عيسى الرواحي
تطالعنا وسائل التواصل الاجتماعي بين الفترة والأخرى ما يحدث داخل أسوار المدارس بين الطلبة من مساوئ أخلاقية يندى لها الجبين سواء في المدارس الحكومية أم الخاصة، ومن بينها ما يعرف بـ"التحرش الجنسي".
وفي حقيقة الأمر فإنَّ وسائل التواصل لم تقم إلا بدور كشف المستور لا أكثر، فمثل تلك القضايا غير الأخلاقية كانت ولا تزال تحدث داخل أسوار المدارس وخارجها منذ أمدٍ بعيد، بيد أنَّها تتجه نحو المزيد في ظل الطفرة الهائلة لوسائل التواصل الاجتماعي، وتزعزع كثيرا من القيم والأخلاق، وانفتاح الأبناء بشكل غير مسبوق على العالم الافتراضي بما يحمله من مساوئ ومحامد.
ولا يزال الحدث قريبًا عندما تكدّر الرأي العام، وأصاب الكثير بحال من الاستياء الكبير ما تناقلته وسائل التواصل الاجتماعي في أول يوم دراسي من تعرض أحد طلبة المدارس للإيذاء الجسدي فيما يعرف بـ"التحرش الجنسي"، وقد كان هول الصدمة وشدة الاستياء البالغ في سرعة انتشار ذلك المقطع وتوقيته الذي تزامن مع فرحة العودة إلى المدارس؛ مما حدا بالكاتب إبراهيم الهادي في مقال بعنوان "نداء عاجل إلى وزارة التربية" أن يتساءل عن سر النشر في هذا التوقيت بالذات وكأن هناك يدًا خفية تحاول إبراز الجانب المظلم، ولا تنظر لعواقب الأمور على حد تعبيره.
وقد تناولت عدة مقالات هذه القضية الخطيرة التي تحدث في المدارس منها المقال الآنف الذكر المنشور بجريدة الرؤية العمانية بتأريخ 30 أغسطس 2016، ودعا الكاتب في مقالته إلى أهمية أن تتخذ وزارة التربية والتعليم الإجراءات المشددة لحماية أمن الطلبة، ومعاقبة كل من تسوّل له نفسه بانتهاك الأخلاق والأعراف.
ومقال آخر بعنوان "تغليظ العقوبة رادعا" نُشر بجريدة الرؤية 1 سبتمبر 2016 للكاتبة مدرين المكتومية دعت فيه إلى تغليظ العقوبات القانونية على المذنبين الذين يقومون بأعمال مشينة كـ"التحرش" داعية إلى أهمية تكاتف الجهود بين مؤسسات المجتمع المدني والجهات المعنيّة للحد من هذه الظواهر الخطيرة قبل أن تصل الأمور إلى أسوأ من ذلك. وثمة مقالات أخرى تناولت هذه القضية، وبحثت أهمية أن يكون للمدرسة دور رائد في الحد منها.
وإذا قصرنا الحديث عن هذا الجرم الكبير فيما يخص طلبة المدارس فقط دون الخوض إلى الفئات الأخرى التي تتعرض لهذا السلوك المنحرف، وبحثنا طرق تحصينهم ووقايتهم منه، واتفقنا جميعا على أهمية تغليظ العقوبة على المذنبين، واتفقنا كذلك على أهمية أن يكون للمدرسة دور رائد في الحد من هذه الظاهرة؛ فإنَّ علينا قبل ذلك أن نبحث في طرق الوقاية قبل طرق العلاج، وأن نحاسب المتسببين في مثل هذه الأفعال المشينة قبل معاقبة المذنبين.
فإذا جئنا إلى دور المدرسة وواجباتها المنوطة بها في هذا الشأن فإنها تتحمل مسؤولية ما يحدث بين الطلاب من مساوئ الأخلاق والسلوكات المشينة داخل الفصول الدراسية وفترة الفسحة وأثناء ركوب الحافلات المدرسية، فمثل هذه الاعتداءات لا تحدث بين الطلبة في أغلب الأحيان إلا عند تغييب دور المناوبة المدرسية؛ سواء أثناء الفسحة أو بين الحصص الدراسية أو عند انتظار الطلاب الحافلة المدرسية، وعدم الاهتمام بحضور حصص الاحتياط، والتأخر في حضور الحصص الدراسية، وعدم متابعة الطلاب أثناء حصص الرياضة؛ إذ يترك الطلاب في كثير من الأحيان دون متابعة.
كما تتحمل المدرسة المسؤولية في حال تهاونت عن معرفتها لهذه الاعتداءات التي لا يمكن التغاضي عنها وأبرزها ما يعرف بـ" التحرّش الجنسي" خاصة وأنّ قوانين لائحة شؤون الطلبة في هذا الباب صارمة، فليست القضية في سن القوانين واللوائح وإنّما في تطبيقها وتفعيلها على أرض الواقع.
وهنا يبرز الدور الأكبر للاختصاصي الاجتماعي الذي يجب أن يعمل بجميع أسباب وقاية الطلاب من مثل هذه الاعتداءات قبل وصول الأمور إلى منعطفات غير محمودة، علمًا بأنَّ دور الاختصاصي الاجتماعي في هذا الشأن قد يقصر على النصائح والتوجيهات والإرشادات، وتقصي الحقائق في حال وقوع مثل هذه الاعتداءات، أمّا ضبط الطلاب داخل مواقع المدرسة المختلفة فهي من مسؤولية إدارة المدرسة ومعلميها بالدرجة الأولى.
إننا نتفق جميعا بأنَّ على المدرسة مسؤولية كبيرة في حفظ الطلبة من هذه الانحرافات السلوكية داخل أسوارها، لكنني لا أتفق مع بعض المقالات المنشورة المتعلقة بهذه القضية في تحميل المدرسة المسؤولية كاملة فيما يتعرض له بعض الطلبة لمثل هذه الاعتداءات، فعلى الأسرة مسؤولية كبيرة وتتحمل وزرًا كبيرًا في هذا الشأن.
فعندما نستاء كثيرًا عن تصوير ونشر مثل تلك المشاهد وآخرها ما تم تصويره في إحدى المدارس الخاصة، وأنّ الطالب الذي قام بالتصوير هو شريك في الإثم، فعلينا أن نتساءل: من الذي أعطى الطالب هاتفا نقالا في هذا السن؟ أليست الأسرة مسؤولة عن هذا الأمر؟! أليست هي من سمحت لأبنائها باقتناء هواتف نقالة بكل ما تحمله من أضرار وآثار وانتهاك لأعراض الآخرين بتصويرهم وتبادل صورهم؟! أليست الأسرة مسؤولة عن اقتناء أبنائها هواتف نقالة بما تحمله تلك الهواتف من مقاطع وصور في قمة الانحطاط الخلقي؟! فلماذا نلقي باللائمة على المدرسة فقط في انتشار مثل تلك المقاطع الهابطة التي تحدث بين الطلاب أنفسهم؟!
وأين الآباء وأولياء الأمور عن أبنائهم طلبة المدارس إلى أوقات متأخرة من الليل خارج البيوت بهواتفهم ودراجاتهم النارية وغيرها من الملهيات التي تحطم سلوكاتهم وأخلاقهم ومستوياتهم الدراسية؟!
إنَّ الأسرة التي تطلق العنان لأبنائها في ولوج العالم الإلكتروني منذ صغرهم دون ضوابط ولا قيود، وتفتح لهم باب الحرية دون حد ولا حدود في سهراتهم ورحلاتهم واختيار رفاقهم إنما تسهم بذلك في دمارهم وفساد أخلاقهم وتحطيم مستقبلهم، وعليها أن تتحمل عواقب تلك الأمور وما تجره من ويلات وخراب، وهذا في حقيقة الأمر واقع كثير من أبنائنا طلبة المدارس وهو ما أشرت إليه في كتاب " الوتر الحساس" ص48 تحت عنوان "الإخلال بالآداب بين غزو المغرضين وتهاون المربين".
إننا نأمل أن تقوم الأسرة بدورها على أكمل وجه في تربية ومتابعة أبنائها داخل المنزل وخارجه، كما نأمل أن تقوم المدرسة من إداريين ومعلمين كذلك بواجباتها المنوطة بها في حفظ أمن الطلبة ورعايتهم وتوعيتهم، وعلى الأسرة والمدرسة عدم التهاون أو التساهل مع كل ما يتعرض له الأبناء وما يقترفونه من سلوكات مخلة بالعِرض والشرف.. والله المستعان.