تمكين المرأة العمانية

 

علي كفيتان

شعر الجميع بالغبطة عندما وجّه مولانا جلالة السلطان – حفظه الله – بتخصيص يوم للمرأة العمانية يصادف السابع عشر من أكتوبر من كل عام، وتبادرت إلى أذهاننا منذ الوهلة الأولى الأهداف السامية التي يرمي لها هذا التوجيه من حيث تمكين المرأة وجعلها عنصرا يعمل بكل طاقته لبناء المجتمع دون أي عوائق مصطنعة أو اعتقادات سلبية كبلتها خلال الفترات الماضية، ولا شك أنّ هذا تكريم لنصف المجتمع من باني المجتمع العماني جلالة السلطان – أبقاه الله – وأمده بالصحة والعافية والعمر المديد، لكن ... هل هذا الهدف تمّ فهمه بالصورة الصحيحة من قبل المجتمع ومن قبل المرأة نفسها؟ هذا هو التساؤل الذي يجب الإجابة عنه بعد مضي أكثر من 45 عاما من عمر النهضة وأكثر من خمس سنوات على توجيه جلالة السلطان بتخصيص يوم للمرأة العمانية.

يتوقع البعض أنّ هناك قصورا في فهم تمكين المرأة في السلطنة فبالرغم من الحث الحكومي المتواصل لا زال يعتقد الكثيرون أنّ تمكين السيدة العمانية يتم عن طريق إفساح المجال لها لتبوء مناصب قيادية حكومية ضمن إطار السلطة التنفيذية فقط وهذا ما حدث خلال الأعوام العشرة الأخيرة.

كما يرى آخرون أنّ تمكين المرأة يكمن في إشراكها بكافة المناشط سواء كانت تتفق مع طبيعتها الفسيولوجية أو لا وهذا أفضى إلى صراع مرير داخل المرأة نفسها فإذا أرادت أن تكون فاعلة يجب عليها السير في خط عكسي مع طبيعتها كسيدة بحيث يتم إقحامها في كل المعتركات واللاتي تخطين هذا الاختبار العسير هن قليلات، مقارنة مع المجتمع الأنثوي الذي يمثل 49% من سكان البلاد وهذا يعد استفزازا كبيرا من العنصر الذكوري المتنفذ للنساء بحيث يستخدم تلك الوسيلة الإقصائية المبنية على حقيقة أنّ المرأة لا تصمد في الوظائف سواء كانت في القطاع الحكومي أو الخاص..

نعم المؤشرات الحكومية تعطي نسبة تفوق 40% من القوى العاملة في القطاع العام لكن ما يحدث في القطاع الخاص شيء آخر.

بينما هناك وجهة نظر أخرى ترى أن تخليص المرأة من الأميّة هي الوسيلة الأنجع لتهيئتها للمشاركة الفاعلة وبالرغم من ذلك فإنّ نسبة الأميّة لدى النساء تخطت 9% في عام 2015 وكانت بنسبة مضاعفة قبل اعتماد مبدأ تقفيز الشهادات الذي انتهجته وزارة التربية والتعليم قبل عدة سنوات ساهم في تحسّن الرقم لكنه لم يغيّر الواقع التعليمي للمرأة.

والأمر نفسه ينصب على إيمان البعض بأنّ تمكين المرأة يأتي من خلال سلخها عن الرجل بحيث تحصل مثلا كل أنثى على أرض سكنيّة بينما يحصل زوجها كذلك على أرض أخرى مما يعني ضمنا تساوي في الحقوق مثلما أقدمت وزارة الإسكان قبل عدة سنوات، وهنا التف الرجل على هذه الأحقيّة فعندما تحصل زوجته وبناته على أراضي يقوم ببيعها لتسوية ظروفه المالية والمستفيدات من هذا المنح هن قليل وساهم هذا الأجراء في إيجاد عجز كبير في الأراضي السكنية وراجت السمسرة العقارية على أراضي النساء.

وهناك من يذهب بعيدًا ويقول إنّ تمكين المرأة يبدأ من الاهتمام بالمجتمعات القرويّة البسيطة التي تلعب فيها المرأة العمانية أدوارا جليلة؛ حيث إنّها المربية الكفوء والمنتجة ضمن إطارها المجتمعي الصغير، فنجدها تقوم بمهام ربّة المنزل حسب طبيعتها الفطرية وتساهم في دفع عجلة الاقتصاد عبر مساهمتها في الرعي أو الصيد السمكي أو الزراعة أو الصناعات الحرفيّة وهذه الفئة تغلب عليها الأميّة ولا يوجد جيل مهيأ لخلافتهن وهنا يرى كثيرون أنّ هذه الفئة مهمّشة وتقع خارج إطار اهتمامات السياسات العامة لتمكين المرأة في السلطنة رغم الجهود الحثيثة والمقدرة للهيئة العامة للصناعات الحرفيّة منذ إنشائها.

أمّا تجربة المرأة العمانية مع العملية الديمقراطية مرت بمنعطفات عدة؛ ففي مجلس الشورى كانت البدايات مشجعة بوصول عدد من النساء في الإطار الضيق لقبة المجلس ومن ثم تراجع ذلك التمثيل بشكل غير متوقع في ظل سياسات موجهة تنادي بتوعية وتمكين المرأة بحقها الديمقراطي فهناك من يعتقد أنّ المجتمع الأنثوي في السلطنة لم يصل للقناعة بالتصويت للنساء وهنا يتضح بأنّ سياسات التمكين والتوعية بحاجة لإعادة نظر، فالرسالة لم تصل بعد بالشكل الصحيح. وفي ظل هذا الوضع كان لا بد من تعديل الميزان عبر بوابة مجلس الدولة الذي أصبح مجالا خصبا لعطاء نساء عمان من مختلف تخصصات الحياة إلا من فئات المجتمعات القروية - الريفية التي لم تجد لها مكانا بعد في هذه المناصب علمًا بأنّ كثيرا من البلدان الأكثر عراقة في التجربة الديموقراطية تخصص مقاعد لمثل هذه الفئات لكي تستطيع إسماع صوتها وتساهم في رسم السياسات العامة للبلد.

ستظل المرأة العمانية معين الحياة الذي لا ينضب والقلب النابض بالحيوية والعطاء اللامتناهي ودون طلب أي مقابل منك أيّها السيد الرجل وستظل العمانية هي الملهمة الدائمة للإبداع والعطاء فسلام عليكِ سيدتي سواء كنتِ طبيبة في أرقى المستشفيات أو راعية غنم في جبال ووديان عمان الجميلة، فكلاكما تخدمان الوطن بنفس المقدار.

حفظ الله عمان وحفظ جلالة السلطان.

alikafetan@gmail.com