المجالس الانتخابية.. الصورة والواقع

 

حمود الطوقي

 

عندما أراد المقام السَّامي لحضرة صاحب الجلالة السُّلطان قابوس بن سعيد المُعظم - حفظه الله ورعاه - أن يُشرك المواطن في البناء والتنمية، من خلال تكريس مبدأ الديمقراطية الإيجابية المنتجة، قام بإنشاء (المجلس الاستشاري) للدولة، ومن خلاله قام بتعيين من يرى فيهم الخبرة والدراية - في تلك المرحلة - رغبة منه في تفعيل المناخ الحواري والشراكي بين مؤسسات الدولة، التي تمثل الجهاز الإداري من ناحية، وتلك التي تمثل دور الشعب من ناحية ثانية..

وقد ثبت للمجتمع أنَّ رؤية جلالة السلطان ونظرته واختياره للأشخاص كانت صائبة وهادفة وبرز عدد من المسؤولين يشار إليهم بالبنان كقيادات وطنية قادرة على ترجمة فكر جلالة السلطان بكل اقتدار ومهنية.

في وقتنا الحاضر، ظهر نموذج مُصغر للتدرب على الفعل الديمقراطي التفاعلي في السلطنة، وبرز هذا من خلال انتخابات مجلس الشورى وانتخابات (المجالس البلدية)، التي تحمل في جوهرها هذا البُعد في دوره المصغر على مستوى الولايات، بحيث يصبح الجانب التنموي غير مركزي، بل يمتد إلى الأطراف، وهذا الامتداد سيشكل تراكمًا إدارياً ومعرفياً، بل وسيُرسخ - على المدى الطويل - استقلالية في البناء الداخلي، وهو ما سيفعّل نزعة الشراكة المجتمعية، التي ستصبّ في صالح النموّ التنموي المكاني والجمعي من النواحي المختلفة.

سأركز بعد هذه المقدمة في قراءة للانتخابات للمجلس البلدي التي أسدل الستار عليها أمس الأول.

وبقليل من الاسترجاع للفعاليات التي صاحبت الفترة الانتخابية، سنجد أنَّ بعض الممارسات من قبل بعض المترشحين لا تعكس تلك الروح المعرفية لأسلوب الانتخاب، وظهرت العديد من الصور الفوتوغرافية التي انتشرت عن طريق شبكات ووسائل التواصل الاجتماعي، عاكسة الاستغفال للعملية الانتخابية، ربما بشكل جاهل أو مقصود، ولكنه في الحالين يشوّه الفكر الانتخابي، خاصة وأننا نعيش في الألفية الثانية من القرن الحادي والعشرين، مما يعني أنّ البشر يعيشون مستوى عالياً من الوعي - كما نفترض - في ظل انتشار تجارب مختلفة من العالم في هذا السياق، يمكن تمثّلها بطرق سهلة، من خلال الولوج إلى التسجيلات المصورة (يوتيوب)، أو عبر مُحركات البحث داخل عالم الإنترنت.

لذلك، فنحن نقترح على الجهة المُنظمة للانتخابات أن تعتمد خلال الانتخابات القادمة للفوز بمقاعد المجالس البلدية، وضع عدد من الضوابط، بحيث يستشعر معها كل مترشح بأنَّ دوره ليس عبارة عن حضور فقط، بل هي مسؤولية ضخمة عليه أن يعي أهميتها، ومن بين ذلك: سحب ترشح أيّ فرد يقوم بعمل عزايم أهلية، سحب ترشح كل فردٍ يثبت قيامه بتقديم الرشى، سحب ترشح كل فرد يقوم بالترويج عبر وسائل غير حضارية ولا تعكس وعي الدولة الديمقراطي، سحب ترشح كل فرد لا يقدم برنامجه الانتخابي وفق آلية محددة يتم تدريبهم عليها، سحب ترشح كل فردٍ يقوم بجمع الأصوات على أساس قبلي.

إنَّ الواقع الذي نودّ أن نراه، هو أن يتم انتخاب رئيس المجلس البلدي من جانب الأعضاء أنفسهم، والسبب في ذلك يعود إلى أنّهم أكثر قدرة على معرفة الأجدر من بينهم بالقيام بالمهمات، وتحقيق سلاسة في الحراك الداخلي في المجلس من ناحية، والحراك الخارجي مع المجتمع من ناحية ثانية، فضلاً عن السمة القيادية والوعي والقدرة على القفز بأدوار المجلس نحو مساحات أرحب مما هي عليه، من زاوية أنَّ الكل في واحد، والواحد في الكل.

من زاوية أخرى، من المُفترض مراقبة الأدوار المجتمعية المتحققة من واقع وجود المجالس البلدية، وهذا لن يتحقق من دون وجود تقارير عاقبة على الأدوار التي يقومون بها، لأنَّ الهدف هو العمل وليس التباهي المجتمعي والوجاهة، ولا يمنع ذلك من قيام الجهات المختصة بعمل استبيانات عشوائية لاستقراء أدوار هذه المجالس في دوراتها المُختلفة في البيئات التي تنتمي إليها، ويمكن أيضًا القيام بذلك من خلال التقارير المباشرة التي ترفعها المجالس ذاتها، ومن ثم تأكيد ذلك من خلال مقارنة التقارير بما هو مُتحقق على أرض الواقع، وهذا الجناحان - الاستبيان والتقارير - ستُسهم في توفير مساحة تنافسية بين أعضاء المجالس البلدية، وربما وضع جائزة لأفضل خمسة مجالس بلدية على مستوى السلطنة قبيل انتهاء كل مرحلة، فهذا سيُعزز التنافسية بشكل كبير .

إنَّ دور المواطنة المفترض تحقيقه ينبغي أن يتجلى من خلال وعي المجالس البلدية، المنعكس على وظيفتها المجتمعية، والمكرسة للحوار والحضور التفاعليين مع الشرائح المجتمعية كافة، لأننا نأمل ونتمنى رسوخ هذه التجربة، ونمو الحوار الديمقراطي، وإيصال القادرين على العمل بجهودهم وخُططهم، وليس لمواقعهم القبلية والاجتماعية، هذا إذا اعتبرنا أننا نسعى لإيجاد بيئة مدنية ذات فكر مؤسسي.