قضية تبحث عن حل!

سيف بن سالم المعمري

القرار الذي أصدرته وزارة القوى العاملة مطلع الأسبوع الجاري، والذي قضى بتعديل الرسوم المُستحقة على إصدار تراخيص استقدام ومزاولة العمل لغير العُمانيين يُعد خطوة في سبيل تنظيم سوق العمل والقضاء على التَّجارة المُستترة وهروب وتسريح العمالة الوافدة التي باتت قضية تؤرق مضجع الاقتصاد العُماني.

ولن أتطرق لتفاصيل الرسوم الجديدة وما يُمكن أن تُحدثه تلك الرسوم من آثار قد تراها الحكومة إيجابية في بعض الجوانب؛ لكنها ليست كذلك بالنسبة لأطراف الإنتاج وخاصة في المؤسسات الصغيرة والمُتناهية الصغر؛ صحيح إنّ ظاهرة تسريح العمالة الوافدة تكثر في المؤسسات الصغيرة والمُتناهية الصغر؛ إلا أنّ ذلك لا يعني أنّ مثل هذه القرارات ستحل قضية هروب وتسريح العمالة الوافدة.

ورغم أنّ هروب العمالة الوافدة وتسريحهم ليست قضية عابرة على الوزارة، بل هي من المنغصات اليومية التي تنتاب أرباب العمل على أروقة الوزارة ومُديرياتها وإداراتها ودوائرها في المُحافظات، وما حيلة الوزارة سوى حماية أرباب العمل بعدد من الإجراءات الروتينية يأتي في مُقدمتها قيام رب العمل بالإعلان عن هروب العامل بإحدى الصحف المحلية على أن يتضمن الإعلان البيانات الشخصية للعامل الهارب وصورته الشخصية وتاريخ الهروب واسم الكفيل أو المؤسسة، ثم الاحتفاظ بنسخة من الصحيفة التي نزل الإعلان فيها لينتظر أسبوعين إما لعودة العامل أو إخلاء مسؤوليته منه، ولم أسمع عن صاحب عمل استرجع عامله بعد اتِّباعه لتلك الإجراءات، لتضع تلك القضية سؤالاً محيراً: هل تبتلع الأرض جميع تلك العمالة الهاربة؟! مع تقديرنا لما يقوم به فريق التفتيش المُشترك بالوزارة وبالتعاون مع شرطة عُمان السلطانية بضبط وترحيل مجموعة كبيرة من العمالة الهاربة والمسرحة، لكن تلك الجهود بلا شك عبء كبير جدًا ليس على الوزارة فحسب بل على الحكومة أيضًا، وهناك خطوات لو أتبعتها الحكومة لخففت عليها عبء تلك المسؤولية.

ولأنَّ قضية هروب العمالة الوافدة وتسريحهم لا تقتصر على مهنة معينة في سوق العمل العُماني، بل في مستوى معين من السجلات التجارية وهي في أغلبها في الدرجة الرابعة، وكذلك المُستخدمين في المنازل والمزارعين وفي مُعظمهم عمال غير مهرة وفي مستويات دراسية دنيا، والبعض الآخر منهم أمي، مما يعني أنه تمّ التغرير بالعامل قبل القدوم إلى السلطنة ورسم صورة ذهنية مُعينة لمستوى دخل مرتفع ونحو ذلك، والسؤال الذي يطرح نفسه: من الشخص الذي يُمكن أن يقوم بذلك الدور؟ وما الفائدة التي ستعود عليه (هو)، وللعامل الذي سيكون (هو) سببا في قدومه للسلطنة.

وهل في كل الأحوال هروب العمالة الوافدة وتسريحهم بدون علم صاحب العمل؟ وما فائدته في تسريح العامل؟ ولماذا تجد في عدد من ولايات السلطنة الباعة المتجولين من العمالة الوافدة وخاصة في ولاية البريمي؟ هل تمّ استقدامهم للسلطنة كباعة متجولين؟ لماذا لا يتم تصحيح أوضاعهم ونقل كفالاتهم لمن لديه الرغبة في عمالة وافدة وخاصة في المهن التي لا تتطلب مهارات عُليا؟ وبالنسبة لعاملات المنازل ما هي أسباب تفاقم ظاهرة الهروب في السلطنة؟ وفي جميع تلك الحالات السابقة من المُستفيد؟ ومن المُتضرر؟ وقضية الهروب تزداد عند العمالة الجدد الذين لم يمكثوا بالعمل في السلطنة لأكثر من عام وربما أشهر، مما يعني أن هناك مسبباً قوياً لقضية هروبهم وليست حدثاً عابرًا، لكون قدوم العامل إلى السلطنة بهدف توفر مهنة تضمن له معيشة ملائمة بعد مغادرته لبلده.

وتلك الأسئلة طرحتها عدة مرات على عدد من العمالة الوافدة في السلطنة لأستوضح منهم أسباب الهروب وتلخصت إجاباتهم في نقاط مُحددة والمتمثلة في أنّ العامل قبل قدومه إلى السلطنة يصور له مستوى دخل عالٍ في مقابل عمل قليل، وهذا الدور يقوم به عامل وافد آخر في السلطنة، وهو يقوم بإغراء زميله في بلده أنه سيوفر له تأشيرة عمل(المأذونية) في السلطنة مُقابل مبلغ معين، وإنه بقدومه للسلطنة وبعد استلامه للعمل يستطيع سداد ما عليه لزميله(الذي كان سببًا في قدومه للسلطنة) على أقساط وهو مبلغ يتراوح ما بين (500-1000 ريال عُماني) وأحيانًا يصل إلى 1500 ريال عُماني، وفي أحيان أخرى صاحب العمل العُماني يقوم بهذا الدور، وبالتالي يصعب على العامل الجديد بعد القدوم إلى السلطنة أن يستوعب الواقع بسداد التزاماته وبالتالي يرى الهروب الطريق الآمن بالنسبة له، وهذا ينطبق على عاملات المنازل أيضًا.

وعلى وزارة القوى العاملة القيام بدراسة مستفيضة لقضية الهروب والتسريح والحزم مع المخالفين، وعدم استثناء أحد منهم من العقوبة، وقبل ذلك عليها اتخاذ خطوات تنظيمية من خلال اقتصار استقدام العمالة عن طريق مكاتب استقدام العمالة الوافدة، على أن تتحمل تلك المكاتب مسؤولية توعية العمالة وتعريفهم بالقوانين والأنظمة المُتبعة في السلطنة فيما يخص العمل واندماجهم في الحياة العامة في المجتمع، كذلك توقيع المكاتب لعقود العمل بحيث يضمن حقوق كل من المكتب وصاحب العمل والعامل، ومن يخل ببنود العقد يتحمل تبعاته القانونية والمالية على أن تكون تلك العقود متناغمة مع القوانين المعمول فيها من جميع الجهات وبالتعاون مع سفارات الدول الصديقة والشقيقة في السلطنة، بحيث تقوم تلك السفارات بمتابعة حقوق وواجبات رعاياها وفق منهجية عمل مشتركة تضمن العدالة للجميع.

فبوركت الأيادي المخلصة التي تبني عُمان بصمت ،،،

[email protected]