عبدالله العليان
في اللقاء الذي جَرَى بمجلس الشورى، الأسبوع المنصرم، عندما ألقى معالي وزير القوى العاملة بيانه لدور الانعقاد السنوي الثامن للمجلس، ثمَّ الأسئلة التي طرحها أصحاب السعادة أعضاء مجلس الشورى، على معالي الشيخ الوزير، برزت العديد من القضايا التي تدعو للتخوف مما يترتب على آثارها اجتماعياً واقتصادياً في بلادنا، وهو وجود قرابة المليونين من الوافدين كما جاء من بعض الأعضاء، وفي الجانب الثاني وجود ما يزيد على 43 ألفاً من العمانيين من الباحثين عن عمل، وفق ما جاء في بيان معالي الوزير، أغلبهم من الخريجين من حملة الشهادات الجامعية، بينما يرى بعض أصحاب السعادة الأعضاء من المتحدثين أن هذا الرقم أكثر بكثير مما جاء في البيان، خاصة وأن التوظيف متوقف منذ بروز الأزمة المالية في 2014، عدا بعض الوظائف المحدودة في القطاع الحكومي، ولاشك أن الأمر يحتاج إلى وقفة جادة من قضية العمالة الكبيرة في سوق العمل، وإيجاد الحلول للباحثين العمانيين عن عمل، وإذا كانت بعض التصريحات من بعض الجهات الرسمية، أنَّ التوظيف في القطاع الحكومي سيكون محدودا جدا في الخطة السنوية التي أعلن عنها مؤخراً، فإنَّ هذه الإشارة واضحة، أن على القطاع الخاص ألا يتهرب من المسؤولية الوطنية والاجتماعية لتوظيف العمانيين، خاصة في وجود الأعداد الكبيرة من العمالة غير الوطنية في كل المستويات الوظيفية، والتي تحتاج إلى مراجعة جدية وسريعة، وهذا ما عبَّر عنه سعادة محمد بن سالم البوسعيدي رئيس لجنة الشباب والموارد البشرية بمجلس الشورى في هذا اللقاء، من أن بيان معالي الوزير "خلا من أي خطط مستقبلية، كما لم يحمل البيان تقييماً للخطة الخمسية التاسعة والتي تستهدف توفير ما يقل عن 200 ألف وظيفة للعمانيين في القطاعين -مشيرا في فقرة أخرى إلى- أن وزارة القوى العاملة تعني بمتابعة أكثر من50% من تعداد السكان في السلطنة (من الوافدين)، فهناك ما يقارب المليوني وافد يعملون في القطاع الخاص و220 ألفا من العمانيين في هذا القطاع، وهي أرقام كبيرة جداً". ولا شك أن الأرقام ليست كبيرة فحسب، بل إنها مخيفة، ولا يجب أن يتم غض الطرف عنها؛ لأنها زائدة على الحد المطلوب، وفي نفس الوقت وجودها يعني أنها تنافس العمالة الوطنية؛ إذ هناك عمالة وافدة ليست في وظائف صغيرة، بل في وظائف كبيرة إدارية وغير إدارية، في الوقت الذي تزداد فيه المخرجات الجامعية العمانية في كل التخصصات سنوياً، وعلى وزارة القوى العاملة مسؤولية اتخاذ خطوات جادة، ووقفة مع القطاع الخاص في أن يُسهم في تحمل المسؤولية الوطنية هذه؛ حيث إنَّ ظروف الحكومة الراهنة لا تستطيع استيعاب هذه المخرجات الجامعية، ولابد من الإحلال الجاد، بعيداً عن التحايل والهروب من مسؤولية التعمين، وهناك وظائف كبيرة من غير العمانيين، إدارية وغير إدارية، في الشركات والمؤسسات الكبيرة، ومنها وكالات السيارات، وقد كتبت كثيراً منذ عدة سنوات عن أهمية الإحلال للكفاءات العمانية في هذا القطاع، أسوة بقطاع المصارف، الذي أصبح التعمين يفوق فيه كل المؤسسات، وبنجاح كبير، فلماذا الهروب من المسؤولية الوطنية والاجتماعية؟ وقد كررت هذا الأمر العديد من المقالات، وسوف استمر، فالأمر أصبح مهمًّا وضرورياً، لابد من التحرك لحلها، فزيادة الأعداد من الباحثين العمانيين عن العمل سنويا، دون إيجاد وظائف لهم، له مساوئ كثيرة، اجتماعية واقتصادية وسياسية، والسكوت أو التذرع بمقولات نكررها دائماً لا تحل شيئاً، ولا تحقق لنا أمنا ثقافيا واجتماعيا، في ظل التحولات الكبيرة في عالم اليوم، فكريًّا وتكنولوجيًّا، فاقتراب نصف السكان من العمالة الوافدة أمر ليس عادياً أبداً، حتى لو كانت هذه الأعداد لا تنافس العمانيين في هذه الوظائف، بل إنَّ هذه الأعداد تشكل مشكلات كثيرة، وقد حصلت العديد من القضايا جراء هذه الأعداد، بل إنَّ الكثيرَ من العمالة ليس لها عمل، وهي سائبة، وهذه أيضاً لها أسبابها السلبية، والحقيقة أن التعمين تراجع كثيرا في القطاع الخاص، وخاصة الوظائف المتوسطة والكبيرة، ربما القطاع الخاص يتهرب من استحقاقاته، وهو تطبيق التعمين، وقد ذكرت قبل عدة أشهر مقالا عن هذا التراجع، حين كنت في إحدى البنايات التجارية في العاصمة مسقط، وهذا المبنى يضم الكثير من المؤسسات التجارية وغيرها، وكان الوقت يقترب من الواحدة بعد الظهر، فشاهدت خروج العديد من الموظفين الوافدين من إحدى هذه المؤسسات في أحد الطوابق، ولم أشاهد موظفاً عمانيًّا مع الخارجين، وكان التوقيت مع انتهاء الدوام الرسمي للقطاع الخاص، وهذا أمر لافت حقيقة أن تخلو مؤسسات في القطاع الخاص من وجود موظفين عمانيين، وتلك الشركة هي من شركات تمويل السيارات، واستغربت: لماذا لم يتحقق التعمين في أغلبية هذه الوظائف، مع أن تلك المهام الوظيفية في شركات التمويل لا تتطلب مؤهلات عالية، وتكفي هذه الوظائف مخرجات الثانوية العامة، وهم ربما بعشرات الآلاف من العمانيين المسجلين في هيئة القوى العاملة؟! وعندما كُنت أتناقش مع أحد الأصدقاء حول ما شاهدته في الموضوع المشار إليه، وكنا في الطريق إلى منطقة الخوير السكنية، قال لي: انظر إلى هذه الأعداد الكبيرة من السيارات الخارجة من الدوام الرسمي للقطاع الخاص، والأغلبية من الموظفين وافدون، وفعلاً تشاهد أعدادًا كبيرة من غير العمانيين في هذه السيارات الخاصة والنقل العام، والحقيقة أن قضية التعمين تحتاج إلى وقفة جادة، والى تحرُّك من المؤسسات المعنية، خاصة مجلس عُمان بغرفتيه الدولة والشورى لمناقشة التعمين في هذا القطاع، وهل تم التزامه بالتطبيق أم لا؟ لأنَّ عدد الباحثين عن عمل في ازدياد كبير، ولابد من جهود كل الأطراف لوضع قضية التوظيف للعمانيين في الأولوية القصوى، والتأخُّر في هذا الأمر ليس جيدًا، وهذا ليس خافياً على من يهمه هذه الأمر، عندما نتأخر على حل قضية العاطلين عن العمل، وهذه مسؤولية الجميع، وكل الجهات المعنية عليها التحرك لوضع السياسات الناجعة لحل قضية الباحثين عن عمل، وكذلك الزيادة غير الطبيعية غير عدد العمالة الوافدة.