مع المشاريع من جديد

 

زاهر المحروقي

"القادةُ عادةً يضعون الرُّؤية، وعلى الجميع ترجمتها إلى إستراتيجيات وخُطط تنفيذية مُحددة الزمن، ويضعون معايير لقياس النجاح؛ وإذا فشلوا تجب مُعاقبتهم، ولكن إذا تبيّن أنّ هناك عيوباً أو عوائق كبيرة، فلا حرج في توقيف المُبادرة أو المشروع، مع توضيح جميع الأسباب بكلِّ شفافية؛ والفرصةُ عندنا في عُمان مواتية الآن للمجالس الكثيرة لمُحاسبة المقصرين ومساءلتهم؛ ودورُ الكتّاب عادةً هو زيادة وعي النَّاس".

تلك المُقدمة كانت ضمن رسالة تلقيتُها تعقيباً على مقالي في الأسبوع الماضي بعُنوان "مشاريع لم تر النور"، والذي تفاعل معه الكثير من القراء، لأنّ الناس– كما بدا لي– مشغولون فعلاً بهذا الأمر؛ فالأوامر لم تكُن سرية، وقد احتفى بها الإعلام كثيراً، ولا يُمكن أن تكون ذاكرة النَّاس بذلك الضعف، فالمشاريعُ منشورة في كلِّ المواقع. ومن الأفضل أن أستعرض بعض رسائل القراء التي وصلتني، هذا غير التعليقات في مواقع التواصل في النت. وكان السؤال الذي طُرح كثيراً هو: أين دور جهاز الرقابة..؟، وقد أشار أحد القراء إلى أنّ ما سُمِّيَ بـ"تنفيذ" جاء لمُعالجة هذه الاختلالات في تنفيذ الأوامر، إلا أنّ هناك من رأى أنّ وجود جهاز آخر لمُراقبة التنفيذ يؤكد فعلاً وجود الخلل ولا ينفيه، ويضع المسؤولين التنفيذيين في موقف حرج ويُشير إشارة واضحة إلى أنهم مقصِّرون. ويرى أحد القراء أنَّه عندما تغيب المحاسبة والمُتابعة، يقيناً سنصل إلى هذا المستوى؛ وعندما تتضارب المصالح الشخصية مع المصالح العامة ستكون هذه هي النتيجة، وعندما يُسخّر المسؤول "الوزير" المؤسسة التي يُديرها لخدمة مصالحه الخاصة لن تكون النتائج أكثر من ذلك، والواقع- حسب رأيه-  بالفعل مؤلم. فيما رأى قارئ آخر أننا فعلاً نحتاج إلى ثورة إدارية لأنّ القائمين على الأمر ليسوا أهلاً لتولِّي تلك المسؤولية.

قارئ علَّق على المقال بأنّ هناك الكثير من الأوامر التي لم تُنفّذ، ومنها إنشاء مُجمع رياضي لأبناء القوات المسلحة في المرتفعة، حيث ظلت اللائحة لسنوات طويلة حتى أكل عليها الدهر وشرب، وكذلك هناك غيرها من المشاريع التي لم ترَ النور، رغم الإعلان عنها. وقال: "يا ليتك تحدثتَ عن الأوامر السامية بشأن التقاعد وفقاً لنظام ديوان البلاط السلطاني، على الأقل كتذكير للمسؤولين"، فيما استلم الخيط قارئ آخر فقال: "لقد نسيتَ في مقالك، الأوامر السامية التي صدرت عام 2011، بإنشاء جمعيات تعاونية تُساعد الناس، وكلية الأجيال، وتوحيد علاوات ما بعد الخدمة، وتصريف مياه الأمطار".

أمّا عن البطء في التنفيذ فقد ذكر أحد القراء أنّ قصة مطار مسقط قصةٌ غريبةٌ وهو "عجب العجاب"، وذكّرني بتصريح وزير النقل والاتصالات السابق لوكالة الأنباء العمانية، بأنّ العمل يسير وفق الجدول الزمني وسينتهي في 2014. فها نحن الآن دخلنا عام 2017 ولم ينتهِ العمل في المطار، وكذلك سوق السمك في مطرح الذي يتكوّن من 20 دكاناً فقط، مرَّ عليه أكثر من 10 سنوات ولم ينته  بعد، واتفق مع القارئ السابق في موضوع الأوامر السامية بتوحيد مكافآت ما بعد الخدمة.

ومن التعليقات التي وصلتني تعليق من أحد القراء قال "كُتب لي أن أعاصر الكثير من الأوامر، و"الخط الأوَّل" – كما سماه -، تعلَّم كيف يسوِّف الأمور، ولعل مشروع المليون نخلة خير عنوان لذلك؛ فهناك عدد لا يُعدُّ ولا يحصى من الأوامر التي لم تر النور، لأنّ براعة "الخط الأول" – حسب تسميته - أضاعها لأنّها لا تنسجم وما يفكرون فيه؛ فجلالته -حفظه الله- أصدر في السبعينيات أوامر باستغلال الأراضي التي تقع مع دول الجوار، ولك أن تتخيّل كيف لو نُفِّذت تلك الأوامر؟، وقد نتساءل أيضاً أين السدود؟، فلو نُفِّذت خطة بناء السدود في بداية الثمانينيات، كم كنّا قد وفرَّنا من مياه الأمطار التي ذهبت هدراً؟"، ورأى أنّ الوقت قد حان لقيادات شابة واعية مستوعبة أن تتولى أمر التخطيط والتنفيذ، يكون سلاحها التخصص والعلم والمعرفة والإخلاص، وأن يكون الوطن هو المعيار.

قارئ آخر تساءل: أين الأوامر السامية بتمليك مساكن الإعلام منذ عام 2010، فهي لم تُنفَّذ حتى الآن بل تمَّ طرد السكان، ونسخةٌ من الأوامر السامية بيدهم.

ورأى أحد القراء أنّ من أهمِّ الأسباب التي أخرّت تلك المشاريع غياب الأمانة والمصداقية والشفافية، وأنّ هناك سبباً آخر هو أنّ تأخر المشاريع يعود إلى أنّ المكلَّفين بتنفيذها ليس لهم عائد منها، لذا كان مصيرها الإهمال. فيما رأى قارئ آخر أنّ ما جاء في مقال "مشاريع لم تر النور" يحتاج إلى وقفة من جهات الاختصاص؛ فالمشاريع التي تختفي بعد الإعلان عنها كثيرة، والأسئلة التي يتم طرحها لا إجابات لها، ممَّا يدلُّ على أننا فعلاً بحاجة إلى التفاتة حقيقية لمسألة التخطيط والتنفيذ، وأنّ هناك قلقاً كبيراً حول مسار التخطيط التنموي، وتمنى أن تتناول القنوات الإذاعية والتلفزيونية هذه الأطروحات المهمة بالتحليل، لأنّ هناك فعلا إشكاليات عميقة ومُستمرة.

وأنا أتفق تماماً مع هذا الرأي الأخير، ونحتاج فعلاً إلى التفاتة حقيقية من جهات الاختصاص لمُتابعة ما يدور في الرأي العام من نقاشات؛ فما يكتبه الكتّاب إنما هو تعبيرٌ عن ذلك الرأي، بل أعتبر أنّ الكتَّاب بما يكتبونه من أمور تخصُّ الوطن إنما هم يقدِّمون خدمة كبيرة لجهات الاختصاص بأن تتابع هموم النَّاس، وعادة أيُّ مرض يبدأ صغيراً ولكنه إذا لم يجد العلاج فإنّه يكبر، وإذا تم الإهمال قد تصل حالة المريض إلى "الميؤوس" منه، عكس إذا تم العلاج أولاً بأول. ونحن من خلال مُتابعة أحاديث وتعليقات النَّاس عن المشاريع التي لم تر النور والتي لم تُنفَّذ حتى الآن، وعن التأخير في التنفيذ، وعن الأرقام الفلكية في المُناقصات المطروحة للمشاريع، نعرف أننا فعلاً وصلنا إلى مرحلة تحتاج إلى اتخاذ قرارات حاسمة؛ فالمهم هو أن ترى الأفكار النور، أما إذا كانت مجرد أفكار جميلة دون تنفيذ، ستبقى مجرد أحلام، مثل أحلام اليقظة التي تُسيطر على الكثير من النَّاس خاصة الكسالى، فيستسلمون لها فإذا هم فجأة يصحون من تلك الأحلام وقد فاتهم كلُّ شيء.