أحلام معلّقة

 

 

مسعود الحمداني

(1)

أفتح شبابيك العزلة، أنظر إلى الأفق المتسع أمام ناظريّ، أحاول أن أتجرّع طعم الصباح، لأعود إلى سرير الحلم، إنّها مسقط بكل تجلياتها، وأمانيها البسيطة، بكل مفاتيح غيابها، وحضورها، هنا حيث الأسفلت يطل برأسه من كل مكان، وحيث الأخضر يبدأ بالتراجع إلى خانة البداية، وحيث العمال الآسيويون يقومون بإصلاح الطرقات التي لم تعد تتسع لهم ولا لغيرهم، لأن التخطيط منذ البداية لم يكن يتخيّل ما هو أبعد من خيالاته..

(2)

عجوز يجوب الشارع، يقطع المكان كما يقطع الزمن عمره البائس، تسوّل له نفسه أن يجلس تحت شجيرة غرسها قبل خمسين سنة، يبحث عنها، فلا يجد إلا بقايا لخرائط ترص الأرض على الأرض، تشكّل مدينة جديدة، تنمو بشكل أسرع مما تنمو به الأشجار.. يمسّد أطراف المكان بعينيه، ويرحل نحو سنوات عمره البعيدة، والتي لا يكاد يرى منها سوى الذكريات.

(3)

فتاة الحي التي كانت ترشق الأطفال بالحجارة، لم تعد هنا، لقد رحلت، لا أعلم أينها، ولكنها ترسل إشارات سيرها مع كل نجمة تحتل مساحة من السماء، تلتقط حبيبات الندى المتساقطة على نافذتها القديمة، وتركل أحلامها التي ظلت كما هي منذ ولادتها القيصرية في مستشفى لم يعد موجودا إلا في الذاكرة.

(4)

في الشارع المقابل ثمة عجوز تجلس على الرصيف، تبحث عن مدينتها الضائعة وسط الركام، تخاتل الوقت بابتسامة حزينة، تتوسل المارة، أن يهبوها مثلها، وتنثر التراث بين أصابعها التي لا تكاد تمسك إلا الظل، تمد بصرها نحو المجهول، وتعود لافتراش الرصيف.

(5)

شاب وفتاة يحتسيان الشاي في مقهى المدينة الجديد، ينظران نحو مستقبلهما في كل رشفة، ويتبادلان النظرات البلهاء، يقتطعان من الوقت بعضه، ويرتبان حلما يعرفان مسبقا أنه لن يتحقق، همّهما الوحيد أن يقضيا اللحظة السانحة، ثم لا يهم إنْ افترقا ليبحثا عن شريك جديد يكمل ما تبقى من الحكاية.

(6)

المدينة المسكونة بالرغبات غدت كإناء ضخم يعج بالأجساد المترهلة، والأصوات الصاخبة، لا أحد يسمعك، ولا تسمع إلا صوت نفسك، تخنقك روائح الأحلام الجائعة، تربكك صور الأشلاء المعلقة، وتعود أدراجك إلى وسط الحجيرة الصغيرة التي جادت بها عليك الشمس، تغلق النافذة.. تمسك بكتاب تافه، تقرؤه دون أن تعي ما تقرأ.. ليس للوقت ثمن، ولا للحلم ثمن..

تضع الكتاب أسفل السرير.. وتناااااام.