كوريا.. وريادة التعليم

فايزة الكلبانية

"كوريا...أولا" هذه العبارة التي يحاول كل من نلتقي بهم من المسؤولين في كوريا من خلال زيارتنا هذه أن يوصلها إلينا بمختلف الطرق.. وهم بذاك يشعروننا بأنّ الشعب الكوري لا يرضى إلا بالمراكز الأولى في أي منافسة سواء كانت داخلية أو خارجية.. وبالفعل وصلوا بفكرهم ذلك إلى أسمى مساعيهم.

وهذا ما لمسناه خلال العرض التقديمي التفصيلي الذي ألقاه على مسامعنا سعادة محمد الحارثي سفير السلطنة في كوريا عند لقائنا به في يومنا الأول منّ زيارة وفد لجنة التعليم بغرفة تجارة وصناعة عمان للاطلاع على التجربة الكورية في التعليم.. والذي حرص سعادة الحارثي من خلاله على إثراء ذاكرتنا بخلفيّات عن التاريخ الكوري. وبالفعل تضمنت الزيارة حقائق قيمة عن التعليم في كوريا، وعوامل النجاح في هذا الجانب، وتعاطي الكوريين مع التعليم الذي أصبح هوسًا يربون أجيالهم عليه.. بالرغم من التطور التقني والتكنولوجي الذي تشهده كوريا.. إلا أنّ اهتمامهم بتطور العنصر البشري وتغذية مداركه بالعلم يعد من أولويات اهتمامهم..

فنجد الجميع في كوريا يؤمن بأنّ فرص العمل محدودة والمنافسة شديدة، ولذا نجد بأنّ الجميع لديهم إحساس بالمسؤولية وأنّه "لاحياة بدون تعليم"، وهناك استثمار هائل في التعليم والتدريب والإبداع والبحث والتطوير، وقد حصلوا على مستوى عال من الأداء عالميا، إلى جانب وجود مراكز متقدمة في التنمية؛ مما جعلها نموذجا عالميا ورياديا؛ وفي مجالات كثيرة تصنف الأولى عالميا، والجميل أنّ الطلبة الكوريين يحققون مراكز متقدمة في القراءة والعلوم والرياضيات والإبداع، حيث كانت نسبة الأمية في الخمسينيات حوالي 78%، واليوم تقريبا لا تتعدى4%، ويوجد بها ما يقارب 11 كلية للمعلمين، يدخل إليها فقط من يحصل على أعلى الدرجات، ويجتاز الامتحان الخاص بذلك، إضافة إلى التدريب والتأهيل والتدريب الإضافي.. والأكثر جمالا أنّ للمعلم مكانة كبيرة وجميعهم من خريجي الجامعات، بالإضافة إلى التدريب والتأهيل المستمر.. أما المدير فله دور كبير في نجاح المدرسة ولا يصل لهذه الدرجة إلا بعد رحلة تصل إلى 25 عاما من العمل المتواصل في مجال التعليم.

يوجد بكوريا عدد 20403 مدرسة، وحوالي 393 جامعة، ومدة العام الدراسي تتراوح بين 170-220 يومًا في السنة من الساعة 8 صباحا إلى 3 مساءً، كما تحظى كوريا بالمرتبة الأولى عالميا في سرعة الانترنت.

في فترة اختبارات الطلبة تعلن حالة الطوارئ في كافة المدن الكورية وتسخر كل سبل الراحة لضمان وصول الطلبة إلى قاعة الامتحانات في الوقت المحدد.. حيث يتم إخطار الموظفين بضرورة التأخر في ذهابهم وإيّابهم إلى أعمالهم حتى لا يتسببوا في وجود زحمة في الطرق مما يؤدي إلى تأخر وصول الطلبة لقاعة الامتحانات.. وعند حدوث أي ظرف لأي طالب أينما تواجد وأدى ذلك إلى تأخره عن الامتحان؛ فإن الجهات المعنية تبذل كل جهدها لإيصاله في أسرع وقت ممكن سواء عن طريق الاستعانة بالشرطة أو حتى هليكوبتر إن لزم الأمر، كونها أيضا في وضع الاستعداد في هذه الفترة من وقت امتحانات الطلبة؛ وغيرها من التسهيلات الأخرى..

والغريب الذي قد نتفق معه أو يعتبره البعض إجهادًا للجسم والعقل أنّ الطلبة في كوريا يدرسون ليلا ونهارًا؛ فالفصول الدراسية في بعض المدارس تستقبل الطلاب بالليل حتى ساعات متأخرة..

هكذا تقدمت كوريا لتحقق نجاحًا يبدأ من أساس عوامل النجاح وهو الاهتمام بالتعليم.

أما على الصعيد العام فكثيرة هي المفارقات التي لمسناها هنا في كوريا مقارنة بواقع الحال عندنا في السلطنة.. ولكن تبقى الإيجابيات هي مجرد ثقافة تربى عليها الكوريون وغرسوها في قلوب أبنائهم.. فحينما تجوب شوارع العاصمة سيؤول ستتلمس كثافة التجمعات السكانية والحركة السكانية النشطة.. ومساطب باعة المأكولات والوجبات السريعة على طول الطرقات إلا أنّ السائح أو الزائر لكوريا ينبهر من النظافة التي تعم جميع الأماكن والطرق؛ حيث يحرص الفرد بعد الانتهاء من أي وجبة على رمي المخلفات في القمامة وأماكنها المخصصة.. وكذا الحال عند الصغير قبل الكبير؛ لتصبح ثقافة تربت عليها الأجيال المتعاقبة.. ولو اعتدنا على استحضار هذه الثقافة في حياتنا لكان عمال النظافة ونحن أنفسنا في بلادنا أكثر أداء وصحة مما نحن عليه اليوم.

اقتصاديا؛ يركز التبادل التجاري بين السلطنة وكوريا على استيراد كوريا للنفط والغاز، واستيرادنا العديد من المنتجات الكورية كالسيّارات والإلكترونيات والمواد الكهربائية.

من الأشياء الجميلة أيضا أنّ مقر سفارة سلطنة عمان يقع وسط العاصمة سيؤول، وفي أبرز المناطق التاريخية بالقرب من القصور الملكية والقصر الرئاسي، ووزارة الخارجية الكورية والمعالم السياحية الأخرى؛ ويتميّز المبنى بتصاميمه المعمارية الفريدة، حتى أنّه يعد معلما وصرحا بارزا في سيؤول ومحل إعجاب وإشادة الجميع.

[email protected]