حمد بن سالم العلوي
لقد انتشرت فوضى عارمة من الحروب في العالم العربي، وقد بدأ تنفيذ هذا المخطط الرهيب ابتداءً من عام 1991، ونفذ بيادقه العرب أنفسهم على الواقع، وليس على رقعة الشطرنج كما يفعل اللاعبون، ومثل غزو العراق للكويت بداية اللعبة، والتي لا يعرف أحد نهايتها حتى راسمي خططها، ولكن المعروف منها لحد الآن، أنّها شملت الغالبية العظمى من البلاد العربية، وصار الكره والحقد والبغض بين العرب لا يُطاق، وقد جُندت كل الطاقات والإمكانيات لتدمير الأمة العربية، واستمرار القتل في الكائن البشري العربي دون سواه، وقد أصبحت القسوة والغلظة بقدر الشحن الديني والعاطفي، بقدر ما رصد من مال عربي لا يحصى، ودماء عربية بلا ورع، لأنَّ القاتل والمقتول موعدهما الجنة والحور العين الحسان، وبالطبع ليست جنات رب العالمين التي وعدها المُتقين، لأنَّ تقوى هؤلاء من تقوى الشيطان الرجيم، وهو المعروف أنّه بلا تقوى، ولكن الحض على الكراهية والفجور، ما زالا على أشدهما إلى اليوم والغد، لدرجة أنَّ العربي يلقى أخوه العربي، وكأنَّه يرى عدواً قتل أمه وأبيه، وسبى كل حرائر بيته، وكأنه أتى ليفعل المزيد.
إذن أخذت الحروب تتأجج بين العرب والعرب، ليست ضد أعداء الأمة الغاصبين، وفي هذه العداوة ليس من بينهم العدو الصهيوني المحتل لأرض فلسطين، ويُهدد الأقصى المُبارك بالتهويد، فنسي العرب أو تناسوا عمداً، أنَّ هناك دولة عربية محتلة تسمى"فلسطين" وأنّ هناك شعباً عربياً مظلوم، ويتعرض للاضطهاد والتهجير والقتل ليرغم على السكوت، فعجباً كيف يعيش الظالم بهدوء، وينعم بالأمن والأمان، وذلك في بحبوحة من الاستقرار، وكأنّه لم يغتصب أرضاً عربية، تحوي على مُقدسات المسلمين، وفيها أولى القبلتين وثالث الحرمين الشريفين، وكنّا قد لا نعجب على الخنوع والانكسار، ولكن الأمر تجاوز ذلك إلى درجة دعم العدو سراً، لكي يستمر في غيه، وربما قريبًا تحصل خاتمة النكبات العربية، عندما يُعلن العرب رسميًا، أنَّ المشكلة مع بني صهيون مشكلة حدود لا أكثر، وبمعنى أوضح أنّهم اعترفوا صراحة، بأنّ ما كان يُسمى فلسطين، ليس إلا "إسرائيل" الصهيونية، وأنهم وهي، عدوهم إيران الجارة المُسلمة عبر التاريخ، وأنَّها أضحت تمثل خطراً وجودياً عليهم، وهذا اعتراف بالأخوة والمصير المشترك مع بني إسرائيل، لمن ظن أنّ إيران عدوة وجود له، وليست إسرائيل الصهيونية.
لقد ابتعد العرب عن نهج الشريعة الإسلامية التي أتى بها القرآن الكريم، فهذا القرآن الذي يهدي للحق لمن أراد الهداية الربانية، كما جاءت مفصلة فيه، حيث هدى الله الإنسان اختيار أحد النجدين بقوله تعالى:{وَهَدَيْنَاهُ النَّجْدَيْنِ} البلد(10) فإما شاكراً وإما كفوراً، وقد جعل سبحانه وتعالى، شروط الحرب والسلام واضحة جلية، وشرَّع أدبيات القتال بدقة وعناية، كتحريمه في الأشهر الحرم "مثلا" إلا لدفع عدوان، وكذلك عدم قتل غير المقاتلين، ولكن الذي نراه اليوم خروجا صارخا على تشريع رب العالمين، وهذا كُفر بشرع الله، فكيف لإنسان يزعم أنه مسلم، أن يستبيح دماء المسلمين دون وجه حق.
ترى هل أصبح النَّاس في بلاد العرب شعوب ظالمة، فسلط الله الظالمون على الظالمين، ثم يدمرهم بعد ذلك أجمعين، وإلا كيف يقوى البعض على مهاجمة دول عربية، بهدف تدمير السلطة فيها، والقضاء على زعاماتها، ويهلك فيها النسل والحرث فقط لأنه لا يهوى الزعيم، فأكثر هذه الحروب تخاض بالسر من خلال جنود لهم، يخوضون المعارك نيابة عن الوكيل، وتحت مُسميات مختلفة مثل داعش وأخواتها، وهناك غزو مُباشر ومعلن، كالذي يقع على اليمن، وحجته عكس الحروب السابقة، فتلك لإزاحة الرئيس يقتل الشعب، وهنا لإرجاع رئيس هارب يقتل الشعب، تناقض غريب عجيب، إذن، ليس بوسعنا كمسلمين نخاف الله، إلا أن نستنكر هذه الأفعال المخالفة للدين، لأنّها وبكل المقاييس تمثل عدوانا سافرا ومفضوحا، ومن المحزن جداً، أن نرى دولة عربية كبرى كمصر، لا تنبس ببنت شفة تجاه ما يحدث، فذلك هو والله الضياع الذي ليس بعده ضياع، ولن نتكلم عن جامعة عربية مختطفة بالبترودولار، ورئاساتها ضعيفة ضعفاً لا يوصف، وتمثل دور محلل الحرام ليكون حلالاً، ألا من خوف ترجونه من الله، هذا إن كنتم مُسلمين، ولا نقول مؤمنين، لأنَّ الإيمان بالله له علامات واضحة، فليس شيء منها ظاهر عليكم.
إنَّ هذه الحروب الغادرة الظالمة، ليس لها إلا نتيجة واحدة، ألا وهي التدمير المادي والنفسي، فربما أمكن تعويض بعض الضرر المادي، ولكن حتماً الضرر الذي أصاب النفوس العربية وخاصة اليمنية، فإنّه لا يُمكن جبره، وإن الأفعال التي تجاوزت أدبيات القتال على الجبهات، فتعدتها لتطال مجالس العزاء، أو مجالس الأفراح، ليس في ذلك إلا إمعاناً في الحقد والكراهية، التي سيتولد عنها في نفوس المغدور بهم أضعاف مضاعفة من الحقد والأضغان، وإن المرء يستطيع أن يجزم، بأنَّ خمسة أجيال يمنية ستظل تحمل الحقد والضغائن على مدى قرون قادمة، فإذا سلمنا جدلاً بأن ثلاثة أجيال اليوم تعيش المأساة بنفسها، فإنّ الجيلين القادمين، سيتلقيان المعلومة من التاريخ القريب، ليس لأنَّ حرباً دارت على الحدود، نتيجة سوء تفاهم بين الجنود، فالمسألة تجاوزت ذلك إلى قتل المدنيين العزل في مجالسهم، ومدارسهم ومنازلهم ومساجدهم وأسواقهم، وهم أنفسهم عاشوا رعبها لمن عاش، وحزنوا على قتلى الغدر أشد الأحزان.
إذن، اليمني الغيور على أهله ووطنه، لن يستمع إلى تبريرات "عسيري" حتى يقتنع بأنّ كل الذي حدث كان في صالح اليمن!! فهو من شهد ورأى بأم عينه كل ما حدث، وهو من سيُقرر القرار المناسب الذي يشفي غله وغليله، واليمني العربي لا يقبل النوم على الضيم، وهو المُقاتل الذي تهون عنده النفس لبلوغ المرام، وحتماً قد رأى العالم كيف يعشق صعود الجبال بأقدام حافية، وزاده من فلى الأرض، وكيف ينقض على عدوه كالصقور الضارية، وعدوه يفضل الهروب على المواجهة، فشعب هذه صفاته، عليك أن تنازله بالكرم ليرد عليك بأفضل منه، فهو يرد بالأفضل إن أنت تفضلت، ويرد بكل شدة مؤلمة إن أنت آذيت شخصه أو مشاعره، فعجباً من كان له خبرة وتجربة باليمن، كيف يُعيد الكرة من جديد، وهو يعرف خصمه جيداً كما يفترض الفهم أن يكون، هذا إذا نظر إلى السياسة، وأغفل كتاب الله وهو شرع المسلمين.
لكن من جُبلت عقيدته على الغدر والدم، ولا يتورع عن قتل المصلين في المساجد عند صلاة الفجر، وهذا ما ذكره تاريخهم في كُتبهم، فإنّه يُشبع غريزته اليوم بالدم، فمتى ما أغراه الشيطان بقوم آمنين فإنّه لا يتورع عن القتل، ولا يحق لكائن من كان أن يسفك دم البشر دون حكم شرعي، ونقول للذين يظنون أن المكان يعطي الإنسان الحق، لكي يفعل ما يُريد باسم الله، والله أوقف التوجيه المباشر للعباد، ذلك بوفاة خاتم الأنبياء والمرسلين، وترك الله كتابه يُحكم فيه بين الناس، ولكن من ضل عن شرع الله، توعده الله بقوله:{قُلْ مَن كَانَ فِي الضَّلَالَةِ فَلْيَمْدُدْ لَهُ الرَّحْمَنُ مَدّاً حَتَّى إِذَا رَأَوْا مَا يُوعَدُونَ إِمَّا الْعَذَابَ وَإِمَّا السَّاعَةَ فَسَيَعْلَمُونَ مَنْ هُوَ شَرٌّ مَّكَاناً وَأَضْعَفُ جُنداً} مريم (75) إذن ليس هناك من مهرب عن حساب الله، وليس المال قوة تُنجي، بل هو ثقل على كاهل من خان أمنة الله، يتحمل وزرها في الدنيا والآخرة، اللهم نبرأ إليك من ذنوب المفسدين في الأرض.
Safeway.om@gmail.com