د. عبد الله باحجاج
هل ستعكس قمّة المنامة المقبلة (6-7 ديسمبر الحالي) الوعي السياسي الخليجي المفترض الذي ينبغي أن يخرج من رحم التجربة الخليجيّة الطويلة ومن مصانع الأزمات الإقليمية الساخنة، ومن تداعيات التحوّلات الدولية الكبرى بعد تقهقر السياسة الأمريكية في المنطقة، وتحديات حقبة الرئيس الأمريكي الجديد ترامب؟ لن نختلف على أن دقة المرحلة الراهنة بكل أبعادها ومستوياتها، تتطلب البحث عن صيغة جديدة تكون قادرة على مواجهة تلكم التحديات، وفي الوقت نفسه، تلبي طموحات الديموغرافية الخليجية، وهي طموحات متقاربة إن لم تكن مشتركة، لأنّها ديموغرافية واحدة في أصلها وتجذراتها، لكنها تحتاج من السياسيين حملها على التعايش مع تنوعها وتعددها الفكري بدلا من ترسيخ ثقافة الإقصاء عبر إقامة الدولة المدنية الجامعة للتعدد والتنوع الفكري، هل سنشهد في قمة المنامة الوعي هذه المرحلة أم سيتم القفز فوقها بجنوح الانفعالية نحو الاتحاد مهما كان عدد أعضائه؟
لدينا قلق مرتفع من هذه الانفعالية التي عبّر عنها مؤخرًا تصريح مسؤول بحريني رفيع عند حديثه عن الاتحاد دون السلطنة، ودون هذا التصريح، أي لو استبعدناه، فقد كانت متابعاتنا للفكر السياسي الخليجي، تشير إلى أنّ هناك وعيًا عقلانيا بكل ظروف المرحلة، قد نجمت عنه براغماتية جديدة في التعاطي مع الخلافات الخليجيّة الداخلية خاصة فيما يتعلق بالمسيرة المشتركة، وآفاقها المقبلة، ولولا تصريحات ذلك المسؤول البحريني، لطلقنا التفاؤل، فقد أوصل الفكر الخليجي إلى المحطة البحرينية روحًا جديدة بمعطيات ومؤشرات تفتح الأمل في مستقبل خليجي مشترك وجامع للكل، لولا تلكم التصريحات /نكرر/ من هنا، فإنّ قمة المنامة تتحمل مسؤولية الحفاظ على هذه الروح ومعطياتها، وآفاقها الرحبة، لا إلى وأدها، فهل لدى هذه القمة الإدراك بحجم ومسؤولية هذه الأمانة؟
إنّ فتح ملف الاتحاد في الظرفية الراهنة، سيكون خارج السياقات الآمنة والمطمئنة للسير الجماعي الخليجي، وسيغتال الروح الجديدة التي خرجت من قمة الرياض التشاورية في يناير 2016، وهى روح قد جعلت من التباين السياسي والخلافات الخليجية الخليجية مسألة متجاوزة، بدليل، إعلانها التعبئة الأمنية والعسكرية والاقتصادية لمواجهة تحديات المرحلة من منظور الدفاع عن الذات، وتحصين جبهاتها الداخلية، ومن منظور استكمال مقومات الذات الاقتصادية، وهذا يتجلى لنا في اتفاقهم الجماعي في تلك القمة على نقل مسيرتهم من التعاون إلى التكامل الاقتصادي وصولا إلى الوحدة الاقتصادية بعد أن واجهت فكرة الوحدة السياسية مواقف متباينة بين الرفض والتحفظ والمحاس المندفع لها، وهذا حل براغماتي ، يستوعب طموح الاتحاد ويسحب مبررات الانسحاب، وأهم ما يدلل على هذا الوعي، موافقة القمة وبالإجماع على إنشاء هيئة للشؤون الاقتصادية والتنموية كإدارة تنفيذية فاعلة تلغي اللجان الوزارية العديدة المعرقلة للتطور، وتحملها المسؤولية في حل قضايا تأخر تنفيذ القرارات المعتمدة خلال السنوات الماضية من عمر المجلس، وقد أعطيت لهذه الهيئة صلاحيات البت في المواضيع وإيجاد الحلول وطرحها على القادة مباشرة لإقرارها، حيث إنّ الفكرة من إنشاء الهيئة هي اتخاذ القرارات اللازمة لتطبيق التكامل الاقتصادي بين دول المجلس، وفي نوفمبر الماضي عقدت هذه الهيئة أولى اجتماعاتها على مستويات عليا، واتفقت على خمس أولويات للنقلة التكاملية، جديرة بالمتابعة الفورية، أولى هذه الأولويات هي اتخاذ جميع القرارات والخطوات التنفيذية التي من شأنها الارتقاء بالعمل الاقتصادي الخليجي المشترك، وتحقيق نقلة نوعية في هذا المجال، والأولوية الثانية، وضع جميع القرارات الاقتصادية التي سبق اتخاذها ولم تنفذ، أو نفذت بشكل جزئي، موضع التنفيذ الكامل والسريع، واعتماد الآليات اللازمة لذلك، والثالثة إجراء مراجعة شاملة للسياسات والبرامج والمبادرات الاقتصادية والتنموية لمجلس التعاون بهدف تطويرها، وضمان كفاءتها وفاعليتها وفقاً لأفضل الممارسات الدولية المتبعة، والرابعة تهيئة جميع العوامل القانونية والهيكلية والمالية والبشرية اللازمة لتطوير البعد الاقتصادي للعمل الخليجي المشترك، والوصول به إلى المستويات المتقدمة التي تم إحرازها في العديد من الميادين والمجالات الأخرى، أمّا الخامسة فهي الاهتمام بجميع المواضيع والأمور ذات الصلة بالشأن الشبابي، وتوفير جميع أوجه الدعم والمساندة للابتكار ولرواد الأعمال من الشباب، على النحو الذي يكرس دورهم كرافد أساسي من روافد الاقتصاد الخليجي، وقد تمّ تحديد عدد من الخطوات لتحقيق هذه الأولويات، من بينها مضاعفة كفاءة البنى الأساسية التحتية والمعلوماتية والمعرفية الحالية، والاستمرار في تطوير النظام التعليمي عبر مراحله المختلفة، وتعزيز قدرته على تخريج كوادر بشرية مؤهلة، أيضًا من ضمنها تحديث بنية الإطار التشريعي، على نحو محفز لنمو الاستثمار، ومواكب للمستجدات الراهنة، إضافة إلى إيجاد المزيد من قنوات وأدوات التمويل المبتكرة، التي توفر الدعم اللازم للأفكار والمبادرات الابتكارية، وذلك على صعيد المشاريع الكبيرة والصغيرة على حد سواء، وتمثل الدول الست في الهيئة بشخصيات مؤثرة في صناعة القرار، وهذا ما يجعلنا نلمس من ورائها وعيا سياسيا عميقا متضمنا إرادة سياسية جديدة لنقل المسيرة من التعاون إلى التكامل ومن ثم إلى الوحدة، وهي تضم معالي السيد خالد بن هلال بن سعود البوسعيدي وزير ديوان البلاط السلطاني، ومحمد بن سلمان ولي ولي العهد السعودي، ومنصور بن زايد آل نهيان نائب رئيس مجلس الوزراء في الإمارات، وناصر بن حمد آل خليفة رئيس اللجنة العليا للتعاون والتنسيق المالي في البحرين، و محمد بن عبدالرحمن وزير خارجية قطر، ومحمد عبدالله المبارك الصباح وزير الدولة لشؤون مجلس الوزراء في دولة الكويت، بالإضافة إلى عبداللطيف بن راشد الزياني، الأمين العام لمجلس التعاون الخليجي، مستوى هذا التمثيل يعبر فعلا عن المتغير الجديد في الوعي والإرادة السياسية الخليجيين، لكن هل ستمكن الأزمة النفطية الراهنة ومخاوفها المقبلة من تحقيق الأجندات الاقتصادية الخليجية بروحها الجديدة؟ بالتأكيد قد فوّت الخليج على نفسه فرصة العصر الذهبي للنفط، فلو نفذ مشاريع معينة متفق عليها قبل بضع سنوات فقط مثل مشروع القطار الخليجي، لربما يجد نفسه قريبا أمام طموح احتلال اقتصاده المرتبة السابعة عالميا، ولن نبالغ إذا ما قلنا إن الوحدة الكونفدرالية بين الدول الست قد تكون عندها مسالة تحصيل حاصل بعد أن تكون قد استكملت معطياتها الموضوعية، ولماذا الكونفدرالية؟ لأنّها ستكون عندها أقرب للخصوصية الخليجية، فهي تعني ضم دول مستقلة ذات سيادة، لكنّها تفوّض بموجب اتفاق مسبق بعض الصلاحيّات لهيئة أو هيئات مشتركة لتنسيق سياساتها.
ورغم ذلك، لا يزال الرهان على قمة المنامة رغم تصريح المسؤول البحريني الذي لاقي انتقادات كذلك في أحاديثنا الجانبية مع النخب الأكاديمية والبحثية الخليجية المشاركة في الدورة الثالثة لمنتدى دراسات الخليج والجزيرة العربية المقامة حاليا في الدوحة، هذه الانتقادات وما جرى فيها من نقاشات معمقة، تحملنا إلى القول بأن ملف الاتحاد - كما يريد له المتحمسون- لن يكون على طاولة هذه القمة، وبالتالي نتوقع أن تخرج القمة بما يعزز المسارات الجديدة ليس على الصعيد الاقتصادي والتنموي وإنّما على الأصعدة الأمنية والعسكريّة بعد شهدنا منذ الأسابيع القليلة الماضية أنشطة تعلي من شأن العمل الأمني والعسكري المشترك المتزامن من تلكم المسارات الجديدة، نذكر هنا اختصارا واستدلالا تمرين أمن الخليج العربي واحد؛ والذي شاركت فيه الدول الست، وكان في المنامة كذلك، وقد بعثت برسالة آنية صريحة وقوية يعكسها مسمى التمرين، وكشفت في الوقت نفسه مدى جاهزية الدول الست لمواجهة أي تهديد قد يواجه أمن واستقرار أية دولة خليجية، فهل ينبغي أن نفرّط بهذه الروح الجماعيّة الجديدة يا قمة المنامة أم نعززها؟ هذه الروح أيها الأشقاء الخليجيون قد تمكنت من احتواء التباين السياسي في مواقف الدول الست من أزمات إقليمية ساخنة، وكذلك الخلافات الخليجية/ الخليجية، وشهدنا اختراقات في مجمل المسيرة الخليجية، فلماذا التلويح بالاتحاد الآن من مسؤول بحريني رفيع؟ هل لجس النبض أم جنوح في الحماس أم هدفه إرجاع هذه المسيرة إلى نقطة البداية؟ الكرة في ملعب قمة المنامة.