خالد الخوالدي
الوطن والوطنية أصبحا كلمة تُلاك على كل لسان ومحفل وموقع وجلسة؛ فمن ينتقد جانبا من جوانب الوطن للإصلاح والتطوير والتجديد والتقدم والرقي لوطنه وأمته اتُّهم بأنه غير وطني ولا يُحب وطنه، ونحن نحتفل بالعيد الوطني المجيد والغالي على قلوبنا جميعا لابد أن يفهم الوطنيون ماذا تعني الوطنية؟
فالوطن والوطنية ليسا كلمة تُقال، أو أنشودة تُنشد، أو قصيدة شعرية، أو أغنية، أو سيارة مزينة، أو دشداشة مزركشة بعلم السلطنة، أو وشاح يُربط على العنق؛ فالوطن والوطنية عقيدة في القلب يكافح عنها ويقاتل من أجلها أي مواطن، والعقيدة تعني الرسوخ والإيمان التام بأن الوطن هو الأساس الذي يشترك فيه الجميع بجميع أطيافهم ومذاهبهم وأعراقهم؛ فهو الحضن الدافئ للجميع مهما كان غنيا أو فقيرا؛ فالوطن كعرض الإنسان يدافع عنه بكل ما أوتي من قوة، وبكل صرامة؛ حيث يستطيع الإنسان أن يتخلى عن أحد أقربائه الخاصين كالأبناء، ولكنه لا يستطيع أن يعيش بلا وطن، وكل ما يصدر عنَّا من قول تجاه الوطن هو تعبير عاطفي ووجداني فقط، ويبقى الفعل هو الحاسم في محبة الأوطان.
وبما أنَّ الفعل هو الفيصل في حب الوطن وهو الوطنية الحقة، فلابد أن يسأل كل واحد منا ماذا قدم للوطن؟ لا ما قال وصرح وانتقد؛ فاللسان كما يقال ليس به عظم ويمكن أن يتحدث من الصباح حتى آخر الليل، وتبقى الأفعال هي الشاهد والبرهان والدليل على ما يُقدِّم المواطن لوطنه؛ فالمعلم عندما يعلم الطلاب بأمانة وإخلاص فهو وطني، والموظف عندما يؤدي عمله بإتقان فهو وطني، والمهندس عندما يواصل عمله بالاختراع والاكتشاف والتجديد فهو وطني، والطبيب عندما يعالج مرضاه بضمير الإنسانية فهو وطني، والصحفي عندما يقول كلمة الحق بدون خوف أو مجاملة أو تملق فهو وطني، والعسكري عندما يحافظ على أمن البلد فهو وطني، والشرطي الذي يسهر على راحة المواطن وطني، والداعية عندما يأمر بحب الوطن وينهى عن كل ما يضر الوطن بضمير حي وإخلاص لله وحده فهو وطني، وكل من يخدم الوطن ويحمي المواطن ويحافظ على مُقدِّسات الوطن فهو وطني؛ فهذه هي الأفعال وأمثالها هي التي يمكن أن تدخلنا في معنى الوطنية، وتتجلى الوطنية عندما يتم تقديس الوطن ويكون الحب والبغض لأجله.
أمَّا التصرفات الرعناء والأعمال غير المسؤولة، فهي خارجة عن الوطنية مهما كانت مسمياتها؛ فما شاهدناه وسمعنا عنه من تصرفات من بعض الشباب في غمرة الاحتفالات بالعيد الوطني المجيد، ما هي إلا استهتار وتشويه لمعنى الوطنية والفرحة المعبرة عن هذه الاحتفالية الغالية على قلوبنا، وكل ما يصدر من أقوال على مواقع التواصل الاجتماعي إذا لم يواكبها فعل صادق فهي تصرفات هوجاء، فالحذر الحذر من هذه التصرفات، وهنا أقدم كلمة شكر وتقدير لشرطة عمان السلطانية التي وقفت صمام أمان لمحاصرة التعبيرات غير اللائقة واللاخلاقية لبعض التصرفات غير المسؤولة من قبل ثلة قليلة أرادات تصدير الفوضى و"قلة الأدب" على أنه تعبير عن فرحة المواطن بالعيد الوطني، كما نشكر كل طفل ورجل وامرأة كان احتفالهم معبرا وصادقا عن هذه المناسبة، متمنيا وداعيا الله عزَّ وجلَّ أن يُديم علينا هذه الأفراح أعواما عديدة وأزمنة مديدة ونحن نرفل بالخير والتقدم والتطور، تحت ظل القيادة الحكيمة لمولانا حضرة صاحب الجلالة السلطان قابوس بن سعيد المعظم -حفظه الله ورعاه- ودمتم ودامت عمان بخير.