مدارس الفلل .. !

 

سيف بن سالم المعمري

التعليم الخاص بمختلف بمراحله يُعد أحد الأدوات المهمة في تجويد النظام التعليمي في السلطنة، ولكون المدارس الخاصة هي النواة الأولى في بناء الأجيال المتعلمة الواعية والقادرة على تهيئة المناخ التربوي المثالي، والتي تمهد الطريق لتقدم المجتمع من خلال المخرجات النوعية، والتي من المفترض أن تكون أكثر تميزا نتيجة طبيعية للخدمات التعليمية النوعية والمناخات التربوية الأخرى التي تميز التعليم الخاص عن التعليم العام والذي سيأتي الحديث عنها في سياق المقال.

وكما هو معلوم فإنَّ المدارس الخاصة التي تشرف عليها وزارة التربية والتعليم تتوزع على سائر محافظات السلطنة وفي مختلف المراحل الدراسية من التمهيدي وحتى الصف الثاني عشر في المدارس أحادية وثنائية اللغة وكذلك المدارس العالمية التي تطبق المناهج الدراسية العالمية بالإضافة إلى المدارس الدولية أو كما يعرفها البعض بمدارس الجاليات.

ويشهد التعليم الخاص في السلطنة إقبالا متناميا من قبل أولياء أمور الطلبة خلال السنوات الأخيرة؛ نظراً لقناعتهم وإيمانهم بأنّ الاستثمار الأمثل للأسرة في أبنائها من خلال تهيئة المناخ التربوي التعليمي الذي يمنح الأبناء فرصاً دراسية ذات جودة عالية؛ إلا أنّ واقع التعليم الخاص في السلطنة لا يزال بحاجة إلى مراجعة شاملة ومتوازنة، ومن البديهي ألا يكون التعليم الخاص بنفس إمكانيات التعليم العام بل يجب أن يفوق الأول بإمكانياته الواقع والإمكانيات التي تهيأ لمدارس التعليم العام الحكومية.

والواقع يقول إنّ مدارس التعليم الخاص في السلطنة تواجه تحديات كبيرة جدًا رغم التسهيلات الكبيرة جدا التي تقدمها الحكومة ممثلة بوزارة التربية والتعليم والجهات الأخرى؛ وهناك مدارس خاصة في السلطنة يشار إليها بالبنان وهي مدارس تستحق الدعم الحكومي وتقديم مزيد من التسهيلات لها، ولكنها – وللأسف الشديد- قليلة مُقارنة بالمدارس الخاصة التي تمثل العدد الأكبر في السلطنة والتي بحاجة إلى أن يتم إعادة النظر فيها والحزم معها.

وهناك تساؤلات بحاجة إلى إجابات موضوعية ولعل من أبرزها: هل يوجد دليل عمل للمدارس الخاصة في السلطنة؟ وإن كان موجودا، فهل يطبق الدليل على المدارس بنفس المعايير والإجراءات؟ وهل مدارس الفلل أو ما تسمى بالمدارس الخاصة البيئة التربوية والتعليمية الأمثل للتعليم الخاص؟ ولكون المبنى المدرسي من أهم مكونات البيئة التربوية، فلماذا يتم التساهل في منح تصاريح لإقامة المدارس في الفلل السكنية؟.

هل من المعقول أن تستوعب فيلا سكنية لمبنى مدرسي قد لا يقل عدد طلابه عن 100 طالب، بينما تمّ بناء الفيلا السكنية ومرافقها لعشرة أفراد أو يقل أو يزيد بقليل! وهل تتناسب المرافق الموجودة في المدارس الخاصة(الفلل)مع عدد الطلبة الذين يدرسون فيها؟ وما الذي يميز المناهج الدراسية في المدارس الخاصة؟ وما هي درجة الموضوعية في أدوات التقويم؟ وهل الرسوم الدراسية تتلاءم مع ما تقدمه المدارس من خدمات تربوية وتعليمية للطلبة؟ وهل يوجد هيكل تنظيمي واضح للمدارس الخاصة؟ وهل توجد الكفاءات التربوية والإدارية والفنية في المدارس الخاصة التي تفوق الكفاءات في المدارس العامة؟ كيف يتم اختيار تلك الكفاءات؟ وما هي الحوافز التي تقدم لهم؟ ولماذا يعزى عزوف الكفاءات التربوية والإدارية والفنية العُمانية عن العمل في المدارس الخاصة؟.

ولكون البعض يرى في تأسيس المدارس الخاصة مشروعا تجاريا يقدم فيه خدمة تعليمية بمقابل مادي، فإنّ ذلك لا يعني أن يتم التعاطف مع مدارس التعليم الخاص ويترك الحبل على الغارب كما يقال، ويفقد الوطن فلذات الأكباد وتثقل الأسر كاهلها بالرسوم الدراسية دون وجود أثر نوعي للتعليم الذي يتلقاه أبناؤهم في المدارس الخاصة.

وهناك مشاريع تجارية لا يعطى تصاريح لتأسيسها إلا لمن لهم الدراية والتخصص والإلمام الكامل، فمثلا لا يسمح لأيّ شخص بفتح مكتب محاماة إلا إذا كان محاميًا، ولا يُسمح بفتح مكتب للاستشارات الهندسية إلا للمهندسين، ولا يسمح بمكتب تدريب إلا إذا كان مدرباً وهكذا، فلماذا لا يتم اقتصار تأسيس المدارس الخاصة على التربويين والمتخصصين في علوم التربية ويشترط تفرغهم الكامل لمشاريعهم؟!.

وهناك أصحاب مدارس خاصة لا لهم دخل في العمل التربوي لا من قريب ولا من بعيد، بل إنّ الهدف المادي هو الغاية الأسمى من تأسيس المدرسة الخاصة، لذا لا يكترث في البحث إلا عن الفيلا الأقل في الإيجار، ويختار الكادر الإداري والتدريسي والفني ممن يستطيع إقناعهم برواتب قليلة جدا وأغلبهم غير عُمانيين، وقام بالتعاقد معهم بعد دخولهم السلطنة كمرافقين، والنتيجة في ذلك تجدها بعدم الاستقرار في الهيكل الإداري والتدريسي والفني في المدارس الخاصة.

بل إنّ البعض يرى في تأسيسه لمشروع المدرسة الخاصة مغنما للحصول على قطعة أرض من وزارة الإسكان خاصة بالمدرسة، وبعد أن يحصل على الأرض فلن يكون أمامه سوى بيع المدرسة أو تأجيرها أو إغلاقها، ولذا .. فعلى الحكومة ألا تملك تلك الأنواع من الأراضي بل تجعلها للانتفاع فقط وخاصة في مثل هذه المشاريع والأنشطة التجارية.

وربما يقول البعض من أين أستطيع بناء مبنى مدرسي فهو مُكلف خاصة في بدايات تأسيس المشروع؟ وهذا كلام صحيح، ولكن .. هناك من أصحاب العقارات من لديه إمكانية لبناء مبان باستخدامات مختلفة ويقوم بتأجيرها حسب الجهة الطالبة لها، ولو أوجدت الحكومة الاشتراطات الملائمة في تأسيس المدارس الخاصة لتجاوب معها المجتمع، وما نشاهده من نماذج ناجحة للمدارس الخاصة في السلطنة خير برهان على ذلك.

كما إنّه من الخطأ فتح الباب على مصراعيه لتصاريح تأسيس المدارس الخاصة دون وجود دراسة مستفيضة ديمغرافية للسكان ومستوياتهم المعيشية، فلماذا يتم منح تصاريح لتأسيس عدد كبير من المدارس الخاصة في ولاية لا يزيد عدد سكانها عن 80 ألف نسمة وتفوق أعداد المدارس الخاصة فيها عدد المدارس الحكومية، وبالتالي يتراوح طلاب معظم تلك المدارس ما بين 80 إلى 120 طالبًا وطالبة أو يزيد بقليل، وإن كان البعض يرى زيادة عدد المدارس مؤشراً على المنافسة لتقديم خدمات أفضل، ولكن الواقع يقول عكس ذلك، حتى إن بعض أولياء الأمور توهمهم المدرسة الخاصة بارتفاع المستوى التحصيلي لأبنائه، ولكنهم ينصدمون حينما يكتشفون في بعض المواقف أن التقديرات والدرجات التي تمّ رصدها في شهادات أبنائهم لا تتناغم مع مهاراتهم ومعارفهم التي اكتسبوها من المدرسة، والمجال لا يتسع لذكر تجارب مؤسفة لعدد من أولياء الأمور في تدريس أبنائهم في المدارس الخاصة، فهل واقع مدارسنا الخاصة مطمئن؟

فبوركت الأيادي المخلصة التي تبني عُمان بصمت ،،،

 

Saif5900@gmail.com