المعارضات العربية أسوأ من الأنظمة

 

 

زاهر المحروقي

 

ليس من المبالغة القول إنّ المعارضات العربية هي أسوأ من الأنظمة العربية نفسها، ونستطيع أن نقول إنّ الحكومات العربية – على ما فيها من أخطاء – هي أفضل بكثير من المعارضة، لأنّ هدف هذه المعارضات ينحصر في الوصول إلى كرسي الحكم، حتى وإن كان ذلك على ظهر القاذفات والدبابات الأجنبية، لدرجة أن نجد معارضين يفخرون بأنّهم عملاء ويتلقون الدعم من الغرب، في وقت كان الناس في الوطن العربي - مع انتشار المد القومي -، يعتبرون أنّ مجردّ التعامل مع السفارات الأجنبية خيانة عظمى. والدليل على استقواء المعارضات العربية بالخارج واضح في كلّ الأوطان العربية، لأنها عجزت عن تقديم البديل السياسي والاقتصادي والفكري والأخلاقي، وفشلت أن تكون ممثلة لتطلعات المواطنين، كما أشار إلى ذلك د. عبد الإله بلقزيز في دراسة له حول أزمة المعارضة السياسية في الوطن العربي، نشرها "مركز دراسات الوحدة العربية" في كتاب حمل عنوان "المعارضة والسلطة في الوطن العربي". ويرى بلقزيز أنّ الصورة الوحيدة لوصول المعارضة العربية إلى السلطة منذ مطلع النصف الثاني من القرن العشرين حتى اليوم هي الاستيلاء بالعنف على الحكم أو الانقلاب العسكري، معتبرا أنّ صيغة التوافق والتسوية لاقتسام السلطة لم تحصل سوى في تجربة سياسية واحدة ولفترة زمنية محددة وهي تجربة اليمن الموحد في بداية التسعينيات من القرن الماضي، كما أنّ المشاركة في السلطة من خلال إدارة الجهاز التنفيذي (الحكومي) لم تتحقق إلا جزئيا وفي بلدين عربيين هما المغرب ولبنان. 

لقد أثبتت تجربة غزو العراق أنّ المعارضة العربية هي الخيار الأسوأ، وأنّ الديكتاتورية هي الأفضل إذا كانت ستحفظ الأمن والاستقرار، وستحافظ على وحدة الوطن؛ فالعراق اليوم مقسّم إلى دويلات؛ والفلتان الأمني جعل الناس تبكي على الأيام الخوالي؛ والفساد ضرب كلّ المرافق، ولم يبق للعراقيين إلا أن يندبوا حظهم ويعيشون على وهم عودة الاستقرار إلى العراق، وهو ما لن يحصل لعقود طويلة – وأقول ذلك بأسف وحسرة شديديْن- لأنّ الواقع على الأرض يقول لم تبق هناك دولة عربية قوية وموحدة تحمل اسم العراق.

من النماذج التي تعطي صورة واضحة عن مستقبل سوريا، إذا وصلت المعارضة فيها إلى الحكم، أنّ معارضا سوريا يسمى الشيخ خالد الخلف، يقال عنه حقوقي وسياسي، وجّه شكره إلى إسرائيل عبر مقابلة خاصّة مع قناة (I24NEWS) الإسرائيليّة، والتي تبثّ باللغة العربيّة، في سابقة قالت القناة إنّها الأولى من نوعها، لأنّ إسرائيل وجّهت ضربات فجر 8/12/2016،  بصواريخ أرض- أرض إلى قاعدة صواريخ سورية بالقرب من مطار المزّة العسكريّ المتاخم لدمشق. وقال "إنّ المعارضة السوريّة تشكر إسرائيل بفم ملآن على هذا الفعل الإنساني الرائع، الذي يسجّل بسجلها، وأنّه في حال تكرار هذه الهجمات، فإنّ المعارضة ستنتصر". والأغرب من ذلك أن تتوافق الضربات الإسرائيلية ضد سوريا مع بعض الرغبات في دول المنطقة؛ فحسب كلام الشيخ الخلف للقناة الإسرائيلية، فإنّ المعارضة لم تفقد الدعم من قبل "الأشقاء الأتراك أو القطريين أو السعوديين، وإنمّا هناك سياسات إقليميّة دوليّة ستنفذ الآن على أرض سوريّة".

وحسب تقرير لزهير اندراوس من داخل الأراضي الفلسطينية المحتلة، نشر في جريدة "رأي اليوم"، يقول إنّه ظهر للعلن قبل أيام فصل جديد من مسلسل تعاون وتنسيق عدد من مسؤولي "الجيش السوريّ الحر" مع إسرائيل، وذلك عبر رسالة وجهها فهد المصري، المسؤول السابق في إدارة الإعلام المركزيّ لما يطلق عليها القيادة المشتركة للجيش السوريّ الحر وقوى الحراك الثوريّ، ومنسّق "جبهة الإنقاذ الوطنيّ"، وكان لافتا للغاية أنّ الرسالة وجّهت إلى الشعب الإسرائيليّ وإلى حكومة بنيامين نتنياهو على حدّ سواء، حيث دعت الرسالة دول العالم، وبشكل خاصّ إسرائيل، إلى التعاون والمساعدة على إسقاط النظام السوريّ. وقد التقط أفيغدور ليبرمان وزير الدفاع الإسرائيلي الخيط عندما أشار خلال حديثه مع سفراء من الاتحاد الأوروبيّ، - كما أفادت صحيفة (هآرتس) الإسرائيليّة - أنّه سيتقبل أيّ اتفاقية سلام ما دامت لا تشمل إيران والرئيس السوريّ بشار الأسد. والمفارقة أنّ هذا هو ما تدعو إليه بعض الدول العربية المسكونة بـ"إيران فوبيا".

لنا أن نتخيل؛ ماذا يمكن لمعارضة مثل هذه التي تدعو إسرائيل أن تضرب الوطن بصواريخها وترى في ذلك عملا إنسانيا، ماذا يمكن أن تفعل إذا وصلت إلى سدة الحكم؟ معارضة كهذه ليست أفضل حالا من الحكومات العربية، وهي في الواقع أكثر فسادا وانتهازية من الأنظمة التي تعارضها، وفي حال وصولها إلى الحكم فمعنى ذلك أنه سيتم استبدال اسم حزب باسم حزب آخر، واسم شخص باسم شخص آخر. والأسوأ من ذلك أن يتم استبدال "ديكتاتور واحد بدزينة ديكتاتوريين، وحرامي واحد بأربعين حرامي"، حسب مصطلح الكاتب مصطفى القرة داغي، في مقال نشره تحت عنوان لافت هو "الشعوب العربية بين الخروج من حفرة حكامها والسقوط في هاوية معارضيهم"، وكذلك حسب رأي جريء لأحمد القبانجي في إحدى مقاطع اليوتيوب التي ترحّم فيها على أيام صدام حسين، رغم معارضته الشديدة لنظام حكمه.

إنّ التغيير في الوطن العربي أصبح مطلوبا الآن أكثر من أيّ وقت مضى؛ وهو أمل راود الشعوب العربية كثيرا، إلا أنّ التغيير المنشود ليس في تدمير الأوطان وتمزيقها، وليس في تبديل أنظمة سيئة قائمة بأنظمة أسوأ منها، وليس في إلغاء الحكومات وتدمير الجيوش، فإنّ نتائج ما حصل ممّا عرف بـ"الربيع العربي" وما سبقه من مقدمات كاحتلال العراق، إنما هو الذي أدّى إلى ضعف الأوطان العربية، وإلى انتشار المزيد من الفساد، وإلى إشعال فتنة مذهبية أكلت الأخضر واليابس، وهي مرشحة إلى الارتفاع أكثر. وإذا كنا نقول بأنّ البديل أسوأ فليس معنى ذلك أنّ الأنظمة السابقة كانت مبرأة من العيوب، ولكن الناس استبدلوا الذي هو أدنى بالذي هو خير، فلا ينبغي أن يتحمس الإنسان لتلك الثورات لأنها فقط كانت ثورات، وإنما عليه أن يقارن بين الوضع العربي بين عهدين؛ ولعل المثل الروسي "رحم الله النباش الأول" هو أبلغ ما يصف حال العرب الآن. وقصة المثل أنّ رجلا توفي ففرح الناس جميعا بوفاته، ممّا ضايق ابنه؛ فسأل أمه عن سبب فرح الناس. قالت له إنّ أباك كان ينبش قبور الناس ويسرق أكفانهم. فقال الابن: أعرف كيف أجعل الناس تترحم على والدي؛ فورث مهنة أبيه، ولكنه أضاف إليها التمثيل بالجثث. وأمام وضع كهذا أصبح الناس يرددون: رحم الله النبّاش الأول فقد كان أرحم، إذ اكتفى بسرقة الأكفان فقط؛ أما النبّاش الجديد فلا يترك الجثة سليمة. وهذا هو واقع العرب الآن.