المُتشدِّقون بالوطنية (1)

 

عيسى الرواحي

 

رأى لزامًا على نفسه وتعبيرًا عن وطنيته المخلصة أن يستلف مبلغًا من المال من أجل تزيين سيارته بالألوان الزاهية والصور المعبرة تزامنا مع احتفالات البلاد بالعيد الوطني المجيد، بينما واقعه العملي في المؤسسة الحكومية التي يعمل بها يثبت كثرة غيابه من غير عذر، ناهيك عن تقصيره في أداء المهام والواجبات.

شذا الوطنية وحب الوطن وفداؤه بالدم والروح كان يفوح بها مبنى ومعنى تلك القصيدة الرائعة التي ألقاها بمناسبة العيد الوطني المجيد أثناء الاحتفال الذي أقيم في ولايته، أمّا واقع حال شاعرنا المبجل ففي حال تقاعسه وتكاسله عن العمل فإنَّه يشتري إجازات مرضية مزورة من مؤسسة صحيّة هي الأخرى اكتست جدرانها بأحلى حلة بهذه المناسبة الوطنية السعيدة.

كان يحث طلابه دومًا في حصصه التدريسية لمادته العلمية على حب الوطن والتضحية من أجله، والتفاني في خدمته، كما كانت إرادته نافذة أمام إدارة المدرسة في رفضه القاطع أن يتولى أي نشاط تربوي أو يدير أي حصة احتياط بحجة أنَّه عملٌ لا يخصه، ولا دخل له بطلابٍ لا يدرسهم.

ازدحمت الشوارع، وتوقفت حركة السير، وتعطلت مصالح أناس، وساءت أحوال مرضى ودام هذا الوضع فترة طويلة، زاد على إثرها خفقان القلب من توقع هول حادث سير فظيع وما ينتج عن وفيات وإصابات، لكنه اتضح فيما بعد أنّها مسيرة شبابية طغت فيها الوطنية وحب الوطن بمناسبة الاحتفال بالعيد الوطني المجيد.

سعيًا إلى غرس الوطنية وحب الوطن في قلوب الأشبال وتعزيز هذه القيم في نفوس الشباب نظم النادي العريق رحلة ترفيهية بمناسبة احتفالات البلاد بالعيد الوطني المجيد، وقد حطّ الشباب والأشبال رحالهم على تلك الشواطئ الرملية النظيفة بالعاصمة الرائعة الجميلة، وبعد رحيلهم وانتهاء رحلتهم الوطنية استغرق عمال النظافة وقتًا طويلًا وبذلوا جهدًا كبيرًا في جمع مخلفات ونفايات الشباب المحتفلين بعيدهم الوطني.

نسق ألوان دشداشته مع غترته بعلم بلاده، وكان شعار الوطن بارزا على قلمٍ وضعه في مقدمة ثوبه، لكنَّ هذا التنسيق قد أخذ منه وقتًا جعله يتأخر عن موعد العمل، ونظرًا لأنه يوم الاحتفال بالعيد الوطني وهو يوم تكثر فيه الأكلات بشتى صنوفها والمشروبات بشتى أنواعها، فقد كان مضطرًا أن يسرع في سيره، ويتجاوز من يمينه، ويمر بسيارته على الرصيف ليتقدم الواقفين أمام الدوار قبله، فهناك وطنٌ ينتظره في مقر عمله ليحتفل به ويعبر عن حبّه وولائه وانتمائه له، وقد كان معذورًا أن يوقف سيارته في المواقف المخصصة للمعوقين إذ لم يجد له موقفًا، ولا مجال أن يتأخر أكثر من هذه التأخير.

"سنجعله رمادًا كل من يخونك يا وطن" هذه العبارة القوية الشجاعة الطافحة بحب الوطن والغيرة عليه والذود عن حماه كتبها صاحبها على حالة التعريف بهاتفه "واتس أب" الذي أخذه رشوة من أحد العمالة الوافدة من أجل تيسير وتسهيل معاملته غير المكتملة في إحدى الوزارات الخدمية.

يتحدث سعادة السفير كل عام عبر الصحف وشتى وسائل الإعلام أثناء احتفالات البلاد بالعيد الوطني المجيد بأنّه وأعضاء السفارة الكرام في خدمة أبناء الوطن ليلًا ونهارًا، وأنهم يشعرون المواطنين المغتربين بالقرب منهم وكأنّهم بين أهلهم وذويهم، ويضيف سعادة السفير أنَّ جهده الكبير غير المحدود من صميم واجبه في خدمة الوطن وأبنائه دينٌ على رقبته. كانت لدى المواطنين المغتربين شواهد كثيرة تثبت أن الأبواب موصدة عند طلب مقابلة سعادته، وأن عبارات "ليس من اختصاصنا.. ليس من مهام عملنا.. أنت تتحمل مسؤوليتك بنفسك" يرددها أغلب موظفي السفارة في كثير من الأحيان في وجه المواطن المغترب.

ارتجل خطيبُ الجامع وإمامه في خطبة الجمعة صادحا بتلك الكلمات المؤثرة التي نادى بها جموع المصلين قائلًا: "الوطنَ الوطنَ عباد الله، تظلكم سماؤه، وتقلكم أرضه، فأخلصوا في حبه، وتفانوا في خدمته، وأتقنوا أعمالكم، وأدوا أمانة وظائفكم ومسؤولياتكم، واجعلوا الله رقيبكم في ذلك، واعلمواـ رحمكم الله- أنَّ حب الوطن من الإيمان"، لقد صدق خطيب الجامع وإمامه في خطبته، وأحسن في وعظه وتوجيهه، لكنه كثيرًا ما يستدرك في صلاته، فيؤم المصلين من ليس أهلا لذلك. وتشهد جماعة الجامع أنّه بالكاد يرفع الأذان في العام مرًة أو مرتين، كونه مزحومًا بأعماله الخاصة.