ركلة "حرة" مباشرة!!

 

 

مسعود الحمداني

 (1)

نحنُ قومٌ تجمعهم الملاعب، وتفرِّقهم الهزائم.. نتناسى النفط وارتفاعاته وانخفاضاته، والعلاوات الموقوفة، والأزمة المالية، وهزائم المنتخب (الأول) المتلاحقة، ونجري وراء أي بارقة انتصار حتى ولو كان فوزَ بعير في سباق (لا ناقة لنا فيه ولا جمل).. هكذا بكل بساطة ننسى كل انكساراتنا، وإحباطاتنا، وننتظر تحت ظل شجرة أي مارٍ يوزع علينا الحلوى، فنفرح، ونعتقد أن كل الأمور "آخر تمام"؛ فالعاطفة الجياشة التي استهلكتنا كشعوب يمكن أن تحوِّلنا من حالة مزاجية سيئة إلى حالة مزاجية رائقة، بين ليلةٍ وضحاها، حتى حين.

 

(2)

لعلَّ كرة القدم دليلٌ ساطعٌ على مزاجيتنا؛ فحين تتوالى الهزائم على المنتخب "الأول"، نغضب بشدة، وندين المدرب واللاعبين ورئيس الاتحاد، وفي أول فوز ولو على فريق من أدغال آسيا الوسطى نهلل ونكبِّر، ونرقص في الشوارع، وننسى أن المنتخب ما زال بائسا، وأن الحال لم تتغيَّر، وأنَّ المنافس ليس سوى فريق "أسوأ" من منتخبنا، ولكن العاطفة تحركنا "يمينا أو شمالا"، وننسى كل الهزائم ونتشبث بقشة الفوز اليتيم.. لذلك فـ"أهدافنا" لا تتعدى أسفل أقدامنا.

 

(3)

المنتخب العسكري فاق توقعات الكثيرين، وأطاح بالعديد من المنافسين، واصطف الجمهور وراءه وأمامه، غير أنَّ هذا الحدث الرياضي لم يُستغل إعلاميا على الإطلاق خوفا من نتائج سلبية كان بعض المسؤولين يتوقعونها للمنتخب؛ لذلك فضَّلوا العمل في "الظل"، وبعيدا عن وسائل الإعلام الخارجية. ولم تَحْظَ هذه البطولة العالمية بما يناسبها من تغطية إعلامية كافية، ولم أشاهد خبراً عن هذه المنافسة في أي فضائية خارج السلطنة رغم مشاركة منتخبات من قارات مختلفة؛ لأنَّ عقلية الفوز والخسارة غلبت على عقلية التنظيم والترويج، ولم نجنِ من البطولة إلا انتصارات كروية لحظية، بينما نسينا الترويج السياحي والإعلامي الذي كان يمكن أن تحققه مثل هذه البطولة.

المناسبات العالمية التي تقام على أرض السلطنة تستحق تخطيطا عالي المستوى، ورسم أهداف أبعد وأكثر شمولية للوصول إلى كل ما يمكن أن تجنيه الدولة من ثمار على كافة الأصعدة، وليس الاكتفاء بمناسبة وقتية تزول بمجرد إسدال الستار على أحداثها.

 

(4)

العرب جنسٌ غريبٌ وعجيب، يصعُب تحليله، وإخضاعه لأي منطق، فبينما يتركون مئات المفكرين، والعلماء، والأطباء، والمهندسين من دول (شقيقة) يطيرون من بين أيديهم، ويهاجرون ويغتربون في دول أوروبا وأمريكا، لتتلقفهم تلك الدول ويستفيدوا من علمهم، وخبراتهم، وعقولهم، وليبنوا بهم أوطانهم.. يجري العرب وراء لاعبين بألسنة مختلفة، انتماءاتهم للمال، ليحققوا فوزا في بطولة كروية، أو يجنوا نتائج في مناسبة رياضية باهتة، ثم يظلون بعد حين عالة على الدولة المجنِّسة!

هذا ما يسمونه: اختلاف "أهداف" لا أكثر بيننا وبين الدول المتحضرة.

 

(5)

كُرة القدم تُبرهن أنَّ حالات البشر متقلِّبة وغير ثابتة، ففوز واحد يُنسي الجماهير عشرات الهزائم، وهزيمة واحدة تكفي لنسيان كل البطولات.

انتصارات المنتخب العسكري أنستْ الكثيرين إحباطات المنتخب الأول الذي ما زال يخيب آمال المتابعين، حتى تمنى البعض لو أننا ألغينا هذا المنتخب "الأول"، واستبدلناه بالمنتخب العسكري، رغم أن المنتخبين يضمان نفس الأسماء -تقريبا- ولكنهما يلعبان بروحين مختلفتين!

 

(6)

هذه الكرة "الفارغة" والمجوَّفة من الداخل، كيف لها أن تجمع شعوب العالم على "ركلها"؟!!

"الفراغ" أحيانا يصنع المعجزات!!

 

Samawat2004@live.com