د. سيف المعمري
تابعت خلال العام الماضي؛ وهو العام الذي أعلنت فيه حالة التقشف في المنطقة، عددا من المقالات التي تتحدث إما عن تشخيص هذه الأزمة وتداعياتها، أو أنها تنادي الحكومات بضرورة الإسراع في برامج التنويع الاقتصادي، أو أنها تطالب المجتمع أن يتفهم أن له دورا أساسيا في مواجهة هذه الأزمة؛ إمّا بدفع الضرائب أو بتقبل التغييرات المالية التقشفية التي تمس حياته، وحضرت مجموعة من المؤتمرات في المنطقة ووجدتها تركز على أهمية تعزيز الهوية والمواطنة التي يندمج فيها الفرد في الجماعة بدون نقاش لما يجري، ويطيع فيها القوانين حتى وإن كانت غير عادلة، وذهب بعض هذه المؤتمرات إلى التوصية بتحصين عقول الشباب مما أسماه البعض بالغزو الفكري الذي بات يأتي من كل مكان خاصة في ظل تزايد استخدام الشباب لشبكات التواصل الاجتماعي، لكن لم أجد في كل هذه المؤتمرات أو المقالات من يتكلم عن إعادة النظر في سياسات تمكين الشباب خاصة في أهم ساحتين وهما الساحة السياسية والساحة الاقتصادية، أي المشاركة في صناعة القرار وإدارته، والحصول على فرص عمل في الجانب الاقتصادي تضمن استقرار الحياة، أذن كيف تهدئ مخاوف الشباب من المستقبل وهم يجدون أنفسهم مهمشين سياسياً واقتصادياً؟
إن الإجابة عن هذا السؤال، تتطلب قراءة لواقع تتشابك فيها العوامل وتتداخل، ويتطلب الأمر قراءة في إطار سياقات وطنية، وكذلك في إطار أوسع عالمي لواقع تمكين الشباب والإشكاليات التي تواجههم لانتزاع فرص تساعدهم على العمل على تقليل الإشكاليات التي ترحل تراكماتها للمستقبل الذي سيكونون فيه وحدهم المسؤولين عن مواجهتها، ولذا لابد من محاولة فهم هذه العوامل وتحليلها من حيث علاقتها في صناعة هذا الواقع الذي يعيشه الشباب في المنطقة، وكيف يمكن اقناع مُتخذي القرار وصناع السياسات في المنطقة بأهمية الالتفات إلى الشباب الذين يمثلون اليوم في كثير من المجتمعات الإنسانية الفئة الأكبر غير المُمَكَّنة من المشاركة في صناعة الواقع الذي يتحول ويتطور ويزداد تأزماً، جيل الشباب وفق ما يذكر برنامج الأمم المتحدة (2014) هو الأكثر عددًا من أي وقت مضى، فنسبة أكثر من 60 في المائة من سكان العديد من البلدان المستفيدة من برنامج الأمم المتحدة الإنمائي هي من الشباب الذين تتراوح أعمارهم ما بين 15-24 عاماً، وأشارت إحصائية نشرت على موقع البنك الدولي في عام 2016 إلى أن ثلث شباب العالم عاطلون عن العمل ومن بين المليار شاب الذين سيدخلون سوق العمل في العقد القادم، يتوقع أن يحصل (40%) على وظائف متوفرة حاليا، وسيحتاج الاقتصاد العالمي إلى خلق (600) مليون فرصة عمل في السنوات العشر المقبلة لمواكبة الطلب المتزايد للشباب على العمل. وتتوقع منظمة العمل الدولية أن تصل معدلات البطالة بين الشباب في العالم إلى (212) مليون شخص في عام 2019 من 201 مليون شخص في عام 2015.
إنّ الإحصاءات التقديرية للبنك الدولي التي تعود إلى 2014 م حول البطالة في دول الخليج تشير إلى تنامٍ في مختلف الدول، حيث بلغت في السعودية (5.6%)، وفي البحرين (3.9%)، وفي الإمارات (3.6%)، والكويت (3%)، وعمان (7.2%)، وقطر (0.3%)، وهذه النسب تشير إلى ارتفاع نسبة البطالة في الفئة العمرية من (24-29) سنة أي في فئة الخريجين الجدد من الكليات والجامعات، وأيضًا ترتفع عند الإناث أكثر منها عند الذكور، وهي تقديرات ربما تكون أعلى مما هو عليه الواقع خاصة أنّها تعود إلى عام 2014م، والآن قد مضى سنتان تضاعفت فيها تأثير الأزمة المالية وقادت إلى تقليص توليد الوظائف في القطاع العام، وبالتالي مع استمرارية الأوضاع كما هي عليه فإنّه من المتوقع أن ترتفع نسب البطالة في أوساط الشباب وتتضاءل حظوظهم في المشاركة الاقتصادية.
إنّ المستقبل الذي نتجاهله لا يلبث أن نصل إليه بسرعة ونعيشه واقعا أسوأ مما تخيلناه، لقد ضاعت فرص كثيرة لاستثمار عوائد النفط بشكل أفضل، كل المخاوف التي تنبأ وحذر منها كثير من الباحثين والمفكرين في المنطقة ولم يكترث بها أحد تحققت، ونحن اليوم نمضي بسرعة في مرحلة صعبة جدا لا يريد أن يعترف أحد بها، ولكن جزءًا منها أصبح واقعا، وبدأت تتكاثر اللاءات في المنطقة، ومنها "لا" توظيف، و"لا" دعم، و"لا" تراجع عن الضرائب، من الذي سيتحمل هذا الواقع إنّهم جيل الشباب الذين صور لهم الإعلام والمدارس خلال مراحلهم العمرية المختلفة أنّهم يعيشون في منطقة لا يمكن أن يعانوا فيها يوماً، وبالتالي بدأت مرحلة تبدد الأحلام، ولا يعرف أحد حتى الآن ما المصير الذي يمكن أن يواجه الشباب في المنطقة، وما الأحلام التي يجب عليهم أن يتخلوا عنها، وكيف سيتمكنون من العيش في مدن ومجتمعات فيها من التناقض لا يمكن أن يتخيله أحد، حيث يجد الشاب على سبيل المثال أنّ خبيرا أجنبيا بنفس مؤهلاته وخبراته وإمكاناته يحصل على راتب كبير ويسكن في فيلا في مشروع سياحي، ويركب سيارة فخمة، في وقت لا يجد هو وظيفة في بلده، كيف يمكن السيطرة على الآثار الناتجة من هذه التناقضات وتأثيرها على السلم الاجتماعي على المدى الطويل؟
إنّ تداعيات البطالة عميقة جدا لا يمكن لأحد أن يتنبأ بها، ولها ثمنها الاقتصادي والسياسي والاجتماعي الباهظ، وهو ما يجب أن يُقرأ بشكل جدي خاصة في المجتمعات التي يجد الشباب فيها حالة من اللامساواة في الثروة والفرص، حيث تملك نسبة ضئيلة من السكان الثروة تحرم الغالبية العظمى منها، لقد أظهرت دراسة أعدها باحثون سويسريون أنّ البطالة تسببت في (45) ألف حالة انتحار سنوياً في (63) بلداً خلال الفترة من (2000-2011) على الرغم أن هذه الفترة لم تكن فترة اضطراب اقتصادي إلا في آخر ثلاث سنوات فيها، ناهيك عن حالات الإدمان، والنزعة للعنف والتطرف اللذين لا يزدهران إلا في البيئات الاقتصادية الصعبة.
لا شك أنّ وضع الشباب في دول المنطقة يمثل تحدياً كبيراً، خاصة مع الأزمة الاقتصادية وحالات التقشف التي سيتأثر بها الشباب قبل غيرهم من الفئات، وفي ظل حالة البطء في تحقيق تقدم في الملفات التي تمثل أولوية للمستقبل، ويأتي في مقدمتها التنويع الاقتصادي، وكذلك إصلاح التعليم وتحقيق الجودة، وخلق فرص عمل للشباب بالقطاع الخاص، وبناء مجتمعات مدنيّة قادرة على استثمار قدرات الشباب لبناء مجتمعاتهم، وفي إيجاد بيئات يمكن أن ينجح فيها الشباب كرواد أعمال، ويبدو هذا الواقع الذين يعيشه الشباب مستغربا في منطقة لم تغفل جانب التخطيط وصناعة السياسات الداعمة للشباب، حيث نجد استراتيجيات لتمكين الشباب في معظم الدول الخليجيّة وكذلك بُنى مؤسساتية على شكل وزارات أو لجان لرعاية شؤون الشباب وتمكينهم.
أود أن أختم هذا المقال بعبارة لها دلالتها في هذا السياق الذي نتحدث فيه عن الشباب المورد الأهم في منطقة الخليج، المورد الذي يجب علينا أن نتوقف عن إهداره كما أهدرنا كثيرا من عوائد النفط وغيرها من الثروات خلال فترة زمنية قصيرة، تقول عبارة داج هامرسكجولد "عندما نستكين للأمان نبني عالماً يفتقر إلى الأمان".