منظومة النجاح

 

 

حاتم الطائي

"أنا لم أفشل، ولكنني وجدت 10000 حل لا يُمكن للمصباح أن يعمل بها".. الكثيرون على علم بتلك الجُملة الشهيرة التي قالها توماس آديسون بعد عشرة آلاف محاولة باءت بالفشل من أجل اختراع مصباحه الكهربائي، إلا أنَّ غالبيتهم لم يقرأوا ما وراءها؛ فآديسون الذي اكتشف مُبكراً ذاته الشغوفة بالإبداع والتوَّاقة للابتكار؛ جهَّز -وهو في الثانية عشرة من عُمره- معمله الصغير داخل قطارٍ كان يعمل بداخله من أجل أن يحقق حُلمَه. وفي إحدى مرات "المحاولة" أحدثت تجاربه انفجارًا داخل القطار أصابه بالصمم في إحدى أذنيه، لكنه لم يتوقف، وظل يحاول بعزيمة وإرادة قويتين إلى أن قام بأول اختراع له في عمر الحادية والعشرين -لم يهتم به أحدٌ- وظل يُتابع محاولاته التي أثمرتْ جهازًا يقوم بصرف تذاكر القطار، لتُفتح أمامه أبواب الأمل فيبدأ مسيرة مليئة بالكفاح تكلَّلت باختراع المصباح الكهربائي، وخلال تلك المسيرة المليئة بالإخفاقات لم يكن آديسون يُدرك أنه يسجِّل اسمه في التاريخ بأحرف من نور، على ما ذكره مايكل هرت في كتابه "الخالدون المائة"، محتفيا بتوماس الذي حقق 1000 براءة اختراع في مجالات مختلفة.

إنَّ 85 عامًا على رحيل توماس آديسون لم تحفظ له في الذاكرة سوى إيمانه العميق بذاته وإمكانياته وقدرته على تحقيق حُلمه.. وهي بحسابات اليوم أهم مُرتكزات "منظومة النجاح"، إذ لم يكن آديسون ليخرج لنا بمصباحه دون التزام وتصميم حيال حالات الإخفاق الكثيرة التي مرَّ بها، وعلى المستوى المحلي هناك الكثير من الأسماء اللامعة وقصص النجاح في مختلف المجالات وما علينا سوى تسليط الضوء عليها لنتعلم منها الكثير، جميعهم أخفقوا مئات بل آلاف المرات، إلا أنَّ التزامهم بتحقيق الحلم الذي آمنوا به هو الذي أرسى سفنهم على شواطئ التميز حيث يقف الناجحون في هذه الحياة.

فالنجاح في تعريفه البسيط هو الوصول إلى الغاية وتحقيق الهدف، شرط أن يكون هدفاً ذا قيمة لها معنى بين الناس؛ ولا أعني هنا نجاحًا في العمل أو التخصص فحسب، بل النجاح في الحياة بشكل عام، وما يريدُ الإنسان أن يحققه من أهداف يسعى وراءها مُتلهفا، ويركض وراءها بإرداة قوية، قد يفشل أحيانا، ولكنه ينهض مرة أخرى ليواصل ويتعلم من أخطائه، متغلباً على العادات الخاطئة في سبيل الوصول للطريق الصحيح؛ كلُّ هذه المعطيات تحتكم إلى أسباب ومسبِّبات لابد أن تُوضع في الحسبان كخطوة أولى على طريق "الألف ميل".

فالإرداة، وتحديد الهدف، واكتشاف الذات، والتخطيط الجيد، وترتيب الأولويات، وتحمَّل المسؤولية، والعمل الجاد، وعدم التوقف عن التعلُّم، والصبر، والانكفاء على تطوير الذات، والتحلي بقيم التفكير الإيجابي، والتفاؤل، والصحبة الخيِّرة، والاجتهاد، وخلق المتعة في العمل، كلها مُحفِّزات تَصْنَع دواخلنا وتحفِّز على بذل المزيد من أجل الوصول للقمة والتميُّز. فطريق النجاح ليس مفروشا بالورود، بل يحتاج إتقانًا للعمل، وحرصًا على الإخلاص فيه وإيفائه حقه كاملاً، وعدم التساهل مع أدق تفاصيله، واستثمار الفرص الجيدة دون كللٍ أو ممل؛ فالعمل الجيد مُفتاح النجاح.

وما يُرثى له في واقع بعض شبابنا اليوم هو تلك النظرة التي تراها في العيون تحسُّراً وأسفاً على فوات فرصةٍ ما، أو أن تنظر في سِجِل إنجازات أحدهم فلا تجد شيئاً، تجده خاويا حتى من المحاولات، تُخاطبه فلا تتلمس بين كلماته أيَّة أهداف، في حين أن السر الأكبر في منظومة النجاح هو الوعي الكامل وتسليط كافة أضواء العقل على هدف محدد وجعله جليًّا واضحًا كاملَ المعالم، معززًا ذلك بإرادة قوية ورغبة جسورة تُحيي أمنياته من سُباتها وخمولها، فيعيش أهدافه ويتصورها مُتحقَّقة أمام ناظريه، فيبدأ مرحلة اتخاذ القرار، مُحدِّدًا إطارا زمنيًّا مبنيًّا على أسس واقعية، متعرفاً على إمكانياته، ومرتبا ذخيرة مواهبه وأدواته؛ دارسا المصاعب والكبوات المتوقعة؛ إذ لا يُحقِّق النجاحَ من لا يملك القدرة على الصمود، مُلتزما في سبيل ذلك بما طُبعَ على سجيَّته من قيم وأخلاقيات تُنظِّم إيقاع عمله، وتضبط كفتي المعادلة.

إنها دعوة لأبنائنا من الشباب العُماني المبدع المثابر، ليَعْلَم كلٌّ منهم أن النجاح منظومةٌ مُتكاملة، لا حِيْدة عن الامتثال لقيمها، والتأسيس على مرتكزاتها في رحلة بلوغ الأهداف، فقط تحتاج منهم "ضربة البداية" وتغيير طريقة التعاطي مع الأحلام؛ وفق أُسس مدروسة بعناية فائقة، تحدِّد المسارات وترسم المستقبل، مُتسلحين فيها بأخلاقيات مهنية عالية، ومفاخرين بمشاريعهم، ومجدِّدين روح الإبداع لديهم؛ بما يُسهم في دفع مسيرة التنمية الشاملة في بلادنا، فهم بناة المستقبل وعلى عاتقهم مسؤولية استكمال المسيرة والحفاظ على ما تحقق من مُنجزات.