تحدِّيات ودلالات

 

 

حاتم الطائي

في وقتٍ يُثمِّن فيه العالمُ المنجزَ الدبلوماسيَّ للسلطنة في علاقاتها الخارجيَّة، يقفُ المواطنُ العُمانيُّ مُفاخرًا بما تحقَّق له في الداخل من اهتمام حكومي واسع، يَضعه هدفًا للتنمية وصانعًا لمفرداتها، ومحافظًا على مُكتسباتها، وهو ما ترجمته الاستجابة الحكومية السريعة لردود الفعل إزاء تسعيرة الوقود لشهر فبراير، وجُملة التوصيات التي حملها بيان مجلس الوزراء سواءً بـ"التثبيت المؤقت" أو "الإصرار" على دعم فئات المجتمع المستحقة لتحرير أسعار بِيْع الوقود.. وهو تحرُّك يحملُ من الدلالات والمضامين ما يُترجم حرصًا ساميًا لحضرة صاحب الجلالة السلطان قابوس بن سعيد المعظم -حفظه الله ورعاه- والحكومة الرشيدة، على الاستماع لما يعتمل في المجتمع، والتجاوب لاهتمامات المواطنين وتطلعاتهم، إلى أقصى مدى يُمكن أن تسمح به الإمكانيات المتوفرة، والظروف التي تمرُّ بها مرحلة التنمية، وما تطرحه التطوُّرات من خطط مستقبلية واعتبارات.

الدلالة الأولى التي حملتها "تسعيرة فبراير"، كانت تجديد تعهُّد الحكومة بسعيها المستمر والدؤوب لمواصلة البرامج الإنمائية للحفاظ على الاستقرار الاقتصادي، ومراعاة البُعد الاجتماعي للمواطنين، وهو ذات المضمون الذي تضمَّنه بيان مجلس الوزراء مع بدء تداعيات الأزمة الحالية وما صاحبها من مُتغيرات؛ كصمام أمان لأبناء هذا الوطن على اتساع أرضه من كمزار وحتى جبال ضلكوت؛ وتكريسًا لاهتمام متنامٍ بحقوق المواطن الأساسية، وحفاظًا على حقه في عيش كريم، كما نصَّ على ذلك النظام الأساسي للدولة، كإطار للتنظيم.

بينما كانتْ ثاني الدلالات، اكتمالُ عقد دولة المؤسسات والقانون؛ إذ جاءتْ تحرُّكات الحكومة مبنيَّة -إلى جانب ما تقدَّم- على توصيات من مجلس الشورى، الذي كان فاعلًا وحاضرًا بلجانه المختلفة طوال الأيام الماضية؛ وفاءً بالثقة التي حَظِي بها أعضاؤه من أبناء هذا الوطن كصَوْت لهم ومتبنيًّا لطموحاتهم، وكثمرة لإرادة سامية بالتحوُّل إلى "الدولة العصرية في أسرع وقت مُمكن"، وهو مُنجز كذلك يبعث على الطمأنينة في نفس كل مواطن بأنَّ سفينة بلادنا تمضي على المسار الصحيح للفعل التنموي الواعي القائم على الفهم الواقعي لمتطلبات المجتمع، والملبِّي لاحتياجات كل مرحلة وفق أسس منهجية، وبناءً على تخطيط سليم، يكفل تعزيز نهضتنا، ويعمِّق ما تعيشه بلادنا من حِرَاك على كافة المستويات.

ثالث دلالات "تسعيرة فبراير"، كانت التدرُّج الحكومي والرَّصانة في اتخاذ القرار والتعاطي مع المستجدَّات، وأنَّه في سبيل تحقيق العدالة الاجتماعية لا يُمكن التعدي على اختصاصات وصلاحيات اللجان والجهات المسؤولة عن وضع معين في ظرف معين؛ أيًّا ما كانت الأسباب ومهما كانت النتائج، وهو ما أشار إليه بيانيْ مجلس الوزراء والشورى "إلى أنْ تستكمل اللجنة المكلَّفة لمتابعة أسعار النفط الآليات والإجراءات التنفيذية لدعم الفئات المستحقة من المواطنين"، واكتفاء البيانيْن بالحديث عن "توصيات" و"توجيهات"؛ سواءً بالتثبيت المؤقت، أو سحب جميع بطاقات دعم الوقود المجانية من جميع المسؤولين الحكوميين، وتوضيح المعنيين بالحكومة للآليات التي يتم من خلالها احتساب تسعيرة المنتجات النفطية وهامش الربح من هذه المنتجات ومشتقاتها.. وللتوضيح: فإنَّ فكرة التثبيت التي قد يراها البعض تدخلا في اختصاصات "لجنة التسعير الوقود" -المشكَّلة من وكلاء لوزارات المالية والنفط والغاز والتجارة والصناعة والرئيس التنفيذي لـ"أوربك"- هي في الأساس تطبيق لـ"مرجعية الحكومة" في الضبط والتعديل، التي تبقى أساس المعالجة والاحتواء "وكأصل تعود إليه كل الفروع".

الدلالة الرابعة تخرج عن سياق بيانيْ الحكومة ومجلس الشورى، لتصوغها المسؤولية الوطنية للمواطنين أنفسهم؛ بأن يُدرك الجميع طبيعة الظروف الراهنة، وأهمية تعاونهم والقيام بمسؤولياتهم، والكف عن التذمُّر والشكوى وبث رسائل التثبيط والإحباط سواءً عبر وسائل التواصل الاجتماعي، أو في اللقاءات اليومية المختلفة، وأن يعي كل منهم أنَّ تجاوز هذه الظروف بأنسب الوسائل هو مسؤولية الجميع دون استثناء. ومن جانبها تواصل الحكومة تأكيداتها على تَجْنِيْب أبناء الوطن تداعيات أي أزمة، وتصغي بأذُنٍ واعية لكل رأي موضوعي ينطلق من إلمام كامل، وتبذل في سبيل تحقيقه ما بوسعها من جهود؛ حتى ممثلو الشعب في الجهات البرلمانية المختلفة -أعضاء "الشورى" و"البلدي"- لا يدَّخرون جهدًا في سبيل إيصال أصواتكم للمسؤولين، ومتابعتهم، وإصدار التوصيات الضامنة لتحقيق أكبر عائدٍ لكم. واليوم علينا جميعًا أن ندعم كل هذه التحرُّكات، وأن نضع جميعا أيدينا معا لتحقيق كل ما يعود بالخير على الوطن والمواطن اليوم وغدًا، فنحن جميعا في سفينة واحدة.

إنَّ جُملة الدلالات والمضامين التي أبرزتها "تسعيرة فبراير"، تجعل من ضرورة مساندة الدولة في مهامها الحالية، مسؤولية وطنية على المخلصين من أبناء عُمان، لنتجاوز جميعًا التحديات والمصاعب الحالية، وأن يضع الجميع في الاعتبار أنَّ المسيرة المتواصلة للبحث عن حلول ستبقى رهن دراسات وتقييم للبدائل وأساليب مختلفة ومتنوعة، قد يستغرق تحديدها وبلورتها وتحويلها إلى إجراءات تنفيذية لدعم فئات المجتمع المختلفة بعضَ الوقت، وهو ما ستكون الحاجة معه أكبر لشراكة حقيقية بكل ما تحمله الكلمة من معانٍ.