أكدت أن "المرض الخليجي" يُضعف الاقتصاد ويُؤثر في نصيب القطاع الخاص بالمشاريع الكبرى

دراسة لـ"الغرفة": الاقتصاد الوطني يعاني من غياب "الهوية".. والمقومات الداخلية جديرة بتعزيز معدلات التنمية

 

 

مسقط - الرُّؤية

نَشَرتْ غرفة تجارة وصناعة عُمان دراسةً متخصصةً حول "إشكالية تحديد هُوية الاقتصاد الوطني في سلطنة عُمان"، من إعداد الباحث الاقتصادي د.عبدالسلام فرج؛ تناول فيها القضية من حيث الأسس والمعايير التي يمكن في ضوئها رسم هوية للاقتصاد الوطني العُماني.

واستعرضَ الباحث في الدراسة الإستراتيجية التي يجب علي الدولة أن تنتهجها لتحقيق الهوية الاقتصادية؛ وذلك من خلال التركيز علي القضايا الأساسية ذات العلاقة بأهمية تحديد الهوية الاقتصادية، والعلاقة بين حجم الإنتاج وتنوع القاعدة الاقتصادية والهوية الاقتصادية، إضافة إلى التعرف على حجم القطاع الخاص والانفتاح على الاسواق العالمية.

وقال الباحث -في مقدمة الدراسة- إنَّ أهمية تحديد الهوية الاقتصادية تكمُن في أنَّ وجود عنوان أو هوية أو خط عريض تسير عليه مؤسسات الدولة، وتعتمده في خططها الإستراتيجية الخاصة بالنمو والتنمية، سوف يؤدي بالتأكيد إلى تحقيق الأهداف المنشودة للدولة؛ والمتمثلة في تحقيق التنمية المستدامة والاستقرار الاقتصادي. مؤكدا أنَّ للهوية الاقتصادية دورا مهماً في تحديد توجه المجتمعات وخياراتها لمناحي الأنشطة المختلفة سياسية واقتصادية واجتماعية، كما يُؤدِّي إلى تحديد المسار العام للدولة وتوحيد القوانين المنظمة للهوية الاقتصادية وتحقيق تلك الهوية المعلنة والواضحة والواجبة التطبيق.

وتمحورت أهداف الدراسة حول الإمكانيات (الموارد الطبيعية والموارد البشرية) والخصوصيات الموجودة في الاقتصاد العُماني، والتي من الممكن أن تجعل السلطنة بلدا صناعيا وزراعيا، أو تلك التي تجعل منها بلدا خدميا في مجال السياحة أو التجارة الخارجية وعالم المال. ويرى الباحث أنه من هذا المفهوم "الاقتصادي- الاجتماعي" كان بالإمكان أن يحتل الاقتصاد العُماني مكانته وهويته الحقيقية بمرور الوقت وتكثيف الجهد، إلا أن ذلك لم يتحقق بالشكل المطلوب نتيجة بعض المؤثرات الداخلية والتحديات الخارجية التي لم تساعد على خلق المناخ المناسب لتحقيق هوية مميزة للاقتصاد العُماني تتناسب وتتناسق مع قواعده وتوازناته الاقتصادية والاجتماعية والثقافية المترابطة ذات الأهمية للنمو والتنمية المستدامة.

ويصف الباحث الاقتصاد العُماني بأنه اقتصاد رأسمالي يختلط ببعض الاشتراكية أو اقتصاد اشتراكي يتضمن ببعض الرأسمالية، وربما يمكن وصفه بأنه أقرب إلى الحداثة. لكن الباحث يؤكد أن السلطنة حققت خلال العقود الأخيرة إنجازات على أكثر من صعيد في مضمار التنمية الاقتصادية والاجتماعية، وإن لم ترق بعض تلك الإنجازات إلى المعدلات العالمية، فإنها عالية المستوى في كثير من الجوانب.

وتوصلت الدراسة إلى مجموعة من النتائج؛ أبرزها: أن للهوية الاقتصادية دورا مهماً في تحديد توجه المجتمعات وخياراتها في الأنشطة المختلفة، ورغم مسارات التنمية المتعددة، إلا أنَّها لم تستطع خلق هوية واضحة المعالم للاقتصاد الوطني في السلطنة أو بمعني أدق لا يمكن القول بأنَّ الاقتصاد العُماني اقتصاد سياحي أو زراعي أو صناعي أو مُتخصص في اقتصاديات المعرفة (التعليم وتنمية الموارد البشرية)، كما لا يمكن القول بأنَّ السلطنة تتميز بمدن ذات هوية سياحية أو صناعية أو ذات وجهة ثقافية وفنية.

ويشير الباحث إلى أنَّ عدم وضوح هوية الاقتصاد العُماني جاءت كمحصلة للعديد من الصعوبات؛ التي من أبرزها: عدم الأخذ في الاعتبار بالأسس والمعايير المحددة للهوية الاقتصادية في الخطط الاقتصادية السابقة؛ إذ لم يتم دراسة خيار محدد والالتزام به والتخطيط جيدا لتنفيذه وتطبيقه ومتابعته حتي ينتج عنه طابع أو هوية اقتصادية محددة. وأضاف الباحث بأنَّ عدم إدراج موضوع الهوية الاقتصادية في خطط التنمية السابقة ترتب عليه استمرار الخلل في هيكلية الاقتصاد الوطني؛ إذ لا يزال اقتصادا ريعيا أحادي المورد، يعاني من عدم تنوع القاعدة الإنتاجية من جانب، كما يعاني من ظاهرة "المرض الهولندي"، من حيث هيمنة القطاع النفطي وقطاع الخدمات علي جل النشاط الاقتصادي، علاوة على أنَّه يعاني أيضا من ظاهرة "المرض الخليجي" المتمثلة في هيمنة العمالة الوافدة على جل الوظائف في القطاع الخاص، الذي يعاني أصلا من عدم حصوله على النصيب العادل من الاستثمار في المشاريع الضخمة بالبلاد.

وخلصت الدراسة إلى العديد من التوصيات تتعلق بأهمية بناء وصقل هوية اقتصادية للاقتصاد العُماني والتي يجب أخدها في نظر الاعتبار عند وضع أي خطط مستقبلية؛ ومن أهمها: الإشارة إلى أنَّ الظروف مواتية لازدهار السلطنة؛ حيث تمتلك -من منظور إقليمي وجيوسياسي- حالة من الاستقرار الأمني وقوة عمل بشرية ومعدل نمو سكاني مرتفع والعديد من المقومات الطبيعية المميزة، ومنها التنوع البيئي الواسع والمعالم الحضارية الراسخة، والتي تؤهلها -وفقا لنظريات "الميزة النسبية"- لاكتساب ميزة الهوية السياحية. ومن جانب آخر تتمتع السلطنة بموقع إستراتيجي متميز يجعل منها بوابة للشرق الأوسط، الذي يربطها مع دول رابطة المحيط الهندي وبقية دول العالم. وبالتالي وفي ظل وجود 3 مناطق اقتصادية حرة، يرى الباحث أنه من المؤكد أنَّ هوية الاقتصاد العُماني يجب أن تتحدد أيضا وفقا لموقعها الإستراتيجي، الذي يمنحها الميزة اللوجستية والتي يجب الاستفادة منها في مجال تحفيز وإنعاش قطاع التجارة الخارجية من حيث الصادرات والواردات وعمليات إعادة التصدير.

 

أسس تحديد الهوية

ويقول الباحث في الدراسة إنَّ هناك تعريفات مختلفة للهوية الاقتصادية منها ما جاء في "ويكيبيديا" والذي يفيد بأن الهوية الاقتصادية تتمحور في مجموعة السمات والخصائص الاقتصادية والاجتماعية في بلد ما، والتي من خلالها يمكن تحديد الخيارات الاقتصادية والاجتماعية المتاحة أمام المجتمع. ويؤكد الباحث أن الاقتصاد العصب الرئيسي للحياة لأي دولة، وهو المحرك لباقي القطاعات، وإذا لم يكن لاقتصاد الدولة هوية واضحة ومحددة المعالم والقوانين فسوف يؤدي ذلك إلى التشابك والتخبط وعدم القدرة على تحديد المسار الاقتصادي للدولة.

ويُضيف بأنَّ أحد أهم أسباب نجاح اقتصاديات الدول هو اختيارها للهوية الاقتصادية التي ستعتمد كمنهاج عمل؛ فمثلا عند الحديث عن ألمانيا يتبادر إلى الأدهان اعتماد الاقتصاد الألماني على التكنولوجيا المتطورة في عالم المحركات، وقد أصبحت ألمانيا أكبر وأهم مصدر للتكنولوجيا في أوروبا والعالم، فمن يستطيع أن يُنكر أنَّ مرسيدس بنز أو فولكس فاجن يمثلان هوية وعلامة بارزة للاقتصاد الألماني؟!

وفيما يتلعق بهُوية الاقتصاد العُماني، فإنَّ المتتبع لخطط التنمية الاقتصادية في السلطنة، يكتشف بسهولة أنَّ التجربة العُمانية شملت كل شيء؛ بدءًا من الصناعة والزراعة وانتقالا للسياحة، وبعدها الصناعات الثقيلة والصناعات البتروكيماوية والاستيراد والتصدير، لكن كل هذه المحاولات لم تستطع خلق هوية للاقتصاد الوطني في السلطنة، وذلك لأنه ببساطة لم تتم دراسة خيار محدد في الخطط السابقة والالتزام به ووضعه موضع التنفيذ؛ الأمر الذي يترتب عليه خلق هوية للاقتصاد الوطني.

ويقول الباحث إنَّ مُؤشر حجم الإنتاج وتنوُّع القاعدة الاقتصادية يُساعد في التعرف على مدى الأهمية والثقل الخاص بالاقتصاد العُماني في المنظومة الاقتصادية الإقليمية، متمثلا في اقتصاد دول مجلس التعاون الخليجي أو في إطار منظومة الدول العربية والذي بدوره يساعد في اختيار البديل الأنسب لهوية الاقتصاد الوطني.

ومن خلال البيانات، يتَّضح أنَّ نسبة مُساهمة الناتج المحلي الإجمالي للسلطنة في ناتج دول المجلس لا تتعدي 5% في المتوسط خلال 2010-2013، وهذه المساهمة تأتي في المرتبة ما قبل الأخيرة والتي هي من حصة دولة البحرين التي لا تتجاوز 3%، في حين تُسهم قطر بحوالي 11% في الناتج المحلي الإجمالي لدول المجلس.

وعلى المستوى العربي، فإن مساهمة دول مجلس التعاون في الناتج المحلي الإجمالي لمنظومة جامعة الدول العربية تقدر بحوالي 57% والذي يقدر بحوالي 2.5 ترليون دولار، وهو ما يتساوى ويقترب مع ما تنتجه دولة واحدة في الاتحاد الأوروبي خلال نفس الفترة. ويستنتج الباحث في الدراسة أن الاقتصاد العُماني من منظور منظومة تكتل دول مجلس التعاون أو من المنظور الإقليمي -متمثلا في مجموعة الجامعة العربية-، هو اقتصاد صغير الحجم، وهو ما يُحدِّد الأطر العامة لهويته الاقتصادية في هذ الجانب.

وتظهر البيانات المختلفة مدى تنوع القاعدة الانتاجية للاقتصاد العُماني؛ حيث يساهم قطاع النفط في الناتج المحلي الإجمالي العُماني بنسبة تتراوح بين 40% خلال متوسط الفترة 2001/2002 وحوالي 45% خلال الفترة 2010/2011، في حين أن مساهمة قطاع الزراعة (2002/2001) بلغت 1.5-2.2%، ومساهمة الصناعة حوالي 8.0-9.0%، بينما كانت هذه النسبة للزراعة (2010/2011) عند 1.00-1.4%، ومساهمة الصناعة حوالي 10-12%. أما الصادرات النفطية تشكل ما نسبته 81.0– 77.0% خلال الفترة 2001-2002 وحوالي 70-75% من إجمالي الصادرات العُماني خلال الفترة 2010-2011.

وقال الباحث إنَّ الاقتصاد العُماني لا يزال يعتمد علي قطاع النفط والمعادن الاستخراجية، وهو ما يعطيه بعدا آخر في هويته الاقتصادية يتمثل في أنه اقتصاد أحادي المورد، إذ إنَّه مورد ناضب، كما أن حجم الإنتاج والأسعار يتحدد خارجيا.

 

الانكشاف الاقتصادي

وفيما يتعلق بمعيار درجة الانكشاف الاقتصادي، قال الباحث إن هذا المعيار عبارة عن مؤشر يقيس علاقة الاقتصاد الوطني بالاقتصاد الدولي ويحدد هويته من حيث الانفتاح علي المنظومة الدولية، ويتم حسابه عن طريق نسبة التجارة الخارجية (الصادرات+الواردات) إلى الناتج المحلي الإجمالي. ويبيِّن هذا المؤشر مدى ارتباط الدولة بالاقتصاد العالمي، وكلما ارتفعت هذه النسبة تزداد درجة ارتباط معدلات نمو الناتج المحلي الإجمالي بالتغيرات في حركة التجارة الخارجية، ويزيد تأثير التغيرات التي تحدث في الأسواق العالمية على الاقتصاد؛ وبالتالي تزداد التبعية الاقتصادية .

ونظراً إلى أنَّ الاقتصاد العُماني يعتمد كثيرا علي الصادرات النفطية، فقد تمَّ حساب مُؤشر الانكشاف الاقتصادي بعد تقسيم الفترات الزمنية بناء على التقلبات الحادة في أسعار النفط الخام. ومن خلال تحليل البيانات، يلاحظ أنَّ الاقتصاد العُماني شهد درجات عالية من الانكشاف علي العالم الخارجي خلال فترات الارتفاعات في أسعار النفط؛ أي بين عامي 1973-1980، ثم فترة 2000 إلى 2009، وكذلك الحال خلال الفترة 2010 إلى 2014. وتراوحت نسبة مؤشر الانكشاف في المتوسط 95%، ومن ذلك نستنتج أنَّ الاقتصاد العُماني اقتصاد منفتح على العالم الخارجي وليس منغلقا. كما أنَّ البيانات الخاصة بالاتجاه العام لصادرات وواردات السلطنة تشير إلى التزايد المستمر في حجم الصادرات والواردات، مما يدعم فكرة الانفتاح الاقتصادي للسلطنة، إضافة إلى الدرجة المرتفعة نوعا ما في اعتماد السلطنة على شركائها التجاريين في تغطية وارداتها المختلفة.

تعليق عبر الفيس بوك