"المؤلف الصغير"

 

 

"نشأة"

سندس إبراهيم **

 

كُنت طفلاً، ظننتُ أنَّ أخي عاد إلينا، إلى قلب والدي المُنكسر، عاد إلى عناق أمي، وعناق منزلنا، بعد غيابه طويلاً، قد رأيته مُغادرًا وقت الفجر ومعه قارورة ماء وبعض الغذاء، يحمل في روحه الحُرة حُبّنا وسِرّه العظيم.

عَلِمَت عائلتي بقدومه منذ أسبوع ولكنني لم أر البهجة وسَطنا قط، بل زاد اليأس والأسى، لم أفهم، حتى رأيتُه يسير منكّسًا رأسه وراء صفوفٍ من البنادق، مقيدًا حافيَ القدمين، وكنت قد حضّرتُ له هديةً بسيطة نسجتها طوال سنتين بيدي الصغيرتين.

إلى وسطِ القرية تبعته عيناي، مستطيلًا بقامتي أحاول رؤيته بشكل أوضح، توقف الجمعُ الذي يقوده وبعضًا من أصدقائِه، وثبتوهم أمام أُسَرِهِم، وأمامي، ليصيح القائد بأن: "اقتلوهم"!

هَدِيَتي لم تضِع هباءً، فقد أخذها أخي معه إلى السماء، كذلك هو حضّر لي هدية، أهداني إياها في نظرتِه، قبل الصيحةِ التي شقّت ضلوعي نافذةً إلى قلبي فأردَته، أهداني فِكرَه، رأيت حياتهُ في لحظةٍ، ووعدته مع صرختي الطفولية التي سمعها بالتأكيد، أنَّ دمه لن يُسال دون أُثر، سيبقى دمه على أرض ذلك المَيدان، على بنادق الطُغاة، يُذكرهم بمن قتلوه يومًا.

 

 

 

** الصف العاشر، مدرسة فاطمة بنت أسد للتعليم الأساسي بعبري

 

تعليق عبر الفيس بوك