د. عبدالله باحجاج
يترقب الباحثون عن عمل مبادرات اللجنة الوزارية التي شكلها مجلس الوزراء في جلسة أواخر يناير 2017، وهذه اللجنة اللجنة تشكل قمة الوعي الحكومي بقضية الباحثين عن عمل في البلاد، بل إنّ الوطن كله يترقب نتائجها، آجلا وليس عاجلا، لأنّ الشغل أصبح قضية سياسية، وتداعياتها قد أصبحت معلومة للحكومة، بدليل، تشكليها هذه اللجنة لتوفير فرص عمل للشباب، والتساؤل الأهم، هو، كيف ستترجم هذه اللجنة الوعي الحكومي بخطورة التراكم العددي السنوي لأعداد الباحثين عن عمل؟ وهل كان ينبغي أن تكون هذه اللجنة حكومية حصريا؟
تختلف التقديرات الحكومية وغيرها حول عدد الباحثين، ومهما يكن، فإنّ القضية إذا لم تتدارك سريعا، فإنّها ستشكل أول الإكراهات الكبرى التي تواجه البلاد، فهل تدرك اللجنة الوزارية هذه المسؤولية الوطنية الملقاة على عاتقها الآن؟ إنّها سلمت أهم ملف من ملفاتنا الوطنية الراهنة. من هنا، فإنّ عمل هذه اللجنة ونتائجها ينبغي أن تكون تحت رقابة ومساءلة مجلس عمان بجناحيه، الدولة والشورى، بعد ما أثبت مجلس الدولة بكفاءاته المتعدة أنّه منبر وطني فريد، وفي حالات كثيرة يتفوق مجلس الدولة على مجلس الشورى في التفكير والأداء، ربما لعدة أسباب، منها تعطيل ما يقارب نصف القوة العددية لمجلس الشورى (يُراجع مقال سابق لنا بعنوان "القوة الوطنية الغائبة في مجلس الشورى") وبسب آخر، معرقل، وهو طموح "بعض" أعضائه الفاعلين نحو "الاستوزار"، مما يحد هذا الطموح من أدائهم الوطني (نكرر البعض فقط). كما أنّ هناك عرقلة أخرى، تتجلى في مستقبل العضو بعد انتهاء فترته البرلمانية، وقد أصبحت هاجسا يؤرق كل عضو يعتمد على راتبه التقاعدي فقط، فالقانون يجبر كل عضو على الاستقالة بعد فوزه في الانتخابات، وكان يفترض إعطاؤهم إجازات برلمانية دون مرتبات طوال أربع سنوات.
وهذا الهاجس، قد أصبح كذلك محطما لطموح التكنوقراطيين في خوض الانتخابات، ولنا في تجربة أحد أعضاء مجلس الشورى السابقين عن ولاية طاقة نموذج، فهذا العضو بعد انتهاء فترته، يدخل الآن ضمن قافلة الباحثين عن عمل، ووضعه هذا يبعث برسائل سلبية للحاليين واللاحقيين على اتباع نهج المهادنة والمساكنة وحتى المحاباة أثناء أدائه البرلماني، ويدفع بهم إلى الاستفادة الشخصية من عضويتهم إن أرادوا تجنب ذلك المصير، وهذا ما يجعلنا نراهن في الوقت نفسه على الأداء الوطني لمجلس الدولة؛ ليس من منظور الرقابة، فهذا من اختصاص مجلس الشورى؛ وإنّما من منظور المشاركة في العصف الذهني لحل قضية الباحثين عن عمل.
اللجنة الوزارية لا ينبغي أن نحملها هذا الملف الوطني كاملا لوحدها، فلابد من المشاركة الوطنية حتى تكون نتائجها مسؤولة ومقبولة، فالحتميّة الوطنية تقتضي عضوية فاعلين مختارين بعناية من الدولة والشورى والمجتمع المدني وتحديدا من اتحادات ونقابات وتجمّعات شبابية.. إلخ. فالحصرية الحكومية لم تعد صالحة لإدارة المرحلة الوطنية، بدليل فشل الاستراتيجيات والخطط والبرامج التي تضعها اللجان الوزارية الحصرية في قضايا التدريب والتشغيل والإحلال والتعمين، وحكمنا هنا ليس اجتهادا منا، رغم أنّها معلومة بالضرورة عند الكل، لكننا نحتكم هنا لتقرير حديث عن جهاز الرقابة المالية والإدارية للدولة، فقد أظهر قصورا في تطبيق سياسات الحكومة في التشغيل والتعمين، واكتشاف موظفين تتجاوز أعمارهم (60) عاما، منهم (%72) غير عمانيين في أحد القطاعات.
وإذا لم يكن الوعي الحكومي بقضية الباحثين عن عمل، منتجا لوقائع ملموسة على الأرض، وسريعة، فإنها هي والعدم سواء، فالباحثون عن عمل قد أصبح إحساسهم بذواتهم من الناحيتين النفسية والجسدية عالية، وثقلهم الأسري مرتفعا، والمرحلة الوطنية لن تتحمل تراكماتهم، فماذا بعد ارتفاع إحساسهم إلى قمّة الضغوطات النفسيّة والجسديّة؟ وماذا بعد أن عجزت ميزانيات الأسر عن دعمهم المالي في ظل سياسة وقف الترقيات ورفع أسعار الخدمات والرسوم؟
سيدخل عمر اللجنة شهرًا كاملا، ولم نسمع لها صوتا، أو نبحث لها أثرا، رغم أنّ من أهم مهامها الواجبة، إعادة صناعة الأمل من جديد في نفسيات الشباب الذين يشكلون نسبة (%75) من الباحثين عن عمل، وهم في سن ما دون (29) سنة وفق إحصائية حكوميّة، ويبلغ معدل انتظارهم للوظيفة (3.5) سنة، قبل وقف التوظيف، بسبب الأزمة النفطية التي انفجرت في منتصف عام 2014. ولو حاولنا أن نتعمق في لغة الأرقام قليلا لفتح نوافذ استشرافيّة، فكم يبلغ عدد السنوات التي ينتظر فيها الشباب الوظيفة؟ يدخل الكثير منهم في (7) سنوات. إذا أخضعنا تحليلنا الرقمي لتلك الإحصائية، ومن تلكم الأرقام ودلالتها الاجتماعية، يكمن خطر وقف التوظيف، ويتعاظم شأن اللجنة الوزارية، ويتعزز مقترحنا بالمشاركة الجماعية فيها من مبدأ التشارك في قضايا الوطن التي تحتم الإجماع بشأنها، وما أحوج البلاد الآن إلى هذا الإجماع في قضية التوظيف والتشغيل، وتحريك هذا الملف في ضوء حقائق رقمية لعل أبرزها، أن (%67) من الباحثين عن عمل هم إناث، ويتوقع سنويا أن ينضم إلى سوق العمل سنويا (كباحثين عن عمل) ما لا يقل عن 40 ألف مواطن ومواطنة، وفق تحليل صدر في منشور حكومي، كذلك في ضوء حقيقة، كشف عنها تقرير للبنك المركزي العماني، وهي تباطؤ ملحوظ في توليد الوظائف في القطاع الخاص، لتتراجع نسبة النمو فيها إلى (%3.3) في عام 2014 – وهو عام انفجار الأزمة– مقارنة مع نمو بلغ في المتوسط حوالي (%11.9) خلال الفترة 2009 – 2013، فهل تتضح لنا ماهية قضية الباحثين عن عمل الآن؟
من الأهمية القول صراحة إنّ مرحلتنا الوطنية، تحتاج لأفكار غير تقليدية، ولأدوات تنفيذية فاعلة، لأننا في مرحلة التحولات الداخلية الكبرى، فلا يمكن انتقالنا لنظام الجبايات – تمويل موازنة الدولة من جيوب الأفراد – ويظل مجتمعنا قائما على صناعة نظام الدولة الريعية، لا يمكن أن يتلاقى النظامين، أو يتناغمان في الوقت نفسه - ربما يكون هذا مقالا مقبلا، لكن، ومن أجل نجاح مهمة اللجنة المشكلة من قبل مجلس الوزراء. نقترح التمثيل الواسع، والعمل فورًا على تطبيق منشور وزارة المالية الموجه لرؤساء مجالس إدارات الشركات الحكوميّة التي يفوق عددها (60) شركة، فقد ألزمها المنشور برفع وتيرة التعمين ووضع خطط لإحلال المواطنين محل الوافدين في الوظائف العليا خلال مدة خمس سنوات مقبلة، وكذلك رسم خارطة شاملة بفرص التوظيف في القطاعات الاقتصادية الواعدة، وإعلانها للرأي العام لضرورات صناعة الأمل من جديد، هذا أهم ما يفرض أو يفترض على لجنة تتولى مسؤولية قضية الوطن الأولى - مرحليا - والواجب عليها أن تسجل فيها اختراقات ملموسة وسريعة، إذ أن الاعتماد على رؤساء تلك المجالس قد باء بالفشل - طبعا لا نعمم- فهل نترك مسألة تنفيذ توجيهات وزارة المالية للمبدأ الأخلاقي للبعض منهم بعد تقرير جهاز الرقابة المالية والإدارية للدولة؟!