أطلقوا العنان لإبداعاتكم

 

 

حاتم الطائي

لَكَمْ هِي لحظاتٌ تبعث على الفَخْر والأمل بمُستقبل مُشرق، تَصْنَع لبناته وتَضَعْهَا الواحدة تلو الأخرى أيادٍ شابة فتيَّة، تصوغ برَوْحها التوَّاقة مُفردات النهوض والتقدُّم في وطنٍ يستحق منا المزيد من العطاء، وتزداد الصورة ألقاً بتتويج "الرُّؤية" مساء اليوم لفرسان النسخة الرابعة من "جائزة الرُّؤية لمبادرات الشباب"؛ هؤلاء المبدعون، ممَّن يستحقون بحقٍّ أن نشدَّ على أياديهم، ونبارك لهم إنجازهم الذي استحقُّوا عليه الفوز والتكريم.

ولقد كانت الرُّؤى السامية لمولانا حضرة صاحب الجلالة السلطان قابوس بن سعيد المعظم -حفظه الله ورعاه- حاضرة في كافة مراحل الجائزة لهذا العام، بل كانت هي الموجِّه الأوَّل لنا؛ بدءًا من اختيار مجالات وفئات التنافس، مُرورا بالشروط المتضمَّنة في استمارات المشاركين، ومرحلة تقييم المتقدِّمين واختيار المتأهلين، وترتيب مراكز الفائزين، وصولا إلى المرحلة النهائية من تكريم وتتويج أبطال النسخة الحالية، تلك الرُّؤى الثاقبة التي تُولِي شبابنا اهتمامًا أكبر، في إطار رعاية أشمل لكل أبناء الوطن؛ ومن منطلق مفهوم واعٍ وفكر ثاقبٍ بأنَّ الإنسان هو أساس التنمية وهدفها الأسمى.

ولَكَمْ انتابني شعورٌ غامر بالسعادة والاعتزاز بالانتماء لهذا الوطن بجَذْوَة إبداعاته الوقَّادة، وأنا أُتابع على مَدَى الفترة الماضية مع لجنة التحكيم، مُستويات ابتكارية مُشرِّفة لمجموعة من الشباب استعرضوا مشاريعهم الواعدة بثقة وحَمَاس، تعكسُ جانبًا من المستوى المتقدِّم الذي وَصَل إليه شبابُنا في الإبداع والابتكار، أوصلتني لقناعة بأنه وبالمزيد من الجهد في وَضْع اللمسات النهائية على هذه الابتكارات يُمكنها أنْ تُنافسَ عالميًّا؛ خصوصا إذا ما وضعنا إلى جانب الفكر التقني الذي انبنتْ عليه المشروعات المتقدِّمة، هذا الشَّغف الذي يتملَّك جوارح الشباب وهم يَشْرحون ويَكْشِفون عن أسرار ابتكاراتهم، ويُجِيْبون عن الأسئلة، وعُيونُهم تبرق بالنبوغ الذي يحتاج من يتعهَّده بالرِّعاية ليؤتي ثماره.. شبابٌ وفتيات في عُمر الزهور، تجاوزتْ أعمارُ البعض منهم العقدَ الأوَّل بقليل، وآخرون دون الأربعين، اجتمعوا على قاسم مشترك ألا وهو الإبداع والابتكار.

لقد كانتْ النسخة الرابعة من "جائزة الرُّؤية لمبادرات الشباب" ثريَّة بكل ما تحملة الكلمة من معانٍ؛ تميَّزت بمستوى المشاركات -التي وصل عددها هذا العام إلى 445 مشاركاً في فروع الجائزة الثمانية- وتقارُب حدُّ مُستويات التنافس؛ إذ يُمكن القول بكل ثقة بأنَّ التقنيات كانت عالية وروح الإصرار كانت حاضرة، وهذا ما أدَّى لعدم حجب أيَّة جائزة من الجوائز، فكل مجال وجدنا فيه مُتنافسيْن أكفاء جديرين بالتكريم والتقدير؛ وهو ما وَضَع على عاتق أعضاء لجنة التحكيم مسؤولية أكبر في التمحيص والتدقيق، حرصوا إيذائها على عقد لقاءات مباشرة مع المتنافسين؛ لإعطائهم فرصة أكبر لشرح مشاريعهم وابتكاراتهم وتجريبها عمليًّا. وبشهادت المحكِّمين، فقد ظهرتْ لنا صورة رائعة من الجدية التي يأخذ بها المتنافسون مشاريعهم المتنافسة.

... إنَّ إتاحة الفرصة هذا العام أمام أبنائنا من الشباب بتنويع فئات ومجالات الجائزة، واستحداث فئات جديدة، كانت نقطة أخرى على درب الإبداع ودعم روح المبادرة التي تتسق مع شعار الجائزة "أطلقوا العنان لإبداعاتكم"؛ حيث استُحدثت فئات لبعض مجالات الجائزة الثمانية؛ لضمان التنوُّع والتجديد، وبما يخدم شرائح جديدة من الشباب العُماني؛ فكان اختيار فئة "القصة القصيرة" محورًا لمجال الثقافة والآداب، و"تطوير الزي العماني التقليدي" محورا لمجال الفنون، وفي "المشروعات الرقمية" تمَّ إضافة مجال "إنترنت الأشياء" وحسابات وسائل التواصل الاجتماعي الفاعلية على الإنترنت؛ كباب جديد للتنافس يُحقِّق عدالةً أكبر في التقييم ويزيد كفاءة المخرجات.

وإذا ما كانت الحال كذلك، ولمناسبة المقام، فلابد من الإشارة إلى نقطة لها أهميتها؛  وهي ضرورة صياغة إستراتيجية وطنيَّة واضحة المعالم، تدعم وتتبنَّى مفهوم الابتكار في مُختلف المجالات، وتعمِّم مبدأ الحلول الذكية؛ من خلال طرح مُبادرات وحلول تضمن التنافسية، وتمكِّن شبابنا من صُنع ابتكاراتهم، وتُوْجِد بيئة أكثر تحفيزًا، تُسهَّل فيها الإجراءات، وتُيسَّر فيها اشتراطات الخبرة، وتؤسِّس لكيانات جديدة تتبنَّى اختراعات شبابنا وابتكاراتهم، وتسوِّق لها. وباعتباره رافدًا من روافد التنمية المستدامة، بات على القطاع الخاص أن يضطلع بمسؤولياته المجتمعية في هذا الجانب دون توانٍ أو تراخٍ.. آملين في القريب العاجل أنْ نَرَى على أرض الواقع شراكات مُثمرة بين الجامعات والقطاع الخاص والمبتكرين؛ تتبنَّى إستراتيجية الابتكار التكنولوجي وتطبيقها عمليًّا بما يتلاءم ومتطلبات المرحلة الحالية.

وفي الأخير.. لا يسعني سوى التقدُّم بوافر الشكر والتقدير للجهات الداعمة وأعضاء لجنة التحكيم، وكافة الفاعلين من وراء الكواليس لإنجاح نسخة هذا العام، وأسمى تمنياتنا بمزيد من التفوُّق والإبداع لأبنائنا الفائزين، آملين أن تكون مُشاركتهم هذا العام قد مهَّدت أمامهم الطريق لإطلاق العنان أكثر وأكثر لإبداعاتهم.