زاهر المحروقي
يبدو أنّ العرب - كعادتهم الدائمة – لم يستفيدوا من الأحداث التي مرّت بهم، خاصة فيما عُرف بـ"الربيع العربي"؛ فكل الشواهد تدلُّ على أنّه لم يحدث تغيّر ما إلى الأحسن، بل ساءت الأوضاع أكثر من ذي قبل، وكأنّ من بيدهم الأمر قد عجزوا عن إيجاد الحلول للمشاكل التي تؤرق الناس في معيشتهم اليومية، أو استسلموا للقدر كي يفعل ما يشاء. وفي الحالتن فإنّ الأمر مصيبة وينذر بأنّ أيّاماً قاتمة قادمة لا محالة إذا لم تكن هناك رغبة أكيدة من الحكومات في إصلاح الأوضاع؛ لأنّ نسبة الشباب في الأمة الآن – تحسب الإحصائيات - تبلغ 105 مليون، وهو عدد كبير بالتأكيد، ولكن الأهم من العدد هو أنّ هؤلاء الشباب هم بنو عصرهم ولهم متطلباتهم، ولن يقنعهم أن نحكي لهم كيف عاش الأجداد والآباء؟ ولا تهمهم قصص الولاء، لأنّ عالم التقنية الحديثة قد فتح المجال أمامهم ليتابعوا ما يجري في العالم، وقد نتج عن ذلك وجود فجوة بين تفكير الآباء والأبناء.
ولعلّ التقرير الذي نشرته الأمم المتحدة عبر صحيفة الإيكونوميست البريطانية بتاريخ 29 نوفمبر 2016م، فيه من التحذير ما فيه، عن الأوضاع السيئة في الوطن العربي والتي ترشح للانفجار، لأنّ العرب لم يأخذوا العبر من الدروس السابقة؛ "فبعد خمس سنوات من الانتفاضات التي أسقطت أربعة من القادة العرب، ما زالت الأنظمة القائمة تقمع بدون رحمة أيَّ نوع من أنواع الاحتجاج دون التوجه إلى جذور وأسباب هذا الاحتجاج".
يشير التقرير أنه في الوقت الحاضر، وبفعل سقوط الدولة الوطنية، يتجه الشباب العرب نحو الدين والقوميات والقبيلة أكثر من توجههم صوب دولتهم. ويشير إلى أنه في عام 2002 خاضت خمس دول عربية الحروب والمواجهات، في حين ازدادت هذه الحالة لتصل إلى 11 منها. ويتوقع تقرير هيئة الأمم المتحدة أنه مع حلول عام 2020، فإنّ ثلاثة مواطنين عرب من أصل أربعة سيعيشون في دول تتعرض للحروب والدمار. ولكن المؤلم في التقرير هو الفقرة التي تصف أحوال المواطنين العرب؛ فعلى الرغم من "أنّ العرب لا يشكلون سوى 5% من سكان العالم، إلاّ أنهم يشكلون نسبة 45% من الإرهابيين في العالم. ويتعلق بالعرب نسبة 68% من خسائر جبهات الحروب في العالم، ويتشرد 47% منهم جراء ذلك، ويبحث 58% منهم عن دول اللجوء".
حقيقة، إنّ ما جاء في التقرير عن أوضاع الشباب في الوطن العربي من البطالة والتهميش والتضييق على حرية التعبير يشير إلى أنّ دورة جديدة من موجة الاضطرابات قد حان؛ ويشير التقرير إلى أنّه من الممكن أن "يرجح الشبان العرب استخدام طرق جديدة مباشرة وعنفية، خاصة إذا ما اقتنعوا بأنّ الآلية القائمة لم تعد عليهم بالفائدة والمشاركة".
وبعيداً عن توصيف ما حدث في الوطن العربي عام 2011م، بأنّه ربيع أو خريف، أو أنّ الأمر كان طبيعياً أو مدبراً؟ فالواجب يحتِّم على الحكومات العربية أن تناقش أسباب حدوث تلك الاحتجاجات، وهل زالت الأسباب التي أدت إلى خروج الناس إلى الشوارع وترك مبدأ الخوف جانباً؟ وقد نتحول من طرح أسئلة عامة تخص الوطن العربي إلى أسئلة خاصة تخُصّنا في عُمان، باعتبار أنّ السلطنة شهدت نوعاً من تلك الاحتجاجات. فهل انتفت الأسباب وهل وجدت المطالب طريقها إلى التنفيذ، أم أنّ الأمور ظلت ترواح مكانها؟. يجب أن تكون الجهات المختصة على دراية بإجابات لتلك الأسئلة حتى نكون بعيدين عن التوقعات السيئة الواردة في تقرير الأمم المتحدة؛ فما يتم تداوله أحياناً في مواقع التواصل الاجتماعي والواتس آب لا يبعث على الاطمئنان أبداً، ويجب التعامل معه بجدية.
هناك الكثير من الأخبار التي تُنشر تترك آثاراً سيئة في المواطنين بكافة أطيافهم وأعمارهم، ومن ذلك مثلاً تلك الرسالة التي تم تداولها عن عرض قطعة أرض سكنية تجارية للبيع، والتي تبلغ مساحتها 8 كم مربع في مطرح، مع نشر "الكروكي" الخاص بها، حيث ناشدت الرسالة المسؤولين اتخاذ اللازم حيال الأمر، لأنه لا يصح أن تُعطى تلك الأرض من دوار المطاحن حتى سوق السمك المطل على ثلاث واجهات بحرية لشخص واحد يعرضها للبيع بمبلغ 55 مليون ريال عماني – كما جاء في الرسالة - في وقت تتجه فيه كلُّ الشواطئ العمانية أن تكون ملكيّات خاصة، وقد بدأ فعلاً منع المواطنين من التريِّض في بعض الشواطئ. ومن الأخبار التي تركت أثراً سيئاً عند الناس، ما تمّ تداوله عبر الواتس آب أيضاً عن مناقصة ب 30 مليون و450 ألف ريال عماني لاستئجار أرض لتخزين 70 ألف طن من القمح في صحار، ممّا فتح المجال للمقارنات مع النجاحات التي تحققها بعض دول الجوار، مع تكاليف أقل من ذلك بكثير، هذا غير الأرقام الفلكية في معظم المناقصات المطروحة.
وسواء كان ما يُنشر صحيحاً أم غير صحيح، إلا أنّ عدم اتخاذ اللازم حيال ذلك وعدم وجود الشفافية في التعامل وتوضيح الأمر للناس، هو الذي يفتح الباب أمام انتشار الشائعات؛ والناسُ عندما تزداد عليهم المشاكل يكونون أكثر عرضة لتصديق أيِّ شيء حتى إن لم يكن صحيحاً.
وبغض النظر عمّا يُنشر في وسائل التواصل الاجتماعي الآن، فإنّ هناك أموراً لا يستطيع الإنسان أن يجد لها تفسيراً، وكأنّ الهدف منها هو تحريك الناس، سواء كان ذلك بقصد أم بغير بقصد. فعندما تم رفع قيمة البنزين رضي الناس بذلك، بل هناك من الناس من تعامل مع الأمر بأنّها قضية وطنية ويجب أن نقف مع الحكومة في هذه الأزمة، وهو موقف شريف، كما أنّه تم إيقاف ترقية الناس، وألغيت بعض الترقيات، والناس تقبلوا ذلك - حتى وإن كان على مضض - ولكن أن تتعامل شركة الكهرباء مع المواطنين بأن ترفع الأسعار فجأة وترتفع الفواتير ارتفاعاً مبالغاً فيه، وعند مراجعة الشركة يكون الجواب بأنّ قراءة العدّاد أصبحت كلّ شهرين بدلاً من شهر واحد؛ فهذا يخالف المنطق تماماً، وكأنّ الهدف هو "سرقة أموال" المواطنين بالباطل؛ فإذا كانت الشركة لا تستطيع أن تبعث بموظفيها لقراءة العدّاد، فالأفضل هو تغييرها، لأنّ قضّية ارتفاع فواتير الكهرباء نوقشت عبر برنامج البث المباشر في الإذاعة، وكتب الكثيرون عنها، إلا أنّ الأمر ظلّ جامداً، دون الاهتمام برأي المواطنين المتضررين؛ ومن يزر مكاتب شركات تحصيل الأموال يستمع يومياً إلى الشكاوى والصراخ.
النقطة المهمّة هي أنّ أيّ نجاح لن يتحقق - في أيّ وطن من الأوطان - إذا كانت آراء الناس لا يتم الاستماع إليها، وإذا كانت رائحة الفساد تزكِّم الأنوف، ومع ذلك يتم تجاهلها؛ فالجيل الجديد غير الجيل القديم، وما كان يُرضي الكبار لا يُرضي الجيل الجديد، وهو جيلٌ يملك وسائل كثيرة ليعبِّر عن ذاته، وقضيةُ مقاطعة شركات الاتصالات مثلاً ليست بعيدة عنا.