معاناة المراجعين

 

 

سَيْف المعمري

تسعى جميع المؤسسات -حكومية كانت أو خاصة- إلى إيصال رسالتها وخدماتها للمستفيدين، بمستوى عال من الجودة والمصداقية، ويتضاعف جهد بعض تلك المؤسسات الخدمية ليكون عملها وفق منهجية علمية؛ وذلك لإعطاء صورة مشرقة للمؤسسة، من خلال البحث عن أساليب معينة لتقديم مزيد من التسهيلات للمراجعين، وتوظيف التقنيات الحديثة في تقديم خدماتها للمستفيد، والعمل على توثيق وحصر المعاملات وجدولتها زمنيا، وإنجازها في زمن قياسي.

وخلال السنوات الخمس الماضية، ونتيجة لتذمر المراجعين من تراجع مستوى الخدمات في بعض المؤسسات، وتسويف إنجاز معاملاتهم، فقد جاءت التوجيهات من الحكومة باستحداث دوائر وأقسام خاصة بالمراجعين، وتحديد اختصاصاتها؛ بما يسهل عليها إنجاز أعمالها وتقديم خدامتها للمراجعين بمستوى عالٍ من الشفافية والجودة، وتقليص زمن إنجاز المعاملات في أقصر فترة زمنية ممكنة.

ولقد حقَّقتْ الكثيرُ من المؤسسات الخدمية مُؤشرات إيجابية في مستوى رضا المراجعين من خلال آليات عملها، والتي تبدأ باستقبال المراجع واستلام معاملته وإعطائه إشعار بالاستلام ورقيًّا أو إلكترونيًّا، وأحيانا الاثنين معًا، ثم إنجاز معاملته في الوقت المعلوم له سلفا، إضافة إلى إمكانية تقديم وإنجاز معاملاته من خلال التطبيقات الإلكترونية على موقع المؤسسة على الشبكة المعلوماتية، وكذلك خدماتها على تطبيقات الهواتف الذكية، ومن ضِمْن تلك المؤسسات على سبيل المثال لا الحصر: شرطة عُمان السلطانية، ووزارة التجارة والصناعة، من خلال بوابة "استثمر بسهولة".

وممَّا يُؤسَف له حقًّا أنْ تجد بعض المؤسسات لا تزال تراوح مكانها، ولم تضع خدمة مراجعيها ضمن أولوياتها حتى وإن قامتْ باستحداث دوائر وأقسام خاصة بذلك، لكنها بنفس الآليات التقليدية، فلم تسعَ للرُّقي بخدماتها والتي يتواكب مع كثرة المراجعين ويتناغم مع تطوُّر وسائل التقنيات الحديثة في الاتصالات وشبكة المعلومات، وكذلك توسع دوائر مهامها ومسؤولياتها واختصاصاتها، بل لا تزال تضع عراقيل أمام المراجعين بطرق ووسائل شتى، والتي من أهمها تشبثها بالمركزية من خلال مطالبة المراجع باستكمال معاملته وأحيانا الاستفسار من مراحل إنجازها من خلال مراجعته الوزارة المختصة في مسقط؛ مما يضاعف حجم معاناة المراجعين، ويستهلك المال والوقت والجهد، ومخاطرة الطريق والتغيب عن عملهم الرسمي وتعطيل مصالحهم الخاصة، وتكدُّس المراجعين من جميع المحافظات في مقار الوزارات في العاصمة، فضلا عن زيادة الضغط المروري على الطرق المؤدية إلى مسقط من جميع المحافظات.

وفي الجانب الآخر، يصطدم المراجعون بعراقيل جديدة في مباني الوزارات؛ من خلال عدم السماح لهم بمقابلة صُنَّاع القرار والمسؤولين المباشرين بالوزارة. وفي أحيان كثيرة، يقال للمراجع إنَّ المسؤول المعني بتلك المعاملة غير موجود، أو في اجتماع، أو في مهمة رسمية خارج الوزارة، أو في إجازة اعتيادية...ونحو ذلك، دون مراعاة لظروفهم ومشقة الحضور للوزارة، ويخرج منها خالي اليدين، في الوقت الذي كان من المفترض إن يتم أنجاز معاملاته في محافظته، وأنْ تقوم المديرية أو الإدارة أو الدائرة التي تُمثِّل الوزارة الأم في العاصمة بدور الوزارة المصغَّرة في المحافظات، وإنْ كانت المعاملة تحتاج لموافقة وزير أو وكيل تقوم الوزارة المصغَّرة في المحافظة، بالتواصل المباشر مع الوزير أو الوكيل، وتقديم الإجابة الشافية للمراجع، أو تنسيق لقاء له مع المسؤولين بالوزارة، وفق برنامج زمني معلوم؛ بحيث يبدأ التنسيق من قسم خدمة المراجعين بالمحافظة، وليَضْمَن المراجع من يستقبله في الوزارة، مع ضرورة فتح قنوات إلكترونية للتواصل المباشر من الوزارة للتظلمات والمقترحات، وانتظار المراجع الرد الشافي في زمن قياسي، مع الإشارة إلى أنَّ الكثيرَ من المراجعين يشكوون من عدم رد المسؤولين والموظفين بالوزارات على هواتف مكاتبهم. وفي الجانب الآخر، لا تكترث الوزارات -على وجه التحديد- بالاتصال بالمراجع بعد إتمام معاملاته، أو حتى إن استجدَّ أي مستجد فيها، أو نقص في المستندات، على هاتفه الشخصي الذي أرفقه في معاملاته، تُرى: لماذا لا تقوم المؤسسات الخدمية -خاصة الوزارت- بعمل استبيان دوري يقيس مدى رضا المراجعين عن خدماتها؟ صحيح أنَّ الكثير منها تقوم بوضع صناديق للاقتراحات والشكاوى، ولكن على ما يبدو لا يتم فتحها وتحليل الملاحظات التي ترد إلى المؤسسة المعنية، ولو كان هناك اهتمام بمتابعتها للمس المراجعون تحسنا في خدمات المؤسسة، فإلى متى ستظل معاناة المراجعين مستمرة في مؤسساتنا؟!.. فبوركت الأيادي المخلصة التي تبني عُمان بصمت.

Saif5900@gmail.com