصادية والاجتماعية والثقافية، وتعد السلطنة إحدى الدول المتأثرة بهذه الظاهرة، ويعرّف الحدث الجانح وفق القانون العماني لمساءلة الأحداث الصادر بالمرسوم السلطاني رقم 30/2008، هو كل من بلغ التَّاسعة من العمر ولم يكمل الثامنة عشرة، وارتكب فعلاً يعاقب عليه القانون، بينما يعرف الحدث الجانح من الناحية الاجتماعية بأنّه(كل طفل أو مُراهق ينحرف بسلوكه عن المعايير الاجتماعية السائدة بشكل كبير إلى إلحاق الضرر بنفسه أو مستقبل حياته أو المجتمع ذاته. وأضاف البلوشي أن هناك أسباب عديدة لجنوح الأحداث في المجتمع العماني، وهي متداخلة في النتيجة والأثر يصعب علينا فصلها عن بعضها البعض إلا لأغراض البحث والدراسات العلمية، فالأسرة العمانية المكون الأساسي لبناء المجتمع وقوته، عانت خلال الفترة الأخيرة من غياب وقصور في بعض أدوار " الأب – الأم – الأهل" المختلفة، مما انعكس على تربية أبنائها، ويمثل قلة الوعي بأساليب التربية الحديثة القائمة على الحوار الأسري الهادف، والاحتواء النفسي المُعزز لانتماء الطفل لأسرته، إحدى الركائز التي تدفع الطفل للانحراف ومن ثمَّ الجنوح، فكم كانت هناك من حالات انحراف وجنوح للأحداث كان سببها نقص الوعي في فهم احتياجات الأبناء تارة، وتارة أخرى المعلومات التربوية المغلوطة لكيفية الاستجابة والإشباع الصحيح لها، يضاف إلى ذلك أيضًا المشكلات الأسرية كالطلاق والهجر والنزاعات الزوجية التي تجعل من البيئة الأسرية بيئة طاردة لاحتواء الطفل وتغرس في ذواته معاني الحرمان العاطفي الداعي للانحراف، ومع هذا تلعب أساليب التعامل الوالدية دورا مهما في انحراف بعض الأبناء ومن ثم جنوحهم كالإهمال الزائد وعدم الاهتمام بتوفير الرعاية المعنوية والمادية المعدلة لسلوكيات الطفل بترك الطفل يفعل ما يشاء دون توجيه أو أدنى مُتابعة تربوية هذا من جهة.

تدليل الأطفال

وتابع أنه من جهة أخرى يأتي أسلوب الحماية الزائد "التدليل" وهو إعطاء الطفل كل ما يُريد مع توفير الحماية له في حالة القيام بأيّ سلوك غير مرغوب، سبب مُباشر في تعزيز سلوك عدم المبالاة وعدم تقدير قيمة السلوك المرغوب وربما العودة من جديد للقيام به مع وجود الحماية السابقة من قبل الوالدين له، وأما السلطة الوالدية الشديدة "المفرطة " فهي دافع خطير جداً لتمرد الطفل على القيم الأسرية الوالدية وربما المجتمعية لاحقًا رفضًا لها أو انتقاماً منها بالعنف والانفعال العصبي على ما وجده فيها أو تقليدا على ما تربى عليه، ويُعد أصدقاء السوء أو الصحبة السيئة من خلال بعض التجمعات الشللية في بعض الأحياء بؤر سهلة التأثير على الإقران بتعليمهم سلوكيات مُنحرفة وحادة مثل سلوك التدخين وربما سلوك تعاطي المخدرات والمسكرات بالإضافة إلى سلوكيات السرقة والاعتداء على الآخرين بالإيذاء البدني أو الجنسي، يضاف إلى ذلك حجم الوعي المجتمع الأهلي لاستثمار أوقات الفراغ عنده هذه الفئات بإيجاد أماكن خاصة للترفيه والتعبير عن هواياتها التعبير الأمثل كالنوادي الرياضة والثقافية والحدائق والمنتزهات، مع تكامل حجم الوعي المؤسسي الحكومي لانحراف الأحداث وجنوحهم كالمدارس أنموذج من خلال اكتشاف دراسة الحالات المعرضة للانحراف والجنوح، وسرعة التَّعاطي معها بتوفير الخدمات الإرشادية والتوجيه. وشدد على أهمية تنفيذ ذلك حتى إذا استدعى ذلك توجيهاً إلى مؤسسات الرعاية التكاملية لها كمؤسسات الرعاية الاجتماعية أو المؤسسات الأمنية، موضحا أن هذه التكاملية في توزيع الأدوار تشخص هذه الحالات التشخيص الأمثل "الإنماء – الوقاية – العلاج"، بحيث تعطى لكي مؤسسة أدوارها الحقيقة وتجنب التسرع في إصدار الأحكام على هذه الفئات قبل التشخيص الأمثل لها، وتؤدي النظرة المجتمعية للحدث الجانح المودع بمؤسسات الرعاية الاجتماعية من خلال ربطه بالجريمة وليس نظرة إصلاحية معدلة لسلوكه.

وبين أنه بذلك تجمع هذه النظرة للحدث الجانح بين وصمة الإجرام وعدم تقبله من قبل المجتمع بعد برنامج الإصلاح في مؤسسات الرعاية الاجتماعية مما يؤدي إلى انتكاسة حالته وعودته إلى الانحراف والجنوح من جديد، وتأتي كفاءة التخصصية المهنية للعاملين التربويين والاجتماعيين والأمنيين كأحد أسباب انحراف الأحداث وجنوحهم من خلال جودة الإعداد والتدريب النظري والتطبيقي الإضافة إلى القيام بالبحوث والدراسات العلمية في مجال انحراف وجنوح الأحداث. علمًا بأنَّ ظاهرة انحراف الأحداث وجنحوهم هي قضية وطنية تتطلب تضافر الجهود المختلفة على كافة الأصعدة مع تكاملها من خلال الأسرة إلى المدرسة والمسجد والمؤسسات الحكومية والأمنية والأهلية.

دور الإعلام

وحول دور وسائل الإعلام في هذه القضية، قال الكاتب الصحفي علي المطاعني إن الإعلام يؤدي دورا حيويا في التوعية بظاهرة جنوح الأحداث في السلطنة، من خلال‏ تسليط الضوء على هذه الفئة وكيفية الحد من تزايدها في المُجتمع، فالإعلام يُمكن أن يُسهم بشكل كبير في حفز المُجتمع للاهتمام بهذه الفئات من الأطفال دون سن 18 سنة، توعية الآباء والأمهات بالاهتمام بأبنائهم ورعايتهم بشكل أفضل يجنبهم الانحراف إلى الأخطاء وضياع مستقبلهم. وأضاف أن الإعلام يمكنه تناول الكثير من القضايا المُرتبطة بالأحداث كالطلاق وخطورته على تفكك الأسرة، وانحراف الأطفال، فهذه القضية اليوم إحدى المشكلات التي تُهدد المجتمع باعتبارها بداية تفكك العائلات. وأوضح أهمية التوعية بأهمية تماسك الأسرة وتضييق الخلافات إلى أدنى الحدود، كذلك بناء الأسرة من خلال التفاهم والاستشارات الزوجية قبل الزواج ومدى توافق الزوجين على الارتباط، وكذلك ضرورة إجراء الفحوصات الطبية قبل الزواج. وأشار إلى أن كل هذه القضايا يمكن أن يفرد لها الإعلام مساحات كبيرة من البث والنشر في وسائله المسموعة والمرئية والمقروءة، باعتبارها قضايا تهم شرائح وأشعة من المجتمع وتمثل خطورة يجب أن يتصدى لها الإعلام، وتؤدي إلى الانحراف وتردي الأبناء إلى مهالك تؤدي بحياتهم والقضاء على مستقبلهم، فتناول هذه الجوانب بالطبع سيجد صدى واسعاً في المجتمع وتفاعلاً لكونها تمس قضية أو مشكلة يُعاني منها.

ومضى المطاعني قائلا إنَّ دور الإعلام يتمثل في تلمس القضايا الاجتماعية ومناقشتها بشكل عميق لما له من أهمية كبيرة ‏في الاقتراب من واقعه ومعالجته، مضيفاً أن الإعلام يجب كذلك أن يؤدي رسالة واضحة في التعاطي مع قضايا يعاني منها المجتمع أو القضايا المرتبطة بأي مشكلة أو ظاهرة، ويتصدى لها كأحد الجوانب التي تتطلب علاجا. وأشار إلى أن أي مجتمع يعاني من قضايا سواء الأحداث أو المشكلات المرتبطة بها أو المؤدية إليها، والإعلام جزء لا يتجزأ من المجتمع فعليه أن يتعاطى بإيجابية مع هذه القضايا وينبه الجهات المختصة إلى خطورة تداعياتها، فإذا لم يقم الإعلام بهذه الجوانب فمن الطبيعي أنها لن تعالج بشكل جاد، وسريع يجنب المجتمع تفاقم مثل هذه القضايا، فالتوعية المُسبقة من جانب وسائل الإعلام واجبة على القائمين عليه. وأضاف أنَّ الإعلام العُماني ينهض ببعض المسؤوليات في هذا الشأن لكن بدون تركيز يعمل على التَّصدي لمثل هذه المشكلات وانعكاساتها.

برنامج الإرشاد

من ناحيةٍ أخرى، أعدت الباحثة الاجتماعية مقبولة بنت ناصر بن مصبح البوسعيدي دراسة حول "فاعلية برنامج إرشاد جمعي في تنمية التفاؤل وخفض التشاؤم" لدى الأحداث الجانحين بسلطنة عُمان؛ حيث هدفت هذه الدراسة إلى بناء برنامج إرشاد جمعي وتقصي فاعليته في تنمية التفاؤل وخفض التشاؤم لدى الأحداث الجانحين بدار الإصلاح بالسجن المركزي بسمائل. وتتفق نتائج هذه الدراسة مع العديد من نتائج الدراسات السابقة التي هدفت إلى تقصي فاعلية برامج إرشادية.

وحول هذه الدراسة، قالت البوسعيدية: قد يكون سبب هذا الاتفاق في النتائج ناجم عن تشابه العلاج المستخدم في هذه الدراسة مع الدراسات الأخرى؛ ومن الدراسات المستخدمة لهذا العلاج والتي تتفق مع نتائج الدراسة الحالية دراسة العموش (2003) والتي هدفت لتقصي فاعلية برنامج إرشاد جمعي في خفض النزعة للجنوح لدى الأطفال الأيتام من خلال تعليمهم مجموعة من المهارات المعرفية السلوكية، ودراسة الغندور  (2005) والتي هدفت إلى التحقق من فاعلية البرنامج الإرشادي المعرفي في زيادة التفاؤل وخفض أعراض الاكتئاب؛ وأن العلاج المعرفي يرتبط بالتغيير في درجة فقدان الأمل وزيادة التفاؤل. وأضافت أن فاعلية البرنامج تعزى إلى ما أشارت إليه الدراسة الحالية والتي تتفق مع معظم الدراسات، من أن التفاؤل يعتبر أحد أهم السمات الإيجابية للشخصية؛ حيث يستطيع من خلاله التغلب والتصدي للمحن والصعوبات التي قد تواجه الحدث في الحياة، فالتفاؤل أسلوب من أساليب التفكير التي يُمكن تعلمها في الحياة.

وأكدت أن النظرة التفاؤلية لدى بعض الأحداث الجانحين تزودهم بالدافعية التي تساعدهم على تحقيق أهدافهم؛ كما أنَّ التفاؤل والأمل مرتبطان فالأحداث المتفائلين يؤمنون بوجود قوة تسندهم وتُساعدهم على تحقيق أفضل النتائج مقارنة بمن لا يمتلكون هذه القدرات، كما يستطيعون تصور مستقبل مشرق.

وتفسر الباحثة هذه النتائج في ضوء فاعلية محتوى البرنامج الإرشادي الذي عمل على توفير وتهيئة الجو الملائم لتنفيذه، مما سهل على أعضاء المجموعة الإرشادية المشاركة، والتفاعل الإيجابي، كما عمل على تبصير أعضاء المجموعة الإرشادية بضرورة التفاؤل والتخطيط من أجل تغيير التشاؤم، إضافة إلى ضرورة مراجعة وتقييم الخطط التي قاموا بوضعها؛ وإكسابهم مهارات جديدة، تحل محل الممارسات غير المسؤولة لتنمية التفاؤل وخفض التشاؤم لديهم.

وتقترح البوسعيدية في الدراسة بناء برامج إرشادية تستند إلى أطر نظرية أخرى غير نظرية العلاج العقلاني الانفعالي السلوكي وإلى تقصي فاعليتها في خفض التشاؤم وتنمية التفاؤل، وبناء برامج إرشاد جمعي وتقصي فاعليته في تنمية التفاؤل وخفض التشاؤم لدى فئات أخرى غير الأحداث الجانحين، كالأيتام ومجهولي الأبوين والأطفال المُساء إليهم على سبيل المثال لا الحصر، ودراسة العلاقة بين التفاؤل والتشاؤم والنزعة إلى الجنوح لدى الأحداث الجانحين في سلطنة عُمان، الى جانب دراسة العلاقة بين التفاؤل والتشاؤم والسمات الشخصية للأحداث الجانحين في سلطنة عُمان، ودراسة العلاقة بين التفاؤل والتشاؤم وغيرها من المُتغيرات ذات الصلة مثل توكيد الذات، والتواصل على سبيل المثال لا الحصر.

تعليق عبر الفيس بوك