مدرين المكتوميَّة
تحتفي السلطنة اليوم -وفي الـ26 أكتوبر من كل عام- بيوم الشباب العماني، والذي جاء بمباركة سامية من لدن حضرة صاحب الجلالة السلطان قابوس بن سعيد المعظم -حفظه الله ورعاه- تأكيداً للاهتمام الذي يوليه جلالته لهذه الفئة من المجتمع العماني؛ باعتبار أنَّ الشباب هم رأس الرمح والعجلة الأولى في مسيرة التنمية، والأمل المرتجى في حمل لواء التطوير، وصنع مستقبل الوطن.
ولعلَّ الإحصائيات التي نشرها المركز الوطني للإحصاء والمعلومات، والتي أشار فيها إلى أنَّ عدد الشباب العماني في الفئة العمرية من 15-29 عاما بلغ منتصف العام الجاري 705 آلاف و753 نسمة وشكلوا 30% تقريبًا من إجمالي العمانيين، أي بواقع 3 من كل 10 بالسلطنة، وأنَّ نسبة النوع بين الشباب العمانيين في هذه الفئة العمرية 103 ذكور لكل 100 أنثى؛ أي أنَّ 50.8% من الشباب هم من الذكور مقابل 49.2% من الإناث، تشي بأنَّ مستقبل الوطن بخير، وأنّ فتية اليوم لابد أن يشكلوا حجر الزاوية في الإستراتيجيات والخطط التنموية بمختلف مشاربها الاقتصادية والسياسية والاجتماعية والثقافية.
ولستُ مُلامة في أن أكتب عن فئة عمرية أعد نفسي واحدة منهم، وسأقول بكل حياديّة وبلا تحيز كدبلوماسيتنا العمانية الراقية، أنَّ شباب السلطنة في ظل عهد جلالته -ولله الحمد- استطاعوا تحقيق كثير من الإنجازات والنجاحات على المستويين الداخلي والخارجي، ولا يخفي على ذي بصيرة أن أبناءنا أثبتوا قدرتهم على شغل مختلف الوظائف سواء كانت حكومية أو خاصة.
وأقل دليل على ذلك ارتفاع مستوى التعليم ونسبة أبنائنا الشباب في مختلف الجامعات والكليات والمعاهد العليا، ليس هذا فحسب فالمطلع على إنجازات الشباب سيجد أنّ الجامعات العمانية والبعثات الخارجية تستقبل كثيرا من الطلاب الراغبين في استكمال دراساتهم العليا، وهذ أمر مهم جدا، ويعني أن مستقبل الوطن سيكون مبنيا على العلمية والمعرفة الرصينة. كما حقق الشباب نجاحات عدة حين زاوجوا بين الدراسة والتطبيق العملي بإنشاء الشركات الطلابية التي عرضت منتوجاتها في مختلف المحافل والمنصات المعنية. أما جانب الابتكارات العلمية، فالحديث فيه ذو شجون؛ فالمتابع لقنوات التلفزة والبرامج المخصصة للعلوم والابتكارات يجد إنجازاتهم ماثلة للعيان، وفي برامج ضخمة على المستوى الدولي؛ ومنها برنامج "توب شيف" وبرنامج "نجوم العلوم"...وغيرها من البرامج الأخرى. ومما يزيد فخرا أيضا برنامج "أوتوغراف" الذي عرض على الشاشة العمانية في رمضان الماضي، والذي يعد واحدًا من البرامج الوطنية الاجتماعية التي ناقشت الكثير من إنجازات العمانيين في الخارج، وقد شكل في طيّاته مفاجأة لتواجد الشاب العماني في العديد من الدول، والتي يشغلون فيها مراكز إدارية وقيادية متميزة.
هذا.. ومع التقدُّم التكنولوجي والانفجار المعرفي الذي يعيشه الجيل الحالي، أصبحت هناك الكثير من المجموعات "الواتسابية" و"الإنستجرامية" و"السنابية" التي تقوم بأعمال خدمة المجتمع، والتي تقود دفتها مجموعة من الشباب الذين يمتلكون عزيمة وإصرار على مناقشة قضاياهم بكل شفافية والتعاطي مع كل المسائل التي تهم الدولة والمجتمع.
وفي مثل هذا اليوم، لا ننسى أن نشكر اللجنة الوطنية للشباب، والتي أضحت بمثابة جسر عبور تنتقل خلالها الأفكار والمعارف الشبابية للجهات المعنية، حتى توضع على مجهر التدارس ومن ثم التطبيق على أرض الواقع.
ولكن على الرغم من كل تلك الإنجازات، إلا أننا وحتى الآن ما زلنا نعاني قليلا من التحديات التي نامل أن تجد الحلول مع الوقت، وأن تكون محط أنظار واهتمام المسؤولين خلال الفترة القادمة. وبكل صراحة أقول إنَّ أبرز هذه التحديات تتمثل في نظرة الأجيال السابقة بعين التوجّس لإمكانات الشباب ومدى قدرتهم على شغل مناصب قيادية عليا، وافتقادهم للثقة التي تجعلهم متمسكين بطموحاتهم وتطلعاتهم، وأقول إنَّ الشباب قادر على خوض هذا التحدي وتغيير هذه النظرة السالبة، إن امتلك سلاح المعرفة المواكبة، وإن استطاع تخطى حاجز التحدي الآخر المتمثل في قلة الفرص التدريبية وبرامج التأهيل التي تؤهلهم لتسنّم الوظائف مستقبلا.
أخيرا.. أوجِّه نصحي لإخواني الشباب ألا تتحطم أحلامهم وطموحاتهم عند أول صخرة وهي الفشل في "مقابلة وظيفية"، وعليه قبلها أن يتعرَّف على الأسس والمهارات والإمكانيات التي يجب أن يكتسبها ليكون قادرا على شغل الوظيفة التي بصددها، وأن يغرسوا في دواخلهم حس التغيير نحو الأفضل والبحث عمَّا هو أفضل، وأن يعوا جيدا أن مستقبل الوطن بين أيديهم، وأنَّ عمان تعتمد عليهم؛ كونهم يمثلون النسبة الأكثر معرفة وفتوة.. فهم السلاح الذي يضمن للبلاد التقدم ومجابهة عصر الأزمات.