هل حان الوقت لهيئة مستقلة للسياحة؟!

 

مسعود الحمداني

انتهت الإجازة، وقضى آلاف العمانيين ـ كالعادة ـ إجازتهم خارج السلطنة، ذهب أكثرهم إلى دولة الإمارات الشقيقة، وبالتحديد إلى إمارتيّ دبي وأبو ظبي، وهي عادة متكررة يقوم بها الكثيرون في كل إجازة سواء أسبوعية أو رسمية، وهذا أمر يعرف كثير من المسؤولين لدينا أسبابه، ولكنهم لا يجدون طريقة عملية لحلّه، والتقليل من أعداد (الفاقد) من المال الذي يذهب خارج الحدود.. وقد لا يروق لبعض المسؤولين الحديث عنه، أو المجاهرة به، من باب الحرص على (الخصوصية العمانية)، وهي الشمّاعة التي علّق عليها البعض تأخر (الانفتاح السياحي)، ومحدودية الفرص الاستثمارية، وضعف التسهيلات، وعدم مواكبة التشريعات في هذا القطاع للمتغيرات الاقتصادية، رغم أنّ هذه (الخصوصية) لا تختلف عن بقية الدول الخليجية في شكلها العام.

إنّ السياحة بمفهومها البسيط والعميق هي (صناعة الإغراءات، والمتعة، واستثمار المتاح لجذب الشرائح الاجتماعية المختلفة لتكرار زيارة نفس المكان مرات عديدة دون ملل).. وهذا ما تقوم به كل دول العالم ذات الجذب السياحي المرتفع، والتي تعتمد على استثمار مواردها ومواقعها الطبيعية الجغرافية والتاريخية والبشرية، للوصول إلى (قلب وعقل) السائح.. فما نراه في دول أوربا وآسيا ليس عملا خارقا من الناحية النظرية، ولكنه اشتغال واقعي وعملي لمفردات بلدانها، ومن ثم توصيل هذه الكتل السياحية بشكل (مغرٍ) لذهن السائح، لصناعة متعة بصرية، وذهنية له، باتجاه هدف واحد وهو: جذب الناس والمال معا.

بهذه العقلية البسيطة في مفهومها والعميقة في تطبيقها استطاعت دول كثيرة الوصول إلى هدف السياحة الشاملة أو المتخصصة عند دول أخرى، والسلطنة ليست استثناء من مفهوم هذه القاعدة، ولكن هل قامت الحكومة ممثلة في وزارة السياحة بما يكفي لكي تصل إلى الهدف المنشود خاصة وأن الدولة بأمسّ الحاجة إلى كل بيسة لتدخل في خزانتها، أو لترفع من دخل القطاع الخاص، وهل هي الجهة الوحيدة المنوط بها هذه المهمة؟!!.

أعتقد أنّه حان الوقت لإنشاء (هيئة عامة للسياحة) يكون القطاع الخاص ممثلا بقوة في مجلس إدارتها، تؤول إليها مسؤولية كل القطاعات السياحية المتناثرة حاليا في جهات مختلفة كوزارة التراث والثقافة وبلدية مسقط وبلدية ظفار وغيرها.. وأن يكون لديها الاستقلال الإداري والمالي، وتكون مهمتها التخطيط لاستراتيجية وطنية (طموحة) للسياحة، وإعادة قراءة المشهد السياحي برمته، والنهوض بكافة قطاعاته، وأن يكون لديها سقف غير محدود للاستفادة من كل المقومات الطبيعية للسلطنة، و(وابتكار) تشريعات وقوانين تسهل الاستثمار في هذا المورد الهام الذي لم يستغل بعد ـ من وجهة نظري ـ بالشكل الأمثل، وأن يكون لديها (أذرعها) الخاصة للتنفيذ، بدلا من البيروقراطية الحكومية.

إنّ دور وزارة السياحة دور محوري وجهودها مقدّرة، ولكنني أتساءل كمواطن بعد هذه السنوات عن: البنية السياحية الأساسية، ومدى متانتها، وصلابة ترسانتها، وعن ديمومة السياحة، واستراتيجيتها، وتوجهاتها، وأهدافها.. وعن المشاريع السياحية التي تأخر تنفيذها، وعن الروافد التي تغذي هذا القطاع، وعن حقيقة الإضافات الفعلية التي تفاخر بها الوزارة، والتي تجعل المواطنين والمقيمين يفضلون السياحة الداخلية بدل (الهجرة الجماعية) إلى الخارج في كل إجازة عرضية..

هناك الكثير من المناطق السياحية الطبيعية (الباذخة) في السلطنة كالشواطئ، والآثار التاريخية، والعيون والأفلاج والأودية والكهوف والصحراء، وغيرها، ولكن ما مدى استثمار هذه المواقع واستغلالها كمورد رئيسي وطبيعي كوجهات مفضلة للسياح، وما هو دور وزارة السياحة في تطويرها، وتوفير الخدمات الأساسية والترفيهية فيها، فهذه المواقع موجودة منذ الأزل وهي ليست صنيعة جهة معينة، وكان على الحكومة أن تعمل بشكل أكبر على تطوير الخدمات فيها، وإقامة المشاريع بالقرب منّها، لأنّها يمكن أن تشكّل كنزا سياحيًا وطنيًا وعالميًا لو تمّ استثمارها بالشكل الصحيح..

إننا نمر بسنوات عجاف، لأننا لم نستطع أن نوجد بديلا عن النفط طوال فترات الرخاء في السنوات الماضية، وها نحن نجد أنفسنا تحت رحمة أسعاره، رغم أنّه كان لدينا الوقت الكافي لنعيد ترتيب أوراق اقتصادنا الوطني، ولكننا أضعنا الكثير من الوقت، وأهدرنا العديد من الفرص، ولعلّ الأوان قد حان لنستفيد مما تبقى من الزمن، فالوقت لا ينتظر من لا يعيره اهتمامًا.

 Samawat2004@love.com