تحرك حتى أراك

 

 

 مدرين المكتومية

"تحدَّث حتى أراك".. عبارة شهيرة تُشير إلى أنَّ الحديث أداةُ لتقييم الشخصية التي تتحدث إليك تقييماً حقيقياً، وعلى ضوء كلامه يمكن أن تُحدِّد مدى ثقافته ومعرفته إلى جانب التزامه وأشياء أخرى قد تستشفها من حديثه.. ولكن يبدو أنَّ الأمر لم يتوقف عند هذا الحد أي حد الكلام بل تخطاه إلى الحركات والسكنات وغيرها.

 وأكثر ما يُثير الدهشة أنَّ لحركاتنا معاني نجهلها ويُدركها البعض، وفي كل حركة أو سكون مدلولات لشخصية وما تحمله من إيجابيات وسلبيات.. والأمر يذهب لأبعد من ذلك عندما تفسر بعض الحركات مقرونة بنفسيات من يقومون بها، فقد أشار علماء النفس إلى أنّ الشخص الذي يجلس بوضعية يدين وراء الرأس ورجلين مشبوكتين دلالة على ثقة بالنفس وفوقية وتعال على الآخر، كما أن جميع الحركات التي نقوم بها مع تطور العلم أصبحت مكشوفة للآخرين من المُختصين والمطلعين على مثل هذه العلوم التي ينفذون من خلالها لمعرفة أصدقائهم ومعارفهم.

وفي دراسة قام بها أحد علماء النفس اكتشف أنّ 7% فقط من الاتصال يكون بالكلمات و38% بنبرة الصوت و55% بلغة الجسد، ولو اختلفت الكلمات ولغة الجسد فإنَّ الفرد يميل إلى تصديق لغة الجسد على الرغم من استخدام لغة الجسد على مدى التاريخ الإنساني إلا أنّ مظاهر الاتصال غير الشفهي لم تدرس عمليًا على أيّ مقياس إلا في الستينيات من القرن الماضي.

وربما مما كان يُعاب على العرب بصورة عامة أنّهم يبالغون في استخدام أيديهم خلال الكلام، لكن من الواضح أنّ ما كان يُنظر إليه كإحدى السلبيات ليس كذلك بل إنّه علامة من علامات الوضوح والاتِّساق مع الذات، فما أصعب التحاور مع أناس كألواح الثلج لا تكشف تعابير وجوههم ولا أجسادهم عما يعتمر في دواخلهم، وكأنّهم المنافقون الذين يبطنون مالا يظهرون، ويبقى أنَّ بعض المواقع تعد من الحساسية بمكان حتى أنّ أحد شروط شغلها هو التحكم بالانفعالات وهؤلاء كان الله بعونهم لما يبذلونه من جهد للابتسام في وجه الأعداء وعدم إظهار الامتعاض حتى وإن شعروا به.

والأمر لم يقف هنا بل هنالك دراسة أجريت في المجتمع الامريكي تشير إلى تفشي الاكتئاب بصورة كبيرة وسط كل الأعمار، وأن المعالجين لمثل هذه الحالات لم يجدوا وصفة طبية أنجع لمعالجة داء الاكتئاب مثل الرقص، وهذا قد يراه البعض مدعاة للسخرية بحسب عاداتنا وتقاليدنا التي تنظر لمثل هذا الفعل كحالة من الجنون. دعونا نصرح بأنّ الاكتئاب النفسي أصبح متفشياً بصورة كبيرة في كل المجتمعات.. فلم لا نُقدِّم بعض التنازلات لمعالجة أنفسنا من كل حالات الاكتئاب قبل أن يستفحل ويصبح ظاهرة خطيرة يستعصي علاجها. خاصة وأنَّ العلاج غير مكلف مادياً، فقط يكمن في الرقص الذي يعد أيضًا لغة من لغات الجسد المصنفة ضمن اللغة الحركية، فلا بأس أن يكون علاجًا للنفوس. 

 

madreen@alroya.info