عمل اللجان .. للوطن أم للمكافأة؟!

 

سيف بن سالم المعمري

رغم وجود المؤسسات الحكومية والتي تغطي اختصاصاتها معظم مجالات العمل بمختلف جوانب التنمية، والتي تسعى جميعها لتذليل سبل العيش الكريم للمواطن والمُقيم في السلطنة على حدٍ سواء، كما تعمل على صياغة ومُتابعة وتنفيذ خُطط وبرامج التَّنمية، وكذلك التَّنظيم والمُشاركة في الفعاليات والبرامج والأنشطة المجتمعية المختلفة؛ إلا أنَّ مفهوم "تشكيل اللجان" لا يزال يعشعش في عقليات عددٍ من المسؤولين في السلطنة؛ لكون عمل اللجان ارتبط بمفهوم سلبي وهو "المكافأة"، بمعنى أنّ اللجان ستفضي إلى منح رؤسائها وأعضائها مكافآت مالية وأحياناً حوافز عينية وإجازات ونحو ذلك، مما ترتب عليه زيادة الأعباء المالية على الدولة، وساهم في تأخر الكثير من برامج التنمية، بالإضافة إلى أنه يفضي إلى الاتكالية من قبل مُختلف الجهات ويرسخ ثقافة سلبية في العمل المؤسسي، رغم أنه من المفترض أن يثمر التواصل والتداخل واللقاءات المشتركة والتنسيق المستمر بين اللجان في مختلف القطاعات والمؤسسات مستوى عالياً من الجودة ويحقق التطلعات والطموحات في فترة زمنية قياسية.

وكما هو معلوم فإنّ اللجان التي يتم تشكيلها في السلطنة تأخذ ثلاثة أنماط –من وجهة نظري- فالأول يتمثل في تشكيل اللجان بالوزارات والهيئات الحكومية وإداراتها بالمحافظات ويقتصر العضوية فيها على موظفي الوزارة نفسها، بينما النمط الثاني يتمثل في تشكيل لجان ثنائية بين وزارة وأخرى أو بينها وبين عدة وزارات وهيئات حكومية أخرى، والنمط الثالث يتمثل في تشكيل اللجان التي تمثل قطاعات مُتعددة تجمع المؤسسات القضائية والعدلية والوزارة والهيئات الحكومية المدنية والأمنية والعسكرية وكذلك مؤسسات القطاع الخاص والقطاع الأهلي وغالباً تتمثل في أدوارها في الاحتفالات الرسمية في الأعياد الوطنية والدينية، والمهرجانات والملتقيات التي تستضيفها السلطنة في مُختلف المجالات.

 وصحيح أن الأنماط الثالثة سالفة الذكر ذات أهمية بالغة للعمل المؤسسي وتنفيذ سياسات الحكومة وتلبية تطلعات المواطن، إلا أن مفهوم "العضوية في اللجان مُقابل مكافأة مالية" ساهم في عدة ممارسات خاطئة لعل من أبرزها أنَّ الدخول في عضوية تلك اللجان يأتي في أغلب الأحيان بشفاعة المسؤول المباشر والتي تكون في الأغلب لا للكفاءة والدراية بالعمل المطلوب، بل لرغبة المسؤول في حصول ذلك الموظف على مكافأة مالية ربما لصلة قرابة بينهما أو علاقة اجتماعية أخرى، وهذه النتيجة قد تقود إلى ضم أعداد كبيرة من الأشخاص في تلك اللجان، رغم أنّ العمل سيقوم به أشخاص معينون، بل الأمر يصبح أكثر سوءا حينما تدرج أسماء أشخاص في قوائم تلك اللجان، ولا يعلمون عن تلك اللجان إلا لحظة توزيع المكافآت، والأمر من ذلك حينما يحصل على المكافأة الأقل من أهم أكثر عملاً في اللجان، والمكافأة الأكبر لمن هو أقل عمل في اللجان، وهي تحدث تقريباً في أنماط اللجان الثلاثة التي سبق ذكرها، وليس أدل على ذلك من اللجان التي تعمل في مهرجانات العيد الوطني والمهرجانات الأخرى وكذلك لجان انتخابات مجلسي الشورى والبلدي.

ولعل من ضمن الأمثلة التي يجدر ذكرها في ذلك تشكيل اللجان الإعلامية في مهرجانات العيد الوطني وكذلك انتخابات مجلسي الشورى والبلدي، فتجد معظم أعضاء تلك اللجان في سائر محافظات السلطنة من غير العاملين بالإعلام بمُختلف مجالاته، رغم وجود أسماء لشخصيات إعلامية كمراسلين لوسائل الإعلام المحلية، ولهم الدراية والخبرة الكافية بمهام اللجان الإعلامية.

أما المعضلة الأكبر في عمل تلك اللجان، فهي مباشرة أعضائها لعملهم في تلك اللجان أثناء أوقات الدوام الرسمي، بل وفي أغلب الأحيان يتركون مهماهم الوظيفية ويتعللون بانتسابهم لعمل اللجان، ويتقاضون رواتبهم الشهرية الكاملة بنفس المزايد والحوافز من وظائفهم، وفي نفس الوقت يحصلون على مكافآتهم من عمل تلك اللجان، بل ويتشدقون بأن عملهم في تلك اللجان بدافع وطني، ولو تمّ منحهم المكافآت على غير ما يبتغون لاستشاطوا غضبًا وخاصة رؤساء تلك اللجان ومن في حكمهم، وصدقت فيهم مقولة غاندي:"كثيرون حول السلطة وقليلون حول الوطن".

ولو كان العمل في تلك اللجان بعد فترة الدوام الرسمي لربما كان موضوع المكافأة محل نظر؛ ولكن أن يتم التهافت للانتساب لتلك اللجان وبحجة المشاركة في لجان العمل الوطني المختلفة، فهي خطوة مقدرة لو كانت بدون مكافآت، لكن الجمع بين الوظيفة وعضوية اللجان، مقابل راتب في الأولى وهو مستحق ومكافأة في الثانية بحاجة إلى إعادة نظر.

وهل لو تمّ إلغاء المكافآت في تلك اللجان وخاصة في الأعياد الوطنية والمهرجانات ولجان الانتخابات سيتهافت المتهافتون عليها ممن تعودوا على الولوج في تلك اللجان مقابل المكافأة؟.

لذا نحن نحتاج إلى وقت لتغيير تلك القناعات السلبية التي عشعشت لأربعة عقود ونصف في الأذهان والتي اختزلت عمل اللجان مقابل مكافأة كجزء لا يتجزأ من مفهوم الوطنية لديهم، فإن كانت كذلك فأين ذلك المفهوم من مفهوم التضحية في سبيل الوطن؟ وفي حال أن المواطن لم ينفق من ماله ووقته ومهاراته ومعارفه لخدمة وطنه بدون مقابل؟ فمن أحق بها أيضًا؟ وبالتالي هل بتلك القناعات يصبح عمل اللجان .. خدمة للوطن أم رغبة في المكافأة؟!

فبوركت الأيادي المخلصة التي تبني عُمان بصمت ،،،

 

 

Saif5900@gmail.com