في عيدنا الوطني.. أنت متهم

أحمد بن سيف الهنائي

غريبٌ أمر بعض الأصوات التي تتعالى هنا وهناك، مُطالبةً بكتم أفراح النَّاس، وعدم الاحتفال بمُناسبات الوطن السعيدة، ما أن تمرَّ مُناسبة للفرح، حتى أشعلوا أبواقهم المُزعجة بكلماتهم الطنانة بتغليب الفرح المعنوي لا المادي، فأهلا بمهرجانات الفرح إن لم تسرف في تبذير المال، ولا تخدش الحياء والذوق العام، ولا تهدم فضيلة، ولنجتهد في نشر أشرعة الفرح والحب والسعادة في كل سانحة، فهي كلها طرقٌ منعّمة بالجمال إلى نشوة النفس وحظوظها من المُتعة.

أجل، في يوم عيد الوطن، نسمو بالنفس، ونعرج بالآمال إلى مدارج الفضيلة والكمال، ونحدّث القلب بما يحب، ونطلق السُرج للروح لتتقافز في ملكوت الرضا وجلال المشاعر المتدافعة المتدفقة بكل بهاء. فالوطن هو ضياء الله في أرضه، وبهاء الأنقياء في ظلال الحياة الحالمة، وسفينة المخلصين إلى بوابة المجد والخلود، وإبريز العاملين الوهاج وآمالهم العراض في تتويج "عمان" بإكليل الفخار، وهو حتمًا أحلام الأطفال وأمنيات الأمهات إلى فردوسٍ يتفيأ ظلاله القريب والبعيد.

نحتفل بمظاهر الحياة وزخارفها، وفي المقابل علينا أيضًا أن نحتفي بالوطن في مناجاةٍ صادقة، وعزمٍ وقّاد على البناء، والتخلي عن حظوة الدنيا بمباهج الحياة، خصوصاً الخادعة منها أو التي لم تأتِ بطريقٍ يفتخر به الوطن.

عمان تطلب اليوم من أبنائها، أن يكون احتفالهم يليق بحضارة البلد وتاريخه الضارب في جذور التاريخ والإنسانية. الوطن بمكوناته المعنوية المؤثرة يمني النفس بأن يتوقف المسيؤون له عن إساءتهم، ويترك الراشون والمرتشون عفنهم، ويتخلى عبدة المال عن نهب خيراته ومقدراته، وأن يراقب كل من كان بيده الأمر ضميره ويعمل وفق المبادئ والقيم العمانية الأصيلة، وأن يمتنع المتاجرون بالوطنية عن الكلام غير المفيد إعلاءً لمصلحة الوطن، وأن ينأى بعض حملة الماجستير والدكتوراه بأنفسهم من أن تكتب لهم رسائلهم، أو يشترونها بثمنٍ بخس يضر بالوطن ولا يخدم مسيرة العلم والتقدم، وأن يشعر المتقاعسون بالخجل من أنفسهم وهم يتوانون في خدمة الوطن بأكمل وجهٍ في جميع المجالات.

عُمان تطلب من الجميع أن يعودوا إلى جادة الإخلاص، وأن يبقى الوفاء ديناً وعقيدة، وأن يتقدَّم الصفوف من يمتلك القدرة والكفاءة، كما يحلم المواطن النزيه في ألا يستمر زحف العمالة الآسيوية المخيف، فإن كان ولا بد فعلينا أن نستبدلهم بإخوتنا العرب، ممن نعتز بهم، وتربطنا معاً قواسم كثيرةٍ مشتركة، نتوافق في الهوية والفضائل العربية وجمال اللسان العربي، فمسقط اليوم في بعض أزقتها لا ترى إلا زحفاً يؤثر على تكوينها الاجتماعي واستقرار عاداتها وتقاليدها وأخلاقها ولسانها.

الوطن بحاجةٍ ماسة إلى خدمات أبنائه، خصوصاً حملة البكالوريوس، الذين باتوا لا يشعرون بجمال الحياة، وهم يجرون أذيال الخيبة كل يومٍ في طريق بحثهم عن أداء الواجب الوطني بما يمتلكون من مؤهلاتٍ وإمكاناتٍ علمية، كما أن الأساتذة الأكاديميين هم الآخرون بحاجةٍ إلى تمكينٍ حقيقي لقيادة المسيرة التعليمية العليا في الجامعات والكليات.

وأخيرًا؛ الوطن هو لسان المرء وجنانه، ومتى ما امتلك حب الوطن، شعر بإنسانيته السامية، ولم يدخر وسعاً في اعتزازه وتمكينه، فالحالمون اليوم بريادة الوطن في كل المجالات، هم في الحقيقة من ينتظرون الفرصة للعمل على ذلك. نعمّا لأهل عمان هذا الاحتفاء وهم يشعرون أنهم أصبحوا شوامخ أعزة.