حمد بن سالم العلوي
رحم الله الأوائل تركوا لنا الأمثال والعِبر والمآثر، فمن هذه الأمثال أو الحكم، "الطمع يُذهب رأس المال" وهذه حقيقة واقعة، لأنَّ الطمع يُذهب العقل، وعندما يَذهب العقل، يَذهب معه الدين والأخلاق والقيم، فعلى سبيل المثال، قبل الطفرة المالية الأخيرة، والتي ارتبطت بارتفاع أسعار النفط، ولم يُرافقها بالطبع ارتفاع الرواتب والمعاشات، إلا لاحقاً وكأنَّه استدراك لموجة الغلاء، فقد كان إيجار الشقة يتراوح بين (140- 200) ريال عُماني، وكان مُعظم الموظفين يقيمون هم وعائلاتهم بالقرب من أماكن عملهم، وفي ذلك مزايا كثيرة، منها، أنَّ ربَّ الأسرة يستطيع أن يُشرف على أهله وأولاده، وأن يُتابع تربيتهم ودراستهم وتحصيلهم المعرفي والعلمي، وأنّه يظل قريباً منهم، ومطمئناً عليهم، ولن يضطر إلى الذهاب لرؤيتهم في منتصف الأسبوع، وربما لا يضطر للذهاب إلى البلاد كل أسبوع، خاصة إذا كان من سُكان المناطق البعيدة.
ولكن ملاك العَقار، وأصحاب مكاتب العقارات والاحتكار، حتماً لا تعنيهم هذه الأخلاقيات والعواطف، ولهذا رفعوا الإيجارات إلى الضعف، والضعفين بل والثلاثة أضعاف، وحتى من وجدوه مهتزاً بسبب ضغط البنوك عليه، حلوا مشكلته ببعض المال، واستلموا منه العقار، كل ذلك كي لا تكون هناك منافسة واقعية تُساير السوق، فعلى سبيل المثال، عندما يكون السوق هابطاً بسبب انخفاض أسعار البترول، فمن الطبيعي أن تتأثر أسعار العقار، ولكنه ما يزال صامداً، حتى وإن ظلت العمارات فارغة، فأصحاب مكاتب الاحتكار، لديهم مخزون هائل من المال، اكتنزوه أيام طفرة العقار قبل سنوات، بحيث يكفيهم للصمود، وكسر ظهر المجتمع، بإيجارات لا طاقة له بها، وبالأخص ما يعني المحلات التجارية، والورش الصناعية، وكأن هناك تعاون بين أصحاب العقارات، والحكومة بشأن رفع الرسوم إلى جانب العقد الإدارية المستحكمة، بحيث لا يستطيع أن يصمد في وجه هذه العواصف، إلا من كان يملك ظهراً يحميه، أما أصحاب المؤسسات الصغيرة والمتوسطة الناشئة، فعليهم واجب الركض للحصول على الدعم الحكومي، أو الاستدانة من البنوك، وتسليم الأموال فوراً وبالرضا إلى مكاتب العقار، ورسوم الأنشطة، وغرامات الحكومة.
إنَّ هذه التعقيدات كلها تصب في غير صالح تقدم الوطن، لأنَّ غلاء العقار يؤثر سلباً على شريحة كبيرة من أبناء المجتمع، وإن رفع رسوم الحكومة، بالإضافة إلى العقد الإدارية المستعصية على الحل، لا تسمح للشركات الصغيرة والمتوسطة بالتقدم، وهذا النوع من الشركات كالزرع، فإن لم يجد الدعم والرعاية، فإنّه لن يُثمر حصاداً جيداً، بل فقد يذبل ويختفي قبل أوانه، وإنَّ تعثره سيؤثر سلباً على الدولة، ولو بطريقة غير مُباشرة، ورغم أنني لست باقتصادي متخصص، ولكن إنعاش السوق وتعويض انخفاض أسعار النفط، لن يعوضه إلا تنشيط التجارة الداخلية، وتحويلها إلى تجارة مُثمرة بالإنتاج الصناعي، والشركات الصغيرة عندما تكبر، ستأخذ معها اقتصاد البلد صعوداً، ورفع الرسوم، إلى جانب العقد والبيروقراطية الإدارية، ما هي إلا بمثابة العصي الإضافية التي تثقل دواليب التَّقدم والتطور للوطن.
إذن، ها نحن ندخل عاماً جديداً، فيتوجب علينا أن نفكر في إدارة الوطن، بطريقة أخرى غير تلك المُتكررة، والتي تعودنا على عقمها وفشلها، ونأمل من جهاز "تنفيذ" أن يُغير طريقة الإدارة، وذلك حتى نشعر بوجود حركة ما، تأخذنا بعيداً عن الدوامة التي نحن محبوسون فيها، لأنَّ المسألة هي مجرد إدارة وأهداف، وحسن إشراف، وسرعة في اتخاذ القرارات المُناسبة، لأن المماطلة والتسويف، ستُعيدنا إلى نفس الدائرة التي أخرت تقدمنا، لأننا ظللنا في غشاوة المشاريع الوطنية بـ "المسمى" ولكن في واقع الحال، نحن لم نصنع التقدم، وذلك مع غياب المعيار الذي يقيس جودة الأداء، بالمقارنة مع الأهداف المرسومة، إن كان هناك رسم في الأصل لأهداف محددة.
إنَّ البطء في تصحيح المسارات، حتماً فيه مضيعة للوقت، وإن كسر الاحتكار في العقارات، ضرورة وطنية مُلحة، فلا بد من التَّدخل في تحديد الإيجارات، وألا تترك للعرض والطلب، وتقديرات تجار الجشع والغلو، فهذه تُكسر بتدخل الحكومة من خلال صناديق التقاعد، وكذلك صندوق "رفد" بإنشاء عقارات، وجمعيات ومُجمعات تجارية، تؤجر لجيل الشباب، ليكونوا تحت مظلة ضامنة لهم، ومراقبة لأدائهم، وداعمة لتقدمهم، وذلك في كافة المجالات دون استثناء، ثم ننظر بعد خمس سنوات ماذا حققنا، سنجد أننا حققنا الكثير، فسنجد أن لدينا الصناعيين في كل ورش العمل، وفي كل التخصصات الفنية والحرفية، والتي يُهيمن عليها اليوم ويقودها الوافدون، ويكسبون ملايين الريالات، في حين يحصل المواطن على بعض الريالات القذرة من التجارة المستترة.
Safeway.om@gmail.com