جديد عادل الكلباني .. فضاءات وبيوت ونخيل وأودية

 

 

مسقط - العمانية

 مَهّدَ الكلباني لكتابه باقتباسين، الأوَّل من كتاب المؤرخ العماني الشهير ابن رزيق حيث يتحدث عن الملك الفلاح بن محسن النبهاني وشهرته وبنائه لحصن الأسود وغرسه لشجرة المانجو في مُقنيات، أما الاقتباس الثاني فهو عبارة عن 3 أبيات للشاعر سالم بن علي الكلباني يتفاخر فيها بمقنيات وحصنها المعروف بالأسود.

ثم يهدي المؤلف عمله إلى جدته ووالده وإلى "الطيبين الذين عشت معهم سنوات الطفولة والبساطة والزمن الجميل" ولا يخفى ما يحمله الإهداء الثالث من دلالة ومسحة تقترب من الصفاء والتصالح مع الماضي وعربون محبة وطلب للصفح وإن بشكل آخر لا يتأتى للقارئ هذا المغزى إلا بعد القراءة.

وعمد الكلباني بعد مقدمة عبد الله حبيب إلى كتابة ما يشبه نصاً أقرب في مضمونه إلى التمهيد أو الاستهلال مقسماً إلى أربع فقرات يذكر مقنيات قبل الولوج إلى أقسام الكتاب.

 قسم المؤلف كتابه إلى 10 فصول وملحق تعريفي عن مقنيات وملحق صور. كما يحمل ظهر الغلاف الخلفي ثلاث شهادات لكل من الشاعر سماء عيسى والشاعر عبد الرزاق الربيعي والشاعر زهران القاسمي.

  يحتل فصل "العالي: البيوت البعيدة عن المنازل" والفصل الذي يليه والمعنون بـ" المال: المقائظ أو ضواحي النخيل" النسبة الأكبر من الكتاب ومن الأحداث التي تأتي السيرة على ذكرها.

وبالنظر إلى هذين الفصلين والسبب الذي دفع الكاتب إلى إجراء هذا التقسيم المكاني بين البيوت والمال الذي يقصد به هنا المزارع. فنحن هنا أمام تقسيم له بُعد ثقافي واجتماعي من الخبرة التاريخية لدى الإنسان العماني لأسباب مختلفة ولعل من أهمها جعل مكان السكنى في جهة أبعد عن مسار الأودية التي تكون المزارع بالضرورة بالقُرب منها نظرًا لحاجة المزارعين للتزود بالمياه التي توفرها الأودية ليتم نقلها عبر قنوات الأفلاج.

ثم البعد العسكري الذي يمنح البيوت في الأعلى فرصة الدفاع عنها وحمايتها في حال المهاجمة من قبل الأعداء.

 وإن كان من المهم هنا التنبيه إلى أن المقائظ تحمل في معناها كذلك وجود مساكن بسيطة في المزارع يتم استخدامها في فترة حصاد الثمار في الصيف وهرباً من الحرارة العالية التي تتعرض لها البيوت في العالي بسبب غياب أو انعدام الأشجار. فنحن هنا أمام فضاءين قد يبدوان منفصلين ولكنهما يشكلان وجهين لعملة واحدة والتي هي القرية العمانية التقليدية وحيوات البشر فيها.

ثم نجد أنَّ الفصول المُكملة والمعنونة بـ" الصيفيرو وحشرات أخرى" و "ألعاب الطفولة" و"جرفة شنوه" و"عبود" و"حكايات أخرى" هي فصول مكملة للفصلين الأول والثاني ومرتبطة بهما على مختلف الأوجه.

فنحن هنا نلاحظ أنَّ السيرة تتموضع ضمن ثلاثة فضاءات مكانية كبرى هي فضاء القرية كما تبرز من خلال فصول "العالي" و"المال" و"الصيفيرو ...وحشرات أخرى" و"ألعاب الطفولة" و"جرفة شنوه" و"عبود" و"حكايات أخرى".

أما فضاء المدرسة سواء في المرحلة الإعدادية وإن كان هذا الفصل مكرسا للأحداث التي وقعت لعادل الكلباني مع معلميه أو مع زملاء الدراسة ولكن هذا الفضاء يبقى وإن لم يربطه مباشرة بالقرية إلا أنَّ المدرسة في ذات الوقت تبقى غير بعيد عنها.

الفضاء الثالث هو فضاء السكن الداخلي في البريمي والذي اقتضته ضرورة إكمال الدراسة الثانوية هناك. فهذا الفضاء يبقى نقلة نوعية للكاتب سواء على المستوى العمري أم على مستوى الوعي بالمكان الذي بالضرورة مفارق لفضاء القرية. ثمة فضاء آخر ولكنه كان فضاءً محدودًا وهو مستشفى خولة. 

وعلى الغلاف الخلفي نقرأ تعليقات لكل من الشاعر سماء عيسى والشاعر عبد الرزاق الربيعي والشاعر زهران القاسمي. فعن هذه السيرة يقول سماء عيسى: بها قدر من الحميمية والحنين، لا مدى ولا اتساع محدد له لأنه أكبر في الحزن وفي الوجد وفي العذاب، تبلغ ذروة الجمال هنا الجذر المأساوي والتمردي في آن، لا تدرك شروق المأساة في الريف العُماني الغابر عن شروق التمرد في روح هذا الصبي، الذي حتى اليوم لم يغادر أرضه إلا نادرًا، ومع تجدد شروق الحياة تتجدد روح الإبداع، كتجدد روح الفصول، وتجدد رحيق الطفولة في وطنه الأم".

وصدرت الطبعة الأولى من هذه السيرة عن دار مسعى للنشر والتوزيع في البحرين عام 2014م، تقع السيرة في 149 صفحة، وهناك ملحق لصور المؤلف في مراحل مُختلفة من حياته.

صدرت للكلباني قبل هذه السيرة مجموعة أعمال في الشعر والسرد منها "الحصن الأسود" قصص، و"بيت السيح " شعر وذلك عن دار الفرقد السورية، ومجموعة "الصفاع" نصوص الصادرة عن دار نينوى بسوريا.

 

تعليق عبر الفيس بوك