النفط (الأسود).. والسبع سنين العجاف..

 

مسعود الحمداني

 (1)

اليوم تفترق الأرقام، يتغيَّر التَّاريخ، ويذهب وراء العتمة، ولا يعود للأبد، سيذكُر العالم كم كان 2016 عاماً صعبًا، وقاسيًا، ومؤلمًا، وشحيحًا بالأمل، وكريمًا بالفقر، والعجز، والموت..كان رقمًا مغايرًا، كشف سوءة الدول، وعورات الحكومات، ورداءة التخطيط، وعجز البشر عن ضبط إيقاعات حياتهم..

هبط النفط بأسعاره، فكان الوحش الذي أظهر كم كان هذا (الأسود) هشّا، وجائرًا، ومجحفاً في حق من سلّموه رقابهم، ولقمة عيشهم، وحياة مواطنيهم، فكان بئس الصاحب والعشير..

 تحكّم وحكم به الجهلة، وأصحاب المصالح الضيقة، فأسلموه أمرهم، وأعطوه ظهورهم، فغدر بهم في أكثر من موضع، وهتك عرض اقتصادهم، ورغم ذلك يعودون في كل مرة يتعافى من (أزمته) ليعطوه الأمان، ويُعيدوا حكايته من جديد، ولم يكلفوا أنفسهم عناء البحث عن رفيق آخر يُعينهم على دورة الأيام، وتقلبات الدهر..وأنا أكيد من أنّه حين تعود الأسعار إلى وضعٍ طبيعي ومعقول ـ هذه المرة كذلك ـ سينسون خُططهم الخمسية والعشرية والمئوية و(السبع سنين العجاف) وسيعودون ليتقلبوا في أحضانه من جديد!!.

(2)

لم يعُد النفط صديقًا بعد الآن، رغم أنّه المُعيل الوحيد لدولنا البسيطة التَّفكير، والرديئة التخطيط، وغير الجاهزة لأيّ طارئ، ورغم أنّها تردد منذ زمن بعيد عبارة شهيرة تقول: (إن النفط مورد ناضب بعد خمسين سنة..)..الغريب أنّ هذا الكلام كانوا يرددونه قبل خمسين سنة!!..وحتى الآن لم تتغير العبارة، ولم يتغير الوضع، ولم تستطع هذه الدول (النفطية) أن تعتمد بديلاً مناسبًا، يقيها حر الصيف، وبرد الشتاء، وتقلبات الدهر..ويبدو أننا نُردد العبارات ولا نفهمها، وإذا فهمناها لا نعمل بها..هكذا نحن نسّاءون بطبعنا.

(3)

كان البديل المُتوفر والسريع والجاهز لانخفاض أسعار النفط، وتدهور اقتصادات الدول هو (جيب المواطن)، الذي (انفتق) لكثرة ما أنفق، حتى أصبح (مشخلاً) لا يمسك بالماء، ولا المال، دفع المواطن في كثير من الدول النفطية ثمن ما أفسدته حكوماته، وتراكم العجز في ميزانيات (النفطيين) إلى مستويات رهيبة، وها هي تدفع ثمن ضحالة تفكيرها من أفواه مواطنيها..(لا أذكر في الحقيقة أيّ خطة بديلة قامت بها الحكومات لسد عجزها غير رفع الضرائب المُباشرة وغير المباشرة على مواطنيها)..ولا يبدو في الأفق ما يُبشّر بتغيير الإستراتيجيات غير النفطية رغم كثرة المؤتمرات والندوات، وعصف الأفكار والتنظيرات، والصرف عليها ببذخ، ثم البدء في تجربة فاشلة جديدة..ولا عزاء للوطن والمواطن.

(4)

في 2016 فقدنا أحبابًا، وأصحابًا، وبلدانًا، ورأى العالم المُسلمين عراة، تتناهشهم الرجعية، والتَّخلف، والعنف، والقتل، والطائفية، قتلوا حتى مضيفيهم الذين فتحوا لهم أبواب الأمل، دهسوهم في الأسواق، وفي الأماكن العامة لأنَّهم (كفرة) كما يعتقدون، فأيّ ضلالة أبعد من هذا؟!!..

هجّر (الهمجيون) كل من خالفهم في المذهب، وقتلوا كل من لم يُشاركهم أفكارهم، وذبحوا كل من ليس من شيعتهم، وحرقوا البشر والشجر، وباركوا حتى نحر آبائهم، وأبنائهم، وفخّخوا أطفالهم طمعًا في (الشهادة)، لأّنَّ عقلهم المريض صوّر لهم أن (قتل النفس التي حرّم الله) هو الطريق الموصل للفردوس..فكانوا كالأنعام بل هم أضل سبيلا.

(5)

اليوم هو اليوم الأول من 2017، أشرقت الشمس على رقم جديد، ولكن وجه العالم لن يتغيّر، سيظل يدفع ثمن أخطاء وخطايا الإنسان، فالأرقام لا تعني شيئًا، فنحن من يصنع (الحياة)، ونحن من يُخطط للغد الذي لا يأتي أبدًا، ونحن من نصنع مُستقبلنا، ونحن من يضيع بوصلة الأيام حين لا نجد أمامنا غير السراب الذي لا يمكن الوصول إليه.

نحن من عليه أن يُغيّر (أرقامه الذاتية)، ونحن من عليه أن يضبط ساعة أيامه، ونحن من عليه أن ينظر إلى الماضي كتجارب، وتاريخٍ نستفيد من دروسه، أما غير ذلك..فلا يعدو أن يكون مجرد رقم لا روح فيه.

فلنحلم، ولنأمل، ولنعمل..لعل الغد يكون أجمل.

 

Samawat2004@live.com