آمال السلام في سوريا

 

 

مع إعلان جماعات المعارضة السورية عزمها حضور مُحادثات السلام المزمع عقدها في العاصمة الكازخية أستانة، ومن قبل موافقة الرئيس السوري بشار الأسد على التَّفاوض على "كل شيء" بما في ذلك وضعه كرئيس للجمهورية السورية في الدستور، تبدو آمال السلام قريبة المنال أكثر من أيّ وقت مضى.

فلقد شهدت سوريا خلال السنوات الست الأخيرة ما لم تشهده من دمار وحروب وقتل وتشريد وتهجير خلال العصر الحديث، بل إنّ البعض يذهب إلى أنّ المأساة السورية تفوق ما حدث في بلدان أخرى شهدت اقتتالاً أهلياً وحروباً وفتناً داخلية خلال حقبة التسعينيات من القرن الماضي في شرق أوروبا. وتسببت الأزمة السورية في نشوب حروب بالوكالة، بين أطراف إقليمية ودولية، كل منهم يدعم طرفاً ضد الآخر، والخاسر الأكبر في هذه التراجيديا هو المواطن السوري، الذي ما لبث أن فرَّ هو وعائلته من مدينة إلى أخرى لتفادي ويلات القصف والابتعاد قدر الإمكان عن مواقع الاشتباكات، ما دفع بالكثيرين إلى سلوك دروب وطرق قد تمثل تهديدًا أكبر على حياتهم إذا ما بقوا في مدنهم، فمنهم من عبر البحار ليطلب اللجوء في أوروبا، لكن البعض منهم لم تسعفه ظروفه وابتلعه اليم في أحشائه، في مأساة تكررت على مدى الأعوام الثلاثة الأخيرة بصورة غير مسبوقة، بكى لها الضمير الإنساني.

الأطراف الدولية مطالبة في هذه المحادثات المرتقبة بأن تدعم الحل السياسي لا سواه، وأن تنشد جميعها من خلال أدوات الضغط المتعددة التي تملكها من طرفي الصراع؛ النظام والمعارضة، تطبيق الوقف الكامل والفوري لإطلاق النار، والبدء في عملية نزع سلاح المعارضة وانسحاب القوات التي تقاتل دعمًا لنظام الرئيس الأسد، لضمان عدم وجود أيّ مُبرر لاستئناف الاشتباكات والقتل مجددًا. وهنا يتعيَّن على جميع القوى والمنظمات الدولية السعي الحثيث لإعادة إعمار هذا البلد المنكوب، وإقالته من عثرته، حتى يعود السكان إلى ديارهم ومدنهم التي تحولت إلى مساكن للأشباح. والمعارضة أيضًا مدعوة إلى وضع مصلحة المواطن البسيط فوق كل اعتبار، ووقف أنهار الدم السائلة.

إنَّ الأزمة السورية لن تشهد انفراجة سوى بتكاتف السوريين أنفسهم، دون أيّ تدخل خارجي، وعلى المجتمع الدولي بما تبقى له من إنسانية أن يدعم الحل السياسي الذي يضمن تحييد أطراف الصراع وإعطاء المواطن السوري الحق في اختيار من يرأسه.

تعليق عبر الفيس بوك