الخليجيون وصناعة الحلفاء

 

 

سلطان الخروصي

هل نحن أمام إعادة هيكلة المنظومة الجيوسياسية الخليجية تجاه متغيرات الملف اليمني؟ وهل يستمر استعراض إيران لكسب الحلفاء مقابل نسف التحالفات الخليجية؟ وما الصوت الرخيم الذي يود أن يسمعه بوق النظام المصري لحلفاء التاريخ من خلال تحريك البوصلة لأحضان الروس والإيرانيين؟ ثم ما هي تداعيات الحراك العسكري في الموصل على المشهد اليمني والساحة الخليجية في ظل الغليان الطائفي المشحون؟

إنَّ المتتبِّع لمؤشر البوصلة العسكرية والنتائج المتلاحقة على الساحة اليمنية، يلحظ أنها تتجه عكس ما اشتهته دول الحلفاء التي تدكّ أروقة اليمن صبح مساء في سبيل إعادة مؤسسات الدولة المدنية! بل إنّ تداعيات هذه الحرب أضحت تلقي بثقلها على الواقع الاجتماعي والمعيشي والسياسي تجاه دول الخليج -لو استثنينا من ذلك عمان- فاجتماعيًّا وبالأخص بعد حادثة "آل الرويشان" ارتفعتْ الأصوات الشعبية في الداخل اليمني وعلى تخوم دول الخليج كالسعودية والكويت والإمارات وقطر وهي تستنكر الحادثة، وتتساءل عن الجدول الزمني لهذه الحرب، وعن كلفتها الإنسانية والحضارية والاجتماعية الحقيقية، ودرجة مصداقية توصيف الأهداف التي حدّدت بأنها ستتحقق خلال أشهر معدودة وهي الآن على مشارف السنة الثالثة دون بارقة أمل في تحقيق مرتجاها أو أن تهدأ أصوات المدافع والطائرات.

من جانب آخر، يبدو أنَّ فاتورة هذه الحرب بدأت تثخن نزيف الجرح الاقتصادي الخليجي وعلى رأسها المملكة العربية السعودية أمام انهيار سوق النفط أساسا؛ فرأينا سعياً حثيثاً من قبل "أوبك" لتثبيت أسعار النفط والحدّ من العرض في الطلب؛ بهدف رفع القيمة السوقية للذهب الأسود بعدما كان نفس الأعضاء يكابرون عن ذلك بقصد تركيع الاقتصاد الروسي والإيراني اللذين استطاعا أن يمحورا هذه اللعبة إلى كسب الحلفاء جيوسياسيا وسحب البساط من تحت أقدام السادة الخليجيين ويقولا لهم بملأ فيهما "كشّ ملك"، كما أن تلك الفاتورة تجلّت في انتهاج سياسة التقشف لأغلب دول المجلس التي لم تكن تتوقع أن تقف على رصيف "من مال الله يا مواطنين"!

يبدو أن المشهد بدأ يفصح عن عدم نجاح هذه الحملة، وأن المسرح اليمني أصبح بحاجة ماسّة لحلٍّ سياسي عادل وشفّاف وجريء أكثر مما مضى، بل إن الأمر يتطلب تنازلات من القيادات الخليجية للتفاوض والتحالف مع أهم عنصر عسكري فاعل في الميدان ونعني بذلك الرئيس السابق "علي عبدالله صالح"؛ فالرجل محنّك سياسيا وعسكريا؛ ولا  أدلّ على ذلك قدرته  في توحيد قطبي اليمن في 1994م، كما أنه يمتلك رصيداً  تكتيكيا أهّله لإدارة الحرب الحالية وهندستها وكسب رهانات الأعداء والأصدقاء بامتلاكه أقطابا عسكرية قيادية رفيعة المقام خاضت معارك ضارية على فترات طويلة.

ومن جانب آخر، يُمكن إطفاء الغضب الشعبي باليمن بصوت التنمية والتطوير في مجالات العمل والتعليم والبنية التحتية والمصالحة الوطنية وعدم وضع الإملاءات الخارجية والمصالح الدونيّة عن الوطنية، فإيران كسبت ولاء المقاتلين ضد دول الحلفاء من خلال الدعم اللوجستي والتنموي والفكري أكثر من المغامرات العسكرية المباشرة، وها نحن اليوم ندخل دول الخليج في مستنقع المسائلات الدولية بانتهاك حقوق الإنسان وما يتبع ذلك من تجاوزات ستثقل كاهل المنطقة لسنواتٍ عجافٍ طويلة، وربما هنا نستطيع أن نفسّر دلالة وماهية مقابلة معالي يوسف بن علوي حين أشار إلى أن الولوج في رحم اليمن قد جانبه الصواب.

وفي المشهد المصري والذي يبدو أنه أكثر اضطرابا؛ لما تشهده البلاد من تدهور في التعليم والتنمية والاقتصاد والسياسة، وكل ذلك في ظل انشغال الخليجين بالجبهة اليمنية. وعلى الرغم من الدعم السعوي السخي لمصر، إلا أن الأخيرة تسعى إلى تقوية علاقاتها مع روسيا والتطبيع مع إيران، وهما خصمان سياسيان مع بعض دول الخليج؟ وبناء على ما سبق فإن حزمة تساؤلات ينبغي طرحها حول طبيعة العلاقات المصرية-الخليجية.

من زاوية أخرى، وعلى مرمى حجرٍ، وفي الزاوية الشمالية الغربية من الخليج؛ حيث الغبار لا يزال يغطي سحاب العراق المستباح، ولا تزال رائحة الدم واحتراق الجثث في الموصل تفوح بعد عمليات القتل في الفلوجة، يبدو من بعض تصريحات المسؤولين النافذين في المشهد السياسي والعسكري العراقي أنها تحمل بين ثناياها مقاصد وجلة، فعلى سبيل المثال ما تفوَّه به المالكي رئيس الوزراء العراقي السابق بأن دحر الدواعش في الموصل لن يقف على هذا الحد بل سيصل إلى قطع كل يدٍ تدعمهم ولو ببسط فراشهم الوثير، وتصدير ذلك "التطهير" إلى اليمن، فهناك من المراقبين من يقرأ التوغل الداعشي في بعض المناطق وانسحابه لاحقا تحت ضربات واقتحامات الجيش العراقي وحلفائه من الأمريكان ما هو إلا ورقة محروقة تستهلك لتحقيق مصالح ومكاسب سياسية واقتصادية. وهنا نتساءل عن ماهية "داعش" وضبابية صناعتها، والأهداف التي تسعى لتحقيقها أسّوة بتنظيم القاعدة وطالبان سابقا حيث حققت أمريكا منهما مكاسب ثقيلة بالمنطقة تحت شمّاعة تحقيق العدالة للشعوب، وخلق البيئة الديمقراطية، واستئصال براثن الإرهاب الديني تارة والعالمي تارة أخرى.

نحن بحاجة إلى ترتيب بيتنا الخليجي سياسيا واقتصاديا واجتماعيا وثقافيا، بحاجة إلى أن نبني كيانات وتحالفات متينة قوامها تحقيق المصلحة الوطنية والنأيّ عن المهاترات السياسية والتدخلات العسكرية غير المحسوبة والتي تخلق غضباً شعبياً واجتماعياً قد ينفجر في أي وقت، نحن بحاجة لأن نسمع لبعضنا البعض بعيداً عن استعراض العضلات أو القذف بتهم الولاءات والانتماءات الخارجية؛ فدول الخليج لا تقوى على استنزاف كوادرها المالية والبشرية والتنموية والحضارية أمام موجات الفكر السقيم أو التطرف المذهبي والديني والعرقي أو الحقد السياسي المدفون.

 

sultankamis@gmail.com