حاتم الطائي
تُشرق شمسُ الثامن عشر من نُوفمبر خلال أيام، مؤرِّخةً لجهودٍ تكلَّلت بالنماء، ومُنجزٍ يستحقُّ الثناء، بفضل قيادةٍ حكيمةٍ تستحق تجديد العهد والولاء؛ نَثَرت على عُمان -ولا تزال- نسائم مُفردات التنمية التي باتتْ مِثَالا للاحتذاء، تُرافقها احتفالاتٌ ومسيرات فرح وكرنفالات ابتهاج، يعُمُّ صداها أرجاء الوطن، وتدعَم رسائلها صلابة وحدتنا الوطنية، فتعزِّز رصَّ البُنيان؛ وتُزيد الوطنَ مناعةً وقوةً تُحصِّنه من عثرات الدَّمار والخَرَاب التي تُحلِّق في سماء عالمنا اليوم، فتجنِّبنا مُحاولات الاختراق، وتنأى بنا عن اتباع كلِّ ناعقٍ يستهدف وحدتنا أو النَّيْل من استقرارنا؛ لترفل عُمان اليوم في أثوابٍ قشيبة من التقدُّم والازدهار، بإصرار لا يلِيْن وعزيمة لا تنثني، مُهتديةً برُؤى نيِّرة وتوجُّهات سامية لقائدِ مسيرتها، والأب الروحي لها، مولانا حضرة صاحب الجلالة السلطان قابوس بن سعيد المعظم -حفظه الله ورعاه- الذي انتقلَ بها إلى دولة عصريةٍ ذات إرثٍ حضاريٍّ تليد.
فعُمان اليوم تقفُ مفاخرةً بما تحقَّق على مدى يقارب النصف قرن من الزمان، بوجهٍ نَضِر، وعنفوانٍ شبابيٍّ، برخائها وتقدُّمها، بتنميتها وتنمية أبنائها، تروي حكاية أرضٍ وشعبٍ وقيادةٍ، آمنَ الجميعُ فيها بقدراتهم على تخطِّي الصِّعاب، وتجاوز المحن والملمَّات.
فلا تخطئ عينُ مُتابع ما تحقَّق للسلطنة مع مُنجزات، أثمرتْ تطوُّراً عمَّت بشائره كافة القطاعات، حقَّقتها خطط تنموية خمسية كَفَلتْ -ولا تزال- تحقيقَ مبادئ البناء الصحيح؛ لتصبح السلطنة اليوم بمحافظاتها العديدة دولة نموذجية في تقديم العديد من الخدمات سواءً للمواطن والمقيم؛ استنادًا لحرص سامٍ من لدن المقام السامي لمولانا المعظم -أيَّده الله- تترجمه جهود حكومية دؤوبة لتحقيق مزيدٍ من القوَّة للجهاز الإداري للدولة ورفع كفاءته، وبناء أسس متينة للحياة الاجتماعية في البلاد، أعانتها -ولله الحمد- على تهيئة الظروف الملائمة لانطلاقة أكثر قوَّة نحو المستقبل؛ بإيمان راسخ بتحمُّل كامل المسؤولية تجاه تقديم كافة الخدمات الأساسية وتطويرها، واحتضان الكفاءات الوطنية وتنمية مهاراتها، وانتهاج سياسات تهدف لتعزيز المستوى المعيشي للمواطن وترفع كفاءة وإنتاجية القطاعات الاقتصادية والإنتاجية والخدمية الأخرى.
كلُّ ذلك يدعمه نهجٌّ سياسيٌّ داخلي وخارجي مُتوازن، يُؤصِّل لحالة نادرة في عالم أرْهَقته الاختلافات والفتن، والانتماءات الأيديولوجية الضيقة، كطائرٍ يطير بجناحين؛ يرفرف في الداخل بجناح "الشورى" في اتخاذ القرار وإشراك المواطن في صياغة مُفردات مستقبله، وفي الخارج يحمل أغصانَ الزيتون والسلام؛ كحلقة اتصالٍ سياسيٍّ مُستمر مع مختلف الأطراف؛ إذ لم تنجر عُمان يومًا إلى تبني موقف انفعالي تؤيد به طرفًا أو تعادي به آخر، فكانت ضمانة ناجعة لتوجُّهٍ حكيمٍ وعنوانًا دائمًا لصناعة القرار السياسي، يُتيح فرصاً مُتعدِّدة للاختيارات الصائبة المتأنية التي تُتخذ بعد تدقيق ومُراجعات وافية؛ كتأطير لنهج تأسَّس على ثوابت نهضوية ومرتكزات سياسية، تستقي توجهاتها من رؤى حكيمة تضع ضمن أولويَّاتها تعزيز الاستقرار والسلم العالمييْن.
وقد جنَّبت هذه السياسة السلمية الحكيمة، إضافة إلى الخطاب الديني المتزن والمتسامح، الإنسانَ العمانيَّ -وفي مقدِّمته الشباب- من مظاهر التعصُّب والتشدُّد، والانخراط في بؤر العنف وجماعات الإرهاب.. ليبدأ أبناء وطننا الغالي اليوم تجهيزَ العُدَّة، للخروج في مُختلف مُحافظات وولايات السلطنة، مُتجمِّعين في مسيرات ولاء حاشدة، لتجديد العهد والولاء لباني نهضة عُمان، والتأكيد على ثوابت وطنهم، والمحافظة على ما تحقَّق له من مُنجزات.
إلا أنه وفي ظلِّ هذا الفخر بالإنجاز، والفرح العارم بتلك المناسبة الوطنية المجيدة، ليستوجب على الجميع: أفرادًا وجماعات، مُؤسَّسات حكومية وخاصة، بل وكل العاملين في قطاعات الدولة المختلفة، عدم الارتكان إلى ما تحقَّق، أو الاكتفاء به، بل عليهم أن يُترجموا مشاعر الولاء تلك إلى عمل جادٍ وصادقٍ ردُّا للجَمِيْل الذي يطوق الأعناق؛ من منطلق تحمُّل كلٍّ منهم لمسؤوليته في الحفاظ على المنجز الوطني، والعزم على العمل بروح الفريق الواحد؛ حكومة ومواطنين وقطاعًا خاصًّا ومجتمعا مدنيًّا؛ لتذليل العقبات، وتجاوز التحديات التي تواجهنا؛ لنصل بعيدًا بنهضتنا في سباق الأمم الحضاري نحو المجد والرفعة والسؤدد.
فما نواجهه اليوم من تحدِّيات رئيسية وأخرى متفرِّعة عنها، ترتبط وتتشابك ببعضها البعض كنسيج عنكبوتي -رغم اختلاف منطلقاتها وتنوعها ما بين اقتصادي واجتماعي وثقافي- يفرض على الجميع اقتناص الفرصة لرسم خارطة طريق مُحدَّدة لذاته يخدم بها وطنه، وآلية تحقيق ذلك وفق جدول زمني محدَّد المدَّة. لنُجْمِع في عيدنا الوطني هذا العام، على المُضي قدمًا في مسيرة التنمية البشرية وتطوير الموارد والكفاءات، وتعظيم القدرة على التكيُّف -وبشكل أفضل- مع المعطيات المتغيِّرة، بما يُعزِّز مسيرة الوطن نحو آفاق مستقبل أكثر إشراقًا.. دامتْ عُمان وطناً فتيًّا بسواعد أبنائه وجهود حكومته، خلف قيادة حكيمة يُمثلها مولانا حضرة صاحب الجلالة أبقاه الله.. وكلَّ عام وعُمان بكم رايةً خفَّاقة بين الدول.