التنمية.. مسؤولية الجميع

 

حاتم الطائي

وَحْدها المسؤولية الوطنية هي التي تَرْسِم خارطة طريقٍ واضحةَ للتنمية المستدامة.. ففي ظل هذا الحِرَاك الحكومي الواسع الذي هيَّأ السبيلَ أمام خروجٍ آمنٍ للسلطنة من مَرْحَلة عُنق الزجاجة في أزمة انهيار أسعار النفط، وما سَبَقَ ذلك من خُطى وجُهود لتحقيق مُنجز تنموي واعدٍ، وما يُنتظَر من توجُّهات تَلْمَع في الأفق مع بدء مُباشرة أعمال البرنامج الوطني لتعزيز التنويع الاقتصادي "تنفيذ"، تعكُس كلها حالةً مُتفرِّدةً تَجْمَع بين التخطيط والبناء، وتَسْتَدعي من الجميع ترجمةً واقعية لمُفردات المواطنة الحقيقية، بأعمقِ أشكالها وأبسطِ تطبيقاتها؛ كإحدى قنوات دعم المصلحة العامة، وضمان أمننا واستقرارنا، وكعنصرٍ أساسيٍّ مطلوبٍ لتمتين عُرى العلاقة الطردية القائمة بين أطراف المعادلة الثلاثة: الوطن، والمواطن، والتنمية.

إنَّ واجب المواطنة -في أشمل معانيه- يتطلب وعيًا كاملاً بمسؤولية الفرد تجاه الوطن، وبما يفرضه ذلك عليه من تعاونٍ والتزامٍ ومشاركةٍ جادَّة لمواصلة مسيرة البناء، وأن نتخلى عن تلك الثقافة السلبية التي نبحث بها دائماً عمَّن يتحمَّل عنا مسؤولياتنا. فما تحقق لعُمان من تطوُّر يشهد به القاصي والداني، على مختلف المستويات: سياسيًّا، واقتصاديًّا، وثقافيًّا، وتعليميًّا، واجتماعيًّا، وعدليًّا، وتشريعات مالية مرنة، وما واكب ذلك من مؤسسات خدمية إمعاناً في التنظيم، يستوجب مِنَّا جميعًا وقفةً جادةً لتذكُّر ما قدَّمناه للوطن من مواقع مسؤولياتنا، ومراجعة ذواتنا فيما حقَّقناه في الأعوام المنصرمة وما يجب أن نحققه في المستقبل.. وقفة صادقة مع الذات نراجع فيها أخطاءنا ونضعَ الخططَ والحلول لتصحيحها، فنحن لسنا مجتمعا مثالياً، ولسنا مُواطنين بلا أخطاء، بل نحن جزءٌ من عالم واعٍ مُتحرك يُسارع لتصحيح أخطائه والاستفادة منها في المستقبل، فما حولنا يتحوَّل بسرعة مذهلة غير مسبوقة في التاريخ، وتبقى الفائدة والغلبة دائما لمن يستطيع قراءة عناوين الحاضر ويستبق أحداث المستقبل بتؤدةٍ وفكرٍ يتسم بالنظرة بعيدة الأفق.

هي بالطبع دَعْوَة منشؤها الأساسي شعورٌ فِطْريٌّ يُولَد معنا جميعاً في حب الوطن، يتغلغل في أعماقنا، يُوجِّه تصرفاتنا؛ كطاقة نور هائلة تستقر في العقول وترتبط بالنفوس برباط وثيق، وهي مسؤولية كبيرة أمام الله وأمام أنفسنا، لا تقتصر فقط على مَنْ هُم في مناصب رسميَّة أو تنحصر في دائرة اتخاذ القرار؛ فالجميع مسؤول: عاملًا كان أو موظَّفاً، طبيبًا أو مهندسًا، فنيًّا أو طالبا، شابًا كان في عنفوانه، أو كهلاً كبيرًا، رجلاً كان أو امرأة، الكلُّ على عاتقه المسؤولية؛ وأداء تلك المسؤولية واجبٌ، وصيانتها أمانة، والتفريط فيها خصمٌ من أرصدة الجميع.. وهذا بمنتهى الوضوح هو الطريق الذي يجب أن نسلكه، وأن يكون تضافر الجهود هو العنوان والشعار لهذه المرحلة.

إنَّ عُمان الوطن بما تتوافر عليه من مُفردات اجتماعية، توحِّد أبنائها مِمَّن تجمعهم مبادئ وقيم دين واحد، يتفق في مُجمله على ضرورة احترام الوطن ومناصرته، تستحق منا أن نكون عيونًا ساهرة تحمي وتتضامن وتصنع وتحرُس إنجازاتنا، عيونا ساهرة تُثبت بأفعالها الولاء في الشدة كما تُثبته في الرخاء، والعرفان لوطن قدَّم وأعطى من خيراته لشعبه، ربَّى وأنشأ، علَّم وثقَّف، وحمى وأمَّن الاستقرار والأمن والأمان للقائمين على ثراه.. وهذا هو جوهر المواطنة المسؤولة، والمعدن البرَّاق الذي لا يصدأ، تحقيقًا لقول النبي الكريم: "كلُّكم راعٍ، وكلكم مسؤول عن رعيته".

إنَّ تكامليَّة العلاقة بين مسؤولية الحكومة ومسؤولية المواطن، كما أراد لها مولانا حضرة صاحب الجلالة السلطان قابوس بن سعيد المعظم -حفظه الله ورعاه- تؤكِّد -وبوضوح تام- أنَّ الثروة الأولى التي لا تعادلها ثروة هي شعبٌ طموحٌ وإرداة قوية تستمسك بأهْدَاب الأمل؛ باعتبار ذلك ضمانَ مُستقبلنا؛ فبسواعد آبائنا وأجدادنا قامتْ عُمان، وتحقَّقتْ على أيديهم حضارة فوق رمال الصحراء، فأنتجت صَرْحاً شامخاً مُتميزاً يُشار إليه بالبنان. واليوم، نتطلع لمواصلة المسيرة وصناعة مجدٍ جديدٍ، بما نمتلكه من إيمان عَمِيْق خلف قيادةٍ واعيةٍ، وبسواعد وطنية قادرة على العمل والإنجاز.

فعُمان اليوم بحاجة -وأكثر من أي وقت مضى- لأنْ يضطلع الجميع بمسؤولياته، وأن يشمِّر أبناؤها عن سواعد الجد ليحقُّقوا طموحَ الوطن، ولنبدأ سويًّا مَرَحلة عَمَلٍ جديدة، لا مجال فيها للتقصير أو التقاعس عن أداء المهام والمسؤوليات.. وإنما هي مرحلة الجهود الحثيثة، والآمال العريضة، والتطلعات التي لا حدود لها، ردًّا لجميل هذا الوطن، ومن منطلق واجبات المواطنة الحقيقية، والاعتزاز بالهُوية والانتماء للوطن، الذي نَسْعَى جميعاً لرفعته والنهوض به.