أرواح تغني للحب

 

 

مدرين المكتومية

حين تكون مدعواً لحفل موسيقي دائماً ما تكون مهتماً لما تود سماعه، للأصوات التي ستطربك، وللموسيقى التي ستعزف لك، دون أن تكترث لعازفها، ففي كثير من الأحيان يأخذك العرض الأوبرالي دون أن تفكر أنّ وراءه فريق موسيقي كبير يشرف على الأداء، وضياع نوتة واحدة يمكنه أن يقلب حفلا بأكمله راساً على عقب، فحين نستمع لموسيقى يقدمها جيل صاعد من الشباب العماني، نشعر بكمية من الفخر والاعتزاز التي نود ليل نهار أن نخبر الغريب أن لدينا شباب أكفاء، ولدينا عازفون بارعون ولدينا أيضًا أصوات قمة في الروعة والرقي ولكننا محرومون من رؤيتهم إلا في المُناسبات النَّادرة.

تلك الليلة الجميلة التي احتفلت فيها جمعية هواة العود بعشر سنوات مرَّت، عشر سنوات على النَّجاح، وعشر سنوات على الرعاية والتعليم، فكأنها تقدم لنا أعمارا موسيقية من الجيل الشاب الذين قدموا كل ما بوسعهم لأجل إيصال رسالة الفن، والذوق الموسيقي، فعلى الرغم مما قدموه إلا أنني فعلاً كنت أنظر للأمر بعمق أكثر، وبنظرة مغايرة، وبجمهور قد لا يعلم كمية الأحاسيس والمشاعر التي تجعل من هؤلاء الشباب يصلون إلى القلوب دون عثرات، ففي تلك الليلة كنت أنظر لعازف " البيانو" الذي يقوده أصدقاؤه إلى المنصة ليعزف كل ما لديه من جمال وروعة للحاضرين، دون أن يعطيه القدر فرصة جميلة ليرى الكم الهائل من الحضور الذين يصفقون له في كل مرة، فعيناه كانتا موسيقى جميلة، وأصابعه هي النظر الذي يطوف به في أنحاء المكان، كان ذلك الشاب "رائد الفارسي" الشاب الذي حرمه القدر من النظر ولكن عوضه بنعمة الإبصار بأنامله، الأنامل التي تعزف بكل حب وتفانٍ، التي تُعطي للمكان روحه، فكأنّه يعزف لنا موسيقى العظمة والخلود والانتصار، موسيقى الشجاعة التي لا يُمكن أن يشعر بها إلا فنان بحجمه وآخر بذائقته.

لم يكن رائد فقط بطل تلك الليلة، فهناك عازفة كمان، تعزف بكل حب وامتنان، لكل السامعين، تعزف لتنتصر للمرأة، لتنتصر لذاتها، ولتخبر العالم الذكوري أنّها قادمة بكل قوة دون أن يعترضها أحد، أو أن يقف أمام تحقيق حلمها، عازفة الكمان طاهرة جمال ذات النظرة الهادئة التي تعطي للمكان أريحية هنيئاً لها هذا النجاح، وهنيئاً لعُمان مثل هذه المواهب الشابة من السيدات، أما الشاب زياد الحربي، فكان يُعيد للموسيقى روحها، وينثر في كل القاعة عبق التَّاريخ والحضارة، حيث جعل من "العود" آلة زمن يُحارب بها في الحداثه، ليجعل كل شيء مبني على زمان ومكان، فكان يطرب السامعين بعزفه الأكثر من رائع، وكأننا نعيش في عالم استثنائي، يحتاج منِّا إعادة النظر للفن بشكل عام، فالفن هو المساحة الرائعة التي تجعلنا ننظر للأشياء بعُمق، وبسعادة مطلقة، ولأنني كنت أجد في هؤلاء الشباب الطاقة الحقيقية التي تجعلهم في مقدمة الطموحات، كنت سعيدة بالانتماء الذي أشعر به في تلك اللحظة تجاههم، الانتماء الإنساني الرائع، الموسيقى المعاصرة، وأرواح الآلات الموسيقية التي يقدمون بها أجمل سيمفونياتهم وكأنها كائنات حيّة تحاول جاهدة أن تخرج كل ما تمتلكه مع طاقة حُبٍ وجمالٍ لكل الحاضرين، لتسمح لهم أن يصفقوا بكل حب، ليظلوا يصفقون ويصفقون ويصفقون مهللين للعازفين بما قدموه طوال تلك المساءات.

شكرا لجمعية هواة العود على تلك الليلة الاستثنائية التي استشعرناها قبل أن نعيش واقعها، وشكراً لكل الموسيقيين الذين أطربوا مسامعنا وجعلونا نعيش حياة أخرى، وبأماكن وأزمنة غير التي أعتدناها، وشكراً لكل القائمين على هذه الأعمال الرائعة.

madreen@alroya.info