شمسة المسافر.. إنسان هذا الزمان

 

فايزة الكلبانية

شاءت الأقدار أن أرافق صديقتي يوما إلى مقعدها الدراسي بكلية الشرق الأوسط قسم الوثائق والمحفوظات، ولا أدري لماذا رسمت انطباعًا داخليا برتابة المحاضرة قبل بدئها، حيث إنّي غير مطلعة على هذا التخصص الذي أسرني لاحقا، والسبب عائد إلى الدكتورة/ شمسة المسافر، والتي سلبت بما تملكه من قدرات وإمكانات أكاديمية، وحصيلة معرفية واسعة، وإلمام منقطع النظير بمجال تخصصها، عندها شعرت باعتزاز أكبر بالمرأة العمانية وما تحققه من إنجازات في مختلف المجالات الأكاديمية والعلمية والعملية، حتى أنني غبطت تلاميذها الذين ينهلون منها فنون المعرفة وحسن الخلق وجميل الحوار والتطلع لمستقبل مشرق لهذا الوطن العظيم.

ما لفتني في هذه الأكاديمية الرائعة هو ما تحمله من حب وغيرة لوطنها، وما تحدث نفسها والآخرين به في ضرورة البناء المتين للإنسان العلمي، وفق تمكين سام لتخصصه وبراعته فيه، وقدرته على الإسهام بفاعلية وقوة في النهوض بمجاله التخصصي والعمل ليل نهار من أجل تطوير وتحديث كل ما له علاقة بمجاله العلمي والعملي بما يخدم الوطن وأهله والإنسانية.

 ما يدهشك أكثر في هذه المرأة أنها رغم خبرة السنين العملية الطويلة، وما تحمله من رصيد عمري مليء بالإنتاج والتجربة، غير أنها لا تنفك عن سبر أغوار العالم الافتراضي بقوة، وتجعله حاضرا في أروقة التعليم، وتوصي به لكي يصبح شريكا فاعلا في الإطلاع والعمل ومواكبة مسارات الحياة كلها.

في مدة المحاضرة القصيرة جدا، وأنا مجرد ضيفة عابرة، شعرت بلذة التخصص، وخرجت بفوائد جمة في هذا المجال، بل تعداه إلى أنني وجدت ضالتي وما أبحث عنه معها، حيث عرفتنا جميعا على المكتبة الرقمية العالمية، وهي مكتبة عملاقة جدا عبر الانترنت، توفر عددا هائلا من الوثائق العالمية، ما عليك سوى أن تختار "البلد" حتى تأتيك المكتبة بخيرها وصيدها الثمين، وكم هي المخطوطات والوثائق والكتب العمانية الأصلية -التي حلمت باقتنائها- وجدتها داخل هذه المكتبة، يكفي أن أقول أنني تعرفت على 101 كتاب نادر في النتاج العماني الإبداعي والعلمي والتاريخي، وتمكنت من خلاله من الحصول على المخطوطات الأصلية لعدد من الكتب القديمة.

ليس هذا فحسب، بل حتى أنها أرشدتنا إلى كيفية ترجمة المواقع بأكملها بيسر وسهولة، فأضحيت أقرأ الصحف العالمية المشهورة بنقرة زر، مترجمة كليا إلى اللغة العربية، ثم تابعت مشوارها المعرفي الرائد في تنويرنا في كيفية الاستفادة من مختلف التطبيقات العالمية الذكية، وغيرها الكثير. بالنسبة لي كانت تلك جلسة استثنائية، عادت على بالخير الكبير، ما جعلني أتعرف عليها أكثر، وأطلب ودها، فلمثلها تُضرب أكباد الإبل للعب من معينها الذي لا ينضب، وما أدهشني أنها تعيش قضيتها، فمتى ما أتيتها وجدتها تخطط وتجتهد في طرق كل فكرة جديدة من شأنها أن تفيد طلاب الوثائق والمحفوظات في السلطنة، وتحلم بواقع أجمل وأفضل لإدارة الوثائق في مختلف المؤسسات المهمة بالبلد.

رحابة صدرها، وحنوها على تلاميذها، ومساعدتها لكل محتاج، ودعمها اللامحدود لكل طلاب العلم، جعلها تحتل منزلة جميلة في وجداني، أقول هذا وأنا لست إحدى طالباتها، فما بالكم بمن تتلمذ على يديها؛ إنك لتجد سيرتها العطرة، والامتنان الكبير لكل من تعلم على يديها، حتى أنني أجزم لو أقيم استفتاء لجميع الطلبة الذين درستهم على مر السنين حول الشخصية الأبرز والأجمل والأعظم تأثيرا في مسيرتهم العلمية، بلا منازع لاختاروها دون تردد أو تلكؤ.

من المثير أن أشير إلى أنّها أول عماني يحصل على شهادة الدكتوراة في مجال الوثائق والمحفوظات، حيث لم يسبقها إلى ذلك أحد، وذاك قبل سنين طويلة، ولديها الكثير من البحوث والأعمال العلمية الرائعة، وإذا ما افتخر الناس بالمرأة العمانية التي بلغت شهرتها في المال والأعمال والإعلام وريادة المشاريع، فإنني أفتخر بهذه القامة العلمية كثيرا، وأفكرر جديا في خوض تجربة الدراسة الأكاديمية من جديد، فالطموح لا يتوقف، ولن أكتف ببكالوريوس الإعلام الدولي لوحده، وقد أفعلها مرة أخرى مع هذا التخصص الذي يبدو أنّه لم يأخذ نصيبه من الظهور الإعلامي والاهتمام المجتمعي، وهو لا يقل أهمية عن أي تخصص علمي آخر كالطب والهندسة، إن لم يكن أهمها.

 

همسة أبعثها لــ "شمسة المسافر"..

قد تتأخر أرزاقنا التي نستحقها فعلا لسبب أو لآخر..

وقد تغيب الأنظار عن عطائنا اللامحدود... أيضا لسبب أو لآخر..

ولكن تأكدي بأنّك خير معلم ورسول لصناع أجيال المستقبل..

وهنا تظل بصماتك حاضرة بصرح علمي تتملذ بين أروقته أبناء عمان المميزون...

دمتي في تألق وعطاء لا ينضب سيدتي الفاضلة...

فأنت الأنثى العمانية التي أبت أن تغيب شمسها..

 

 

faiza@alroya.info