مدرين المكتومية
حينما نعتاد العتمة لا يعني ذلك أنَّنا نكره النُّور بل يعني أنَّه ليس بالضرورة أن تكون العتمة هي زاوية للنهايات بل ربما هي سطور البداية ولأنني أتحدث عن العتمة فلا يعني أني أقصد العتمة بمفهموها الفعلي، بل ربما أقصد بها القلوب التي غدت سوداء وأوشكت صفحاتها البيضاء على النفاد... لكل إنسان منِّا حياته ولكل شخص رؤيته ونظرته للأشياء وربما الكثير منِّا تناسى القلوب ليهتم بالإطار الخارجي ويكون الشكل هو المرجع الأساسي في علاقته بالآخرين والذي ربما تكون قد مرَّت عليه أنامل مبدعة أحسنت الرسم وأبدعت في تحسين شكله، ولكن هل تساءل أحدنا في يوم من الأيام هل للقلوب علاقة بلون البشرة..؟ وهل نستطيع إطلاق الأحكام على الأشخاص من خلال الإطار الخارجي لهم دون أن نغوص في العمق ونثبر كنه طبائعهم وأخلاقهم؟ الإجابة بالنسبة لي وأتمنى أن تكون بالنسبة لكم أيضاً هي بالطبع لا... فقد قال الشاعر: بناتُ حواءَ أعشابٌ وأزهارُ، فاستلهمِ العقلَ وأنظرْ كيف تختارُ ولا يُغرَّنكَ الوجهُ الجميلُ، فكم في الزهرِ سمٌ وكم في العُشْبِ عقارُ.
فحين نُلقي أحكاماً يجب أن تكون مُستندة على وقائع وخطوط عريضة قبل تقديمها، فالأمر كما هو الحال مع القاضي والمُتهم فكلاهما يمثلان ملف قضية لا يجب الحكم فيها دون التَّعرف على حيثياتها وأدلتها، فالبينة على من ادِّعى واليمين على من أنكر، ونحن كبشر علينا أن ندرك أنَّ أحكامنا على الأشخاص يجب أن لا تستند على الشكل فقط، حتى لا نقع في براثن الظلم بإطلاق الأحكام عليهم من مجرد نظرة، يُعجبنا خلالها شكله ولون بشرته أو مظهره الخارجي المُهندم، وما أود إيضاحه وإيصال رسالة استيعابه للكثيرين هي تلك التفرقة التي تبنى على الألوان والتي قد يضع بعض الأشخاص من خلالها أحكاماً قاسية، فنحن شعب يدَّعي الانفتاح وتقبل الآخر لكن نرفض اختلافاتنا البسيطة لذلك يقف بعضنا أمام زواج حتى لا يتم بسبب لون، وعلاقة أخرى تظل طي الكتمان بسبب مظهر، وعمل لا يتحقق بسبب جنس ومظهر، هذا وللأسف يظهر أن بعضنا بات اهتمامهم مقتصراً على القشور دون النظر إلى جوهر الأشياء، حتى نسينا أنَّ أساس كل شيء هو ذلك القلب القابع في زاوية من صدرونا والتي تنبض حبا أو كرها ولكننا في كل الأحوال تجاهلناه أمام نظرة قاصرة.
ولو تخيلنا للحظة أنّ كل الأشخاص لديهم أبواب تقيمهم، سنقول إنّ خلف كل باب هناك روح إما أن تكون روحاً جميلة أو شريرة ومن بين تلك الأرواح يكون تقييمنا الحقيقي للآخرين، لأن القلوب هي التعاملات والمشاعر والأخلاق، ولأننا نعلم أنّ الأخلاق لا علاقة لها بالوجه والهندام والإطار الخارجي، لكن منبعها الأساسي التربية والعائلة والمحيط علينا أن نحتفظ بأحكامنا حتى تتسنى لنا فرصة التَّعرف على الطرف الآخر حتى نُحسن الاختيار، ولا نُدرك لاحقا ومتأخرا أن أحكامنا كانت خاطئة وفاشلة فنعض أصابع الندم على إطلاقها طوال حياتنا، لذلك حين نختار يجب أن تمر خياراتنا على معايير تتجاوز محطة النظرة الأولى والمتسرعة، إلى محطات مرتبطة بالتَّعرف والحديث والنقاش وتبادل الآراء والمعايشة الحقيقية التي تظهر من خلالها المعادن الحقيقية في المواقف حينها سنتجاوز مرحلة إطلاق الأحكام بمجرد النظرة الأولى.
madreen@alroya.info