بعد "تنفيذ".. إعادة بناء أم مجرد ترميم؟!

 

 

مرتضى بن حسن بن علي

تتَّجه أنظار الكثيرين صوب مختبرات "تنفيذ" ونتائج توصياتها ونوعيتها ومدى انسجامها مع روح العصر ووعده وتحدياته. من الصعب تصور أن يتحقق الكثير دون إيجاد الآليات والخُطط المُناسبة والرقابة الفعالة لتفعيل التوصيات والتقدم بعدها وما يتطلب ذلك من مراجعة كثيرٍ من القوانين والإجراءات التي تزدحم بها الساحة وفك التشابك بين الصلاحيات المتداخلة والأمزجة العابرة للقوانين والتي تسبب كثيرًا من الاصطدامات!

في السابق واجهتنا شهية عدم اتخاذ القرارات الجماعية المُناسبة في أوقاتها وترحيل المشاكل إلى المستقبل، الأمر الذي أدى إلى تراكمها وتعقدها. إضافة إلى ذلك فإنّ بعض الأجهزة الإدارية للدولة بطريقتها الحالية – والمجالس المتخصصة الأخرى-، أصبحت غير قادرة على تشخيص كثير من التحديات وجذورها أو إيجاد حلول لها. وليس تجاوزا في القول أن بعض تلك الأجهزة بتركيبتها الحالية مستهلكة وتحتاج إلى تغيير واسع فيها وتقليصها. هي بحاجة إلى إعادة بناء وليس مجرد ترميم وإلى فكر جديد وجهد نشيط وحيوية مختلفة ومُتجددة، تبين وتنبه وتخطط وبجهد جماعي مشترك. وهذا لن يتحقق لمن تعود ليس على رؤية الأوضاع والتأقلم معها فقط بل المسؤولية عما آلت إليه الأمور. كل جهة تعمل بمعزل عن الأخرى ويؤدي ذلك إلى عدم اتضاح الرؤى بل التعارض والتصادم مع ما تعمله جهة أخرى. قد يكون مفيدًا أيضا إعادة النظر في عمل مجلسي الدولة والشورى وتفعيل دورهما بصورة أكبر. ومن هنا تأتي أهمية المرسوم السامي والقاضي بإنشاء "وحدة التنفيذ والمُتابعة" يترأسها مسؤول بدرجة وزير .

كثيرون يأملون أن تكون المرحلة التي ستلي إنشاء هذه الوحدة، بداية مرحلة جديدة، معها تدخل عُمان إلى آفاق جديدة إذا تجاسرت وأقبلت وغيرت وصممت. وقد تتأخر إلى موعد لا نعرف مداه إذا وقفت في مكانها وترددت، ومن ثم تراجعت. فعُمان تواجه تحديات كبيرة ومنها تنويع مصادر الدخل وإيجاد إصلاحات جذرية في المنظومة التعليمية والتدريبية والاجتماعية والاقتصادية وضمان الاستقرار وترشيق الجهاز الوظيفي وضخ دماء مؤهلة جديدة في عروقه وفِي مكانها الصحيح وإيجاد حلول للمتاعب الاقتصادية المُتفاقمة وتوفير فرص عمل للأعداد المتزايدة من الباحثين عن عمل وما يتطلبه الأمر من تحويل البطالة غير المؤهلة إلى طاقات مُنتجة .

إنّ جوهر المشكلة في عُمان ودورها، أنها ضيعت فرصًا ثمينة لبناء منظومتها الاقتصادية المتنوعة وقوتها البشرية المؤهلة. والمشكلة لم تكن مالية أو في كيفية توفير الأموال، وإنما المشكلة الحقيقية كانت في الإخفاقات التي رافقت تحديث دولاب الإنتاج والأطر التعليمية والإنتاجية والاقتصادية وعدم وضع الإستراتيجيات والسياسات والخطط اللازمة للوصول إلى الأهداف المعلنة وعدم توافر جهات رقابة مستقلة لمُراقبة التنفيذ.

لقد نما بصورة كبيرة دخلها القومي الإجمالي ولكن تلك الزيادة أتت في جزئها الكبير من زيادة الإنتاج في معدلات استخراج النفط وزيادة أسعاره وليس إلى القوى الذاتية الوطنية. لم ننتبه كفاية أن زيادة الدخل القومي مجرد مؤشر من ضمن المؤشرات وليس بالضرورة كافيا لتصوير الحقائق الاقتصادية والاجتماعية والتعليمية والتدريبية .

وإذا لم ننتبه للأوضاع الآن بطريقة واعية مدركة فسوف نشاهد أن الطبقة المتوسطة، وهي في عمان وفي أوطان غيرها، مستودع الحيوية الاجتماعية ومخزن طاقتها القادر باستمرار على دفع موجات التقدم والحفاظ على الاستقرار، سوف تصبح مضغوطة ومحاصرة بدلاً من نموها.

ما تحتاجه عُمان الآن هو ترشيق الأداء الفكري والإداري والإنتاجي والتحرر من البيروقراطية وإعادة الأولويات للسياسة التنموية والحذر من اتباع سياسات فردية مرتجلة لإرضاء الجميع بدلاً من اتباع سياسات تنموية مُتكاملة وعدم الاتكال على أحلام رجوع أسعار النفط إلى سابق عهدها، أكثر من الاتكال على الإصلاح الداخلي الشامل واستكمال مشروع عُماني لنهضة شاملة بدأ قبل ٤٦ عامًا، يتواءم مع المُستجدات التي تجري في العالم متناغم مع الثورة التكنولوجية المتدفقة ومع التناقص في أهمية النفط مهما ارتفعت أسعاره.

إنّ عُمان رغم الأزمة وحمولتها الثقيلة، ورغم النفايات المسمومة المبعثرة في الإقليم ورغم الأعاصير والزلال التي تحيط بالمنطقة، ما زالت قادرة على أن تبقى واحة للأمن والأمان وهي تملك طاقات وموارد معنوية ومادية ضخمة ومؤهلة للتغيير والتجديد. هناك الكثير من الرجال والنساء المتعلمين ومدركين لإمكانيات العصر ووسائله ومستعدين لمسؤوليات التحضير والتخطيط والإدارة والتنفيذ. هناك عناصر مستنيرة داخل عمان تقع عليها مهمة واقعة عليها- وليس على غيرها- أن تتقدم جميعا إلى دور الفاعل وليس دور المراقب، وإلى دور المؤثر وليس دور المهتم.

إنّ ما تحتاجه عمان هو الاستمرار في بناء دولة فتية عصرية وليست معاصرة فقط، قادرة على تحمل الكم الكبير من العواصف والتحديات. (دولة تحمي ولا تهدد، تصون ولا تبدد، تقوي ولا تضعف، توحد ولا تفرق، تشد أزر الصديق، ترد كيد العدو، لا تتحزب ولا تتعصب، لا تنحرف ولا تنحاز، تؤكد العدل، تدعم السلام، توفر الرخاء لها ولمن حولها بقدر ما تتحمل وتطيق ). – ذلك هو الخيار وسر استمراريتها للعب دور مهم في إقليمها. دور الانفتاح على الداخل والخارج، دور التسامح الديني والنهضة والتنوير الذي يليق بها وبتاريخها في ظل القيادة الرشيدة لصاحب الجلالة السُّلطان قابوس بن سعيد المُعظم- حفظه الله ورعاه-.

 

 

appleorangeali@gmail.com

 

الأكثر قراءة