البحرين.. مسؤولية قيادة شارع الإسلام السياسي السني

 

عبيدلي العبيدلي

على امتداد السنوات الست الماضية، كانت هناك محاولات جادة ومسؤولة لتشخيص الواقع البحريني من أجل تلمس الأخطاء التي ارتكبها هذا الفصيل أو ذاك من مكونات العمل السياسي البحريني، وفهم الأسباب الرئيسة التي قادت البلاد إلى ما يشبه الجمود السياسي الذي يكاد يقود الجميع نحو هاوية الإحباط ومنها إلى حافة اليأس. لم يخلُ بعض تلك المحاولات من توجيه التهمة نحو هذا الطرف أو ذاك من مسؤولية ما نحن اليوم عليه من حالة تعددت أعراضها، لكن الأهم من بين جميع تلك الأعراض حالة "اللامبالاة المشوبة بتوجيه التهم نحو الآخرين والتنصل من أية مسؤولية".

هذه مقدمة مقتضبة لا بد منها للدخول نحو الموضوع الأساس وهو مسؤولية "قيادة شارع الإسلام السياسي السني" أمام هذا المنعطف المميز الذي لم يسبق للبحرين أن مرت به في أي من مراحل تاريخها السياسي الحديث والمعاصر.

نقطة الانطلاق هنا هي أن هذه الدعوة لشارع الإسلام السياسي السني ترفض الاستناد في حل المشكلة البحرينية إلى منطلقات طائفية، فمثل هذه الدعوة تحمل جنين وفاتها في أحشائها، وعليه فإن استخدام مصطلح "الإسلام السياسي السني"، لا يعني الخضوع لهذا الواقع التشطيري غير المجدي، بقدر ما هو محاولة تساعد على النهوض من حالة فرضتها الظروف الموضوعية نحو أخرى بديلة تتيحها قوانين مشروع التخلص من تلك الحالة العاقر نحو أخرى منجبة.

يحلو للبعض منا، وهو في طريق إخراجه، بوعي مسبق أو بسذاجة لم تعد مقبولة، للإسلام السياسي السني من معادلة العمل السياسي البحريني إما بهدف الاستئثار بالساحة، أو جراء فشله في التخلص من ذهنية "إقصاء الآخر"، التي تزخر بها ثقافة العمل السياسي العربي، أن يصف "قيادة شارع الإسلام السياسي السني" بالموالاة. وبتنا اليوم في وضع لم يعد مقبول الاستمرار في هذه التسمية، أو حتى إعادة سكبها في صيغ أخرى.

هذه الدعوة، التي نأمل أن تجد صداها لدى "قيادة شارع الإسلام السياسي السني"، إن أريد لها أن تتحول إلى مشروع سياسي يُسهم في انتشال البحرين مما هي عليه اليوم، تضع تلك القيادة أمام مسؤولية تاريخية غير مسبوقة، تتطلب منطلقات تخرج نفسها من "صندوق التفكير التقليدي"، كي تضع نفسها في قوالب مبدعة جديدة ترتكز على مجموعة من المسلمات ربما تكون الأبرز، والأكثر حضورا؛ بينها هي:

1- التمرُّد على الفهم الطائفي للأحداث؛ فمجرد الانطلاق من خلفيات تاريخية طائفية، ستجد تلك القيادة نفسها مرة أخرى تعود إلى نقطة البداية التي تتوهم أنها تجاوزتها. فهي، أي تلك القيادة، سواء أدركت أم لم تدرك تكون قد حفرت قبرها بيديها، وسلمت نفسها ضحية سهلة لمن لا يريد لها أن تمارس دورها التاريخي، وأعطته خنجرا مسموما وشجعته على غرسه في خاصرتها. قد ينجح المدخل الطائفي في ضخ طاقة مؤقتة في جسد تلك القيادة، لكنها طاقة شبيهة بتلك النشوة التي يتمتع بها جسم الإنسان قبل تسليم الروح، خاطفة ومؤقتة وتقوده نحو القبر.

2- إعادة صياغة مداخل قاموس مفردات العمل السياسي البحريني الذي تم الترويج له، وأول تلك المداخل، تقسيم الشارع السياسي البحريني إلى شطرين متناحرين، يضع الأول منهما في صفوف "المعارضة"، ويرغم الثاني على القبول بصفة "الموالاة". فمن قبل، غير مُرْغَم، بميثاق العمل الوطني مطالب، كي يكون منسجما مع نفسه، أن يمارس دوره السياسي في هذا الإطار، وسيجد حينها أنه أحرج الآخرين، وأجبرهم، دون فرض أية ضغوط خارجه على أطر ذلك الميثاق، على القبول بقوانين اللعبة السياسية التي أسس لها الميثاق. هذا المستوى المعقد في العمل السياسي العلني بات مطلوبا أن يتبناه من يريد أن يكون طرفا قائدا في عملية التحول التاريخي التي تقف على أعتابها البحرين.

3- الرفض المطلق، بعد تصحيح القراءة، لأي مدخل طائفي لحل الأزمة. فالمقدمات الخاطئة لا يمكن إلا أن تقود إلى نتائج مدمرة. فالمسؤولية التاريخية الملقاة على عاتق "قيادة شارع الإسلام السياسي السني"، أن ترتفع فوق جراحها، وتمحو تلك الطبقة المتكلسة التي فرضت على سلوكها فأسرتها في قوقعة طائفية، لم يعد من المنطق الخضوع لها، والقبول بقوانينها، والاستمرار في ممارساتها. هنا ينبغي التمييز بين التشخيص والممارسة، فالقول بأن هناك موجة طائفية عارمة تسيطر على سلوك المواطن البحريني، لا يعني خضوع من يطمح لقيادة العمل السياسي لهذه الحالة التي يفترض منه أن يتصدى لنسفها من جذورها. هذا المدخل، والذي تُجْمِع عليه كتابات مكونات العمل السياسي -بغض النظر عن سلوكها المناقض له- يمكنه أن يشكل نقطة تحول، من شأنها أن تضع بين يدي "قيادة شارع الإسلام السياسي السني" ورقة قوية رابحة على طاولة أية حوار وطني محتمل، وبوسعها أيضا أن تمهد طريقها للانتقال من قيادة طائفية إلى أخرى وطنية، دون التفريط في نكهتها الدينية.

4- تحاشي القراءة المضخِّمة لنسبة انعكاس الأوضاع الإقليمية، على وجه الخصوص، والدولية على وجه العموم، على واقع وتطور الأحداث في المشهد السياسي البحريني، إلى درجة الوصول إلى مُسلَّمة مدمرة تؤمن بأن على البحرين، إن شاءت أن تنعم بأي تغيير إيجابي، أن تنتظر ما تؤول إليه الأوضاع الإقليمية. هذه القراءة التيئيسة غير المسؤولة مدمرة وتشيع حالة من الاسترخاء التي لم يعد من المنطق القبول بها. لا شك أن لتلك الأوضاع دورها في التأثير، لكنها ليست العنصر الأساس الذي يستحيل التغيير بدونه. هناك حاجة ماسة لأن ترى قيادة الشارع السني بنظارة مختلفة تضع نسب التأثير في مكانها الصحيح، وفي المساحة التي تستحقها كل قوة من القوى الفاعلة في المشهد السياسي البحريني.

تحمل كل نقطة من تلك النقاط مجموعة معقدة من التفاصيل التي تحتاجها "قيادة شارع الإسلام السياسي السني". هذا التعقيد الذي لا يستطيع أن ينكره أحد، هو الذي يجعل منها قيادة تاريخية، تقود عملية تحول تاريخي، تأخذ بيد البلاد والعباد نحو مستقبل تاريخي، تقف البحرين اليوم أمام مفترق طرق تبدو مسدودة، لكن ليس من المحال تجاوزه.