عذق الورود..

 

 

عائشة البلوشية

 

بلادنا بلاد الحضارات المُوغلة في القِدم، عُمان التأريخ والأسطول البحري العَظيم، مجان الصناعات واللبان والنحاس، مزون الزراعة والنخيل والقمح والجوز والمشمش والورد، بلاد وردت في أساطير السندباد ورحلات ابن بطوطة، أرض خلَّدها إنسانها عبر حقب العصور المُختلفة، عُمان السلم والسلام، و"لو أنَّ أهلها أتيت لما سبوك ولا ضربوك"، حديث خرج عن لسان سيد ولد آدم صلوات ربي وسلامه عليه وعلى آله وصحبه، دعا لهم برجاء من مازن بن غضُوبة، وليس ذلك وحسب بل إنَّ جسده الشريف لم يُغادر هذه الدنيا إلا والثوب الصحاري أحد أكفانه، سؤال يتبادر إلى خلدي كلما طافت به هذه الحقائق والثوابت: كيف لنا أن نستديم هذه النعم من السلام والعزة والمنعة؟ وكيف لشبابنا أن يستحضرها عندما يرسم مستقبله الذي هو مُستقبل بلاده؟...

 

كُنت في نقاش بعد جلسة مجلس الشورى التي استضافت مَعَالي وزير القوى العاملة الموقر، والكل يتحدَّث عن رواتب العُماني في القطاع الخاص وضرورة رفع الرواتب ليتمكن من العيش الكريم، إلى آخر ما جاء حينها وأتى بعدها، وهنا أتساءل هل فكَّرنا كيف يُمكن لشركات صغيرة ومتوسطة رفع سقف رواتب موظفيها في ظل الظروف الحالية؟ وكيف لهذه الشركات أن تحقق الهامش الربحي الذي يُمكنها من البقاء والاستمرار؟ وهل ستكون لديها السيولة لدفع الالتزامات المصرفية لصندوق الرفد أو بنك التنمية أو البنوك التجارية؟ إننا أمام كفتي ميزان، وكلتاهما تمثلان ثقلاً اقتصادياً مهمًا، كفة الشركات وكفة المواطن، وهنا لابد لمتناول الموضوع نقاشًا وتحليلاً أن يعرف كيف له أن ينصف الجهتين دون بخس لحق أحد، فحبات "الرومان بلي" التي تكون في منتصف الميزان يجب أن تكون مصقولة ومعدودة بدقة مُتناهية حتى لا ترجح إحدى الكفتين عند فراغها الكفة الأخرى...

 

بما أنَّ الجميع يتفق أنَّه يبحث في أمرين كلاهما مهم جدا، ربحية المُستثمر وبقاء شركته أمر، ومعيشة المواطن العماني في راحة ورخاء معقول أمر، لماذا لا يتم وضع المشكلة كالخارطة المفتوحة على الحائط؟، وفي المُقابل يتم وضع علامة دبوسية على مكامن الثغرات، وبعدها توضع بعض الأفكار المرنة، حتى نخرج بباقة من الحلول التي يُمكن تنفيذها، حلول ليست تعجيزية تقتل المؤسسة أو المُنتمين إليها، أنا هنا لست مُنظرة ولا أتحدَّث كعالمة اقتصاد، وإنما كمُواطنة بسيطة شاهدت مناحي النِّقاش المُختلفة لهذا الموضوع، لذلك عندما نظرت لهذه الشركات وجدت بوناً شاسعاً بين الشركات العملاقة والكبيرة وبين الشركات الصغيرة والمتوسطة، وفي ظل الظروف الراهنة هل هناك إمكانية لرفع الراتب بالنسبة للمواطن في كلا النوعين؟، الإجابة المنطقية ستكون بالنفي قطعًا، ﻷننا على علم بأنَّ العديد من الشركات حول العالم وليس في وطننا فقط، تقوم بتسريح الكثير من موظفيها أو بتخفيض المستحقات بسبب التعثر المالي، وهذه الأزمة لم تعد حكرًا على شركات النفط والغاز، لذلك كيف يُمكن تعزيز راتب المواطن العُماني في جميع مؤسسات القطاع الخاص في وطننا الحبيب دون ضرر ولا ضرار؟، فتذكرت إستراتيجية "عذق البيدار"، والتي تخول لمن يعمل ويكد الحصول على دخل مادي وعيني في ذات الوقت، ولكن بتحوير يتناسب مع عصرنا هذا، وذلك من خلال السؤال التالي: ما هي الزيادة المُناسبة في راتب المواطن العماني حتى يتمكن من العيش وسط هذا الارتفاع في المعيشة الذي أصبح يحاصرنا في كل أمر من أمور حياتنا؟، والإجابات ستأتي عديدة وكثيرة بأرقام لا يُمكن تطبيقها على أرض الواقع، وحتى إن افترضنا إمكانيتها، سيكون ذلك حكرًا على شركات تُعد على أصابع اليدين، لذلك لماذا لا يكون هناك عذق من الورود على هيئة (باقة من الدعم) العيني للموظف العماني في القطاع الخاص الذي يقل سقف راتبه عن حدٍ معين، كبطاقة تعبئة وقود شهرية بسقف مُحدد، ومواد تموينية شهرية (راشن شهري)، وتخفيضات بنسب معقولة لدى بعض الشركات والوكالات التجارية كالسيارات والأدوات الكهربائية وغيرها من هذه الأفكار التي ترفع عن كاهل الموظف جانباً من عناء التفكير في تجزئة راتبه بين الأقساط والفواتير والمصاريف المُختلفة، وبطبيعتنا البشرية هناك سائل سيسأل من أين يتم توفير هذه البنود لباقة مُتعددة المناحي، وبالعودة إلى عدد الشركات المسجلة في غرفة تجارة وصناعة عُمان ودرجاتها المختلفة، أقترح أن يتم احتساب مُساهمات مالية بحسب درجة الشركة، وكذلك بند المساهمات الاجتماعية الخاص بشركات النفط والغاز، يتوسع ليشمل كبريات الشركات في السلطنة، فيساهم الجميع في هذه العجلة الاقتصادية، ويتم إنشاء صندوق دعم موظفي القطاع الخاص، بل إنَّ هذا الدعم يمكن أن يمتد إلى ذوي الدخل المحدود، بحيث توضع له لائحة واضحة وقوانين تسير العمل به، مهمته توفير البطاقات التموينية المُختلفة؛ وبحسبة بسيطة سنجد أنَّ هذا الدعم سيُغطي الزيادة المطلوبة بشكل معقول، وهنا أؤكد أنّ هذا الدعم يجب ألا يتعارض وسياسة الترقيات والعلاوات الخاصة بالموظف، حتى يصل إلى الراتب المناسب؛ هذه مجرد فكرة بسيطة استلهمتها من عادة اجتماعية قديمة كانت في مجتمعاتنا العمانية الأصيلة، جعلت من الضواحي خضراء مزدانة، ومن الروابط الاجتماعية قوية ومصانة...

 

وبدلاً من استغلال مواقع التواصل الاجتماعي للتراشق بشوك الإحباط والسلبية الهدامة، لنستغلها للتهادي بورود المقترحات الإيجابية البناءة، لتجتمع وتصبح باقة ذات رونق ينشر عبيره الشهري، ويجب ألا نقلل من شأن مقترح ما، فمن يدري لربما مقترح بسيط يرفع عن كاهل الموظف الكثير من ضغوطات الحياة، واضعين في الحسبان أنَّ الحضارات العظيمة تبنى وتصان بتضافر جميع شرائح المجتمع بالعمل الجاد والإتقان تحت غطاء أخلاقي راقٍ..

 

__________________________________

توقيع: بدأت سورة النحل بالنهي عن الاستعجال:

«أَتَىٰ أمْرُ الله فلا تَسْتَعْجلُوه»

وختمت بالأمر بالصبر:

«وَاصْبِرْ وما صبرُك إلا بالله»، فلنتأنى قبل أن نطلق ألسنتنا بالأحكام، ولنصبر ففي الصبر مفتاح الفرج.