بين غربة واغتراب ...

 

 مريم اللمكية   
 
  من أصعب تجارب الحياة أن تكون في مكان لا يشبك، والأصعب أن تضطر للحياة في ذلك المكان، ثم تراودك ألف فكرة وفكرة للهرب إذ "لايوجد وقت مثالي للهرب فاهرب الآن"، إن الكلمات لا تأتي دائما بمعناها؛ فالهروب أحيانا يكون ضربا من الشجاعة، فأن تقوى على ترك كل شيء وراءك لتحافظ على ما بقي لديك من رمق الأشياء الجميلة فذلك ضرب من الشجاعة، وأن تجد في هذا العالم الفسيح مكانا يشبهك أو قريبا منك تعيد فيه حساباتك وتتعلم الكثير وتفعل الكثير لتعود أقوى، شيء يستحق التجربة. فقط ابحث عما يشبهك حتى إن لم يتطلب الأمر أن ترحل بعيدا عن المكان ربما ما تبحث عنه في داخلك.
  ولكن ليست الأمور دائما على هذا القدر من السهولة فقد يحاصرك ألف قيد وقيد يمنعك من المغادرة، مغادرة المكان إلى مكان آخر يشبهك، أو المغادرة إلى أعماق نفسك بحثا عن ذاتك للخروج بها إلى الوجود وجودا مستقلا، وكل ذلك لتتمكن من إيجاد نوع من التوازن بين لهيب الخارج وبريق الداخل، وكما قال أحد الفلاسفة "إن أعمق سفر يقوم به الإنسان هو الغوص في أعماق نفسه".
  وكما يكون قرار الرحيل في بعض الظروف حكمة وشجاعة، يكون قرار البقاء كذلك. ولكن سيكون أمامك هنا طرقا محددة كل واحد منها أصعب من الآخر : أن تناقض ما في داخلك فتضيع هوية ذاتك، أن تقدم شيئا من التنازلات ولكن خيانة المبادئ ليس فيها أنصاف الحلول، أن تحاول جعل ما في الخارج يشبهك ما دام ما في داخلك جميلا وهذا من أصعب الطرق ولكنه شجاعة البقاء.
  وحتى عندما نحصل على أنصاف الحلول ونستطيع تغيير شيئا ما مما حولنا لا لمجرد أن يشبهنا بل بهدف أن يشبه شيئا جميلا أو أن يكون شيئا جميلا، فلا ريب أننا قد نصل في بعض المرات إلى طرق قد تبدو مسدودة، وفي أحيان كثيرة سنبدو منهكو القوى الموزعة بين غرس هذه القيم والمبادئ لتغيير ما يمكن تغييره قدر المستطاع، وبين المقاومة المستميتة لتبقى قواك صامدة في وجه المعركة الجارية بين ما في داخلك وما حولك، فمن أصعب تجارب الحياة أن تكون في مكان لا يشبهك. وقد تحظى في بعض الأحيان إلى تحقيق أمر يمنحك شيئا من بارقة أمل، وقد تسير الأمور في تأزم فلا عقدة تنفك ولا حل يلوح في الأفق أو بين تقاسيم السطور القادمة، وتبقى الحكاية حكاية إما غربة وإما اغتراب وربما كلاهما معا ...                       

تعليق عبر الفيس بوك