د. عبدالله باحجاج
عِنْدَما تُكْتَشف أعلى قِمَّة كُثبان رملية بالعالم في السلطنة من قِبَل باحث ومُستكشف من الخارج، وبالصدفة، فإنَّ التساؤلَ عن دَوْرِنا العُماني في البحث واستكشاف كُنوزنا وثرواتنا الطبيعية، يتصدَّر كل الأسئلة؟ وكذلك يفتح الآفاق عن كنوز وثروات أخرى لم تكتشف حتى الآن؛ فهل ننتظر الخارج لكي يكتشفها لنا؟ كما تَفْتَح ملفَّ الإخفاق في استغلال السياحة كمورد اقتصادي مستدام على مصراعيه تماما.
وعندما يكُوْن لوسائل إعلام خارجية السَّبق في إعلان هذا الاكتشاف، دون وسائل إعلامنا بشقَّيها الحكومي والخاص، فإنَّ هذا القصور ينبغي أن يُحرِّك المؤسسات الديمقراطية المسؤولة عن المساءلة والرقابة على الأدائيْن المركزي والإقليمي، كما أنَّه يَفْتَح ملفَّ إدارة الاستكشافات الأجنبية داخل بلادنا؛ ففيه يتَّضح خلل إداري كبير؛ فالإعلان عن اكتشاف هذه القمَّة جاء عن طريق الإعلام الخارجي؛ فلماذا لم يُشترط على كل باحث ومُستكشف الإعلان الداخلي أولا، أو المشترك المتزامن؟ تِلْكُم ثغرة إدارية مَنْ المسؤول عنها؟ وهذه الثغرة الإدارية في قضية القمة الرَّملية هى التي تجعل الخارج بمكتشفه وإعلامه، يحتكر الحدث بكل معلوماته، وتوصيفاته وحتى أدق تفاصيله؛ مما فَتَح المجال للإعلام الإقليمي لصناعة رأي عام من منظوره الخاص، ويتعاطى مع هذا الاكتشاف بأبعاد مُثيرة ومستفزة، مُثالنا هنا: إحدى الصحف الإماراتية الشهيرة التي عَنْوَنت أحد أخبارها عن هذا الحدث، كالتالي: "نادي الإمارات للمغامرات يرفع علم الدولة فوق أعلى قمة رملية في العالم"، ولو تعمَّقنا في تفاصيل الخبر، سنجد الاستفزاز أكبر؛ وذلك عندما قالت: "تعلَّمنا من قيادتنا الرشيدة أنْ نكون سبَّاقين دائما نحو القمم، وهذه القمة لها خصوصيتها لنا كعرب"، وموقع إماراتي آخر يُشير إلى أنَّ الإمارات أول دولة يُرْفَع علمها فوق أعلى قمة، والتي ستكون حديثَ العالم فيما بَعْد، وقد اكتشف هذه القمة المكتشف والباحث الأنثروبولوجي ومقدم برنامح "على خُطى العرب" د.عيد بن حمد اليحيى، وقد تمَّ ذلك بالصدفة، أثناء رحلته لتتبُّع طرق التجارة القديمة، لا سيما طرق تجارة اللبان والبخور، وتبلغ القمة 455 متراً فوق مستوى سطح البحر.
هذا الاكتشاف يَكْسَر الرَّقم القياسي الذي احتفظتْ به نامبيا التي تمتلك كُثباناً رملية بارتفاع يبلغ 418 متراً فوق مستوى سطح البحر، وإذا كان هناك تُعاطي صحفيٌّ مُبطن لهذا الحدث؛ فهناك في المقابل تعاطي مهني مجرد؛ فمثلا صحفية "البيان" الإماراتية عنونت خبرها في فبراير الماضي: "أعلى كثبان رملية في العالم في عُمان" وصحفية "الخليج" الإماراتية في الشهر نفسه بعنوان: "عُمان تمتلك أعلى كثبان رملية في العالم"، وفي الشهر نفسه، صحيفة "العربي الجديد" بعنوان: "ارتفاع الكثبان الرملية في عُمان يكسر الرقم العالمي".. أين وسائل إعلامنا العُمانية؟
في إطار بحثنا على مُحرِّك البحث الإلكتروني "جوجل"، ومن خلال استفساراتنا الخاصة، وجدنا صُحف "الرُّؤية" و"عُمان" و"الشبيبة"، قد تناولتْ الخبر نقلا عن وكالة الأنباء العُمانية بُعَيْد الكشف عنه من الخارج.. لماذا؟ ربما بسبب تلك الثغرة الإدارية، وربما بسبب ضعف الإعلام الإقليمي. وأين بقية وسائل إعلامنا، وبالذات الحكومية؟ ندعو التلفاز العُماني للإسراع بتسليط الضوء على هذا الحدث فوراً، عبر فتراته الإخبارية، وقنواته الثقافية والعامة، ومن الزوايا التي تجاهلها الإعلام الخارجي، تفنيدا وتوضيحا؛ إذ لا يُعقل تجاهل هذا الاكتشاف المهم جدًّا، الذي وسائل إعلامنا أولى به، فلماذا نتجاهله؟
كلُّ الأسئلة تُطرح هنا، في المقابل، تكشف لنا هذه القضية سلبية سلط حكومية عديدة؛ مثل: السياحة، ومكتب وزير الدولة ومحافظ ظفار، فَلْم نسمع لها صَوْتًا في هذا الحدث حتى الآن، وكان يُفترض أن تشغل ساحتنا الوطنية بل إقليمنا به، وتفتح لنا به الآفاق الرحبة في كيفية استغلاله سياحيًّا؛ فالحدث يُشكِّل قيمةً سياحيةً مَطْلوبة لذاتها، ولها مرتادوها في العالم، وقد جاء -أي هذا الاكتشاف- في وقته، وهو توجُّه الدولة نحو تنويع مصادر الدخل القومي، وجعل قطاع السياح أحد روافده الأساسية، إذن، هل ينبغي أن يَلْزَم إعلامنا الحكومي والسلط الحكومية المختصة الصمت حتى الآن؟ وهنا تُطْرَح كل الأسئلة.
يظلُّ التساؤل الآني الأهم، والجدير بالطرح هو: ماذا بعد هذا الاكتشاف؟ علينا التوضيح في البداية إنَّ هذه القمة الأعلى عالميًّا تتبع نيابة ميتان بولاية المزيونة، وهى إحدى ولايات محافظة ظفار، وقد تشرَّفت المزيونة بهذا الاسم من لدن عاهل البلاد -حفظه الله ورعاه- بعد تقسيم الحدود مع اليمن الشقيق، وتبعُد المزيونة عن صلالة 280 كم، وتعانِي هذه الولاية -التي يزيد عدد سكانها عن ثمانية آلاف نسمة (حسب تعداد 2010)- من مجموعة اختلالات في بنيتها التنموية، وربما تكون هي من بين أهم الأسباب التي تفسِّر لنا الصمت الحكومي؛ فاكتشاف هذا المعلم السياحي سيترتب عليه استحقاقات عاجلة في البنية الأساسية؛ فتصوَّروا أن الطريق الذي يربط ولاية المزيونة بنيابتها ميتان، ترابي، رغم المطالب المجتمعية منذ عدة سنوات، وكذلك الطريق من ميتان إلى القمة في رملة جديلة -والبالغ طوله ما بين 18-20 كم- وكذلك الطريق المؤدِّي إليها من شصر -والبالغ طوله 151 كم- هل هذا يُشجِّع السياحة؟
وقد تحدَّث مَعَنا سَعَادة سالم بن مُحمَّد زعبنوت المهري عضو مجلس الشورى عن ولاية المزيونة.. قائلا: إنَّ هُناك توجيهات سامية بحزمة من الاحتياجات التنموية الأساسية للمزيونة منذ عام 2009، لم تُنفَّذ؛ من بينها هذه الطرق الحيوية من بين مجموعة شبكة طرق أخرى تربط المزيونة بنيابتها الأخرى، وكذلك مستشفى جديد بدلا من المركز الصحي الحالي الذي لا يفي بالطلب المتزايد للخدمة الصحية، وكذلك تفعيل المنطقة الحرة...إلخ، مُوضِّحا أنَّ آخر لقاءاته مع وزير الصحة كشف له أنَّ المبلغ المرصود 6 ملايين ريال لن تُغطِّي تكلفة المستشفى، فيما شرح لنا مسلم بن مبخوت زعبنوت المهري عضو المجلس البلدية لمحافظة ظفار عن ولاية المزيونة، معاناة المواطنين على هذه الطرق الترابية طوال السنوات الماضية؛ فطريق يفترض قطعه في أقل من ساعة لو كان مسفلتا، يقطعه المواطنون في ساعتيْن من أجل التواصل الأسري والاجتماعي، مع ما يترتَّب على ذلك من خسائر متواصلة في مركباتهم بسبب وعورة الطريق، رغم مساعي الجهات المختصة لصيانتها بين الفينة والأخرى، موضحا كذلك أنَّ خدمة الاتصالات مقطوعة على الطريق الرئيسي الترابي الذي يربط المزيونة بميتان، فبالتأكيد سيكون لهذا الوضع تداعيات أمنية!!
وما أفاد به عضوا الشورى والبلدي، يَطْرَح كذلك كل الأسئلة، الشائعة وغير الشائعة والتي عددها 297 سؤالا على كل المسؤولين المركزيين والمحليين، توجيهات سامية لهذا المجتمع المحلي لم تُنفَّذ منذ العام 2009، والآن يضعون السياحة خاصة والتنمية عامة في مواجهة مع الخارج؛ فالقضية كلها يختزلها الآن سؤال واحد فقط: كيف سيصل السائح إلى أعلى قمة كثيب في رملة جديلة بنيابة ميتان في ظل الطرق الترابية الصعبة؟ وكلُّ المؤشرات تشير إلى توافد سياحي مُقبل من كل أنحاء العالم بعد هذا الاكتشاف؛ لأنَّ الحدثَ لم يعد سرًّا، فهل ستسارع الجهات الحكومية إلى تهيئة المزيونة ونياباتها عامة لكي تعكس الصورة الحديثة للتنمية في بلادنا؟
هناك أولويات عاجلة، منها آنية، وأخرى تتطلَّب التخطيط العقلاني، الأولوية العاجلة تكمُن في إقامة مُنتزهات وإستراحات حديثة، وخيم لاستقبال السياح في منطقة رملة جديلة خاصة ونيابة ميتان عامة، وتنفيذ شبكة الطرق التي فيها توجيهات سامية، والأولوية التخطيطية، تستدعي من وزارة السياحة فتح المجال للاستثمارات الخاصة في هذه المناطق الصحراوية التي فيها تنوُّع بيولوجي هائل يتمثَّل في الحيوانات والنباتات المتكيِّفة مع هذه البيئة، وتهيئة هذه الأمكنة لكي تكون مَوئِلا للهاربين من ضجيج المدن، الطالبين للهدوء، وما أرْوَع وما أجملها هذه الأمكنة، وفي وقت القمرية -اسألوني- وكذلك تهيئتها لتنظيم سباقات الصحراء والتزلج على رمالها، ففيها فرص كبيرة لرفع مستوى الدخل القومي والفردي، والتي يمكن أن تغير البشر والحجر وتثري الاقتصاد، آن الأوان لتنمية الصحراء لدواعٍ إنسانية، وتتقاطع معها الآن دواعٍ سياحية؛ فهل ستتحرك مؤسسات الدولة أم سنشهد استمرارا لإنتاج السلبية؟ والاستمرارية في ظل التوافد السياحي المقبل على هذه المنطقة لن يخدم البلاد!