حاتم الطائي
بَيْن أيديكم اليوم عددٌ جديدٌ من "الرُّؤية"، أردنا له أن يكون جديدًا بمعنى الكلمة؛ إيماناً منا بأهمية التطوير المستمر، خاصة في المجال الإعلامي؛ لذا بذلنا قصارى جهودنا لكي نقدِّم الأفضل للقارئ العُماني.. تجديدٌ في الشكل، وتجديدٌ في المحتوى والتبويب الذي نتبعه؛ مُواكبةً مِنَّا للتطوُّر الذي يشهده إعلامنا العُماني، وإيمانا راسخاً بأن التطوير نهج و"ثقافة عمل" تُسهم في تَجْسِيْر الفجوة بين الأمل والعمل، بين الواقع والطموح، في ظلِّ ما يعتري عالم اليوم من متغيِّرات تفرض ضرورة التفكير خارج "الصندوق التقليدي" إلى حيث المواكبة، والقفز فوق قيود الروتين وما يُخلِّفه من جمود وسكون، قد لا يتلاءم مع نهر الحياة المتجددة كل صباح.
وتأسيسًا على تلك الدافعية نحو "التطوير"، وبوَصْفِها آلة إعلامية بارزة تتنامى يوميًّا دائرة مُتابعيها على امتداد هذا الوطن؛ انطلاقًا مما اختطته لنفسها من سياسة تحريرية مُعتدلة، ونهج إعلامي مُبادر يرنو إلى صنع حالة من الحراك المجتمعي؛ تنسابُ جريدة "الرُّؤية" اليوم بين يدي قرَّائها مُرتدية حُلَّة قشيبة؛ تمزج بين المضمون الثري والشكل العصري المقدَّم بآليَّات جديدة، لتعزِّز رسالتها الهادفة للارتقاء بالوعي المجتمعي وفق رؤى جديدة مستوحاة من رُوح العصر. لتعمد "الرُّؤية" في ثوبها الجديد إلى طرح أكثر شُمولية يستهدف نقاشات مُعمَّقة مع جهات الاختصاص حيال قضايا المواطن اليومية ومشاكله وهمومه وطموحاته؛ في مَسْعَى يُعزِّز كونها مرآة يَرَى فيها القارئ صورة صادقة لواقعه، ونبضا يعكس ما يعتمل في المجتمع العماني من اهتمامات ومتغيرات ومخاضات مختلفة.
والنقلة النوعية التي تشهدها "الرُّؤية"، اليوم، لتَجْعَل الفرصة مُواتية أمام توظيف أمثل لمعطيات الإبداع وتجويد الأداء، واستيعاب مُتطلبات المرحلة المقبلة، واستكمال العمل على ترسيخ مفهوم "إعلام المبادرات" كجزء من إستراتيجيتنا في التفاعل مع قضايا المجتمع وخدمة أهداف التنمية؛ وذلك ضمن فهمنا للدور الطليعي والرائد للإعلام في بناء الإنسان المستنير، وتغليب الجانب الرِّسالي للإعلام على التجاري؛ إذ في سياق هذا الفهم، أطلقنا على مدى سنوات مجموعة من المبادرات الهادفة لخدمة مختلف فئات المجتمع وشرائحه؛ وسنعمل خلال الأعوام المقبلة على رفد هذه المبادرات بإضافات نوعية لتوسيع دائرة أهدافها لتشمل مزيدًا من الشرائح المجتمعية.
كما أننا لم نغفل التفاعل على منصَّات التواصل الاجتماعي والإعلام الجديد، وعزَّزنا تواجدنا بقوة على "الفيسبوك، وتويتر، وإنستجرام، وسناب شات"، كما دشنَّا قبل شهر تصميما جديدا للموقع الإلكتروني يعزز جهود مواكبة الأخبار المحلية والعالمية على مدار الساعة؛ وهو ما أسهم في أن يحتل الموقع مكانته بصدارة المواقع الإلكترونية العُمانية؛ ولاقى التصميم الجديد الكثيرَ من النجاح والأصداء الطيبة؛ حيث بلغ متوسط زوار الموقع شهريا 1.350 مليون زائر.
صحيح أنَّ العمل المؤسسي اليوم يُواجه العديدَ من التغيُّرات المعقدة، يمسُّ بعضها البيئة المحيطة بالعمل، فيما يطال البعض الآخر صُلَب العمود الفقري لثقافة المؤسسة واتجاهاتها التطويرية. ومثلما تُؤثِّر هذه تؤثر تلك، إلا أنَّ المؤسسة التي تَسْعَى دوماً لتحقيق مزايا تنافسية مُعتمدة على مواردها البشرية، تؤمن تمام الإيمان بضرورة أن تُجري سلسلة من التحسينات المُستمرة على بيئتها الداخلية، لا سيما البرامج التطويرية التي تُركِّز على الجودة والتفاعل الإيجابي والسياسات والأنظمة المعْتَمدَة؛ لإحداث موازنةٍ بين كافة الأدوار الوظيفية وبما يضمن لها المواصلة والاستمرار.
وعلى هذا.. فإنَّ نجاح وفاعلية عملية التطوير التنظيمي تستند إلى عِدَّة مداخل؛ تستهدف ابتداءً جودة العمل، والتوافق بين الإستراتيجيات والنشاطات الإدارية، وتعزيز ثقافة الإبداع في الأداء وفق مناخ تنظيمي مُساند لعملية التطوير؛ لتحقيق التوافق والانسجام بين الأهداف والحاجات؛ وتعزيز الرُؤية التنظيمية المنطوية على التفاعل بين الأفراد والمهمات والنظم الإدارية لإنجاز التطلعات والأهداف.
إنَّ إحياء ثقافة التطوير ونفض الغبار عنها، بات مَطْلبا لا حِيْدة عن استمرار المناداة به، والعمل على تحقيقه؛ وابتكار آليات جديدة تضمن توظيفًا مثالياً للإمكانات المتاحة؛ وإفساح المجال لأية فكرة جديدة؛ ففلسفة التطوير قائمة على الإبداع لا التقليد؛ والاعتناء بتنمية ورعاية الكوادر المهنية؛ باعتبارهم مصدرَ القوة الاقتصادية للتنمية، والتخلي عن الروتين واللامركزية في التعامل، وتحويل العمل إلى شيء مُمتع لا وظيفة فحسب -بما يضمن تحويل النشاط إلى مسؤولية، والمسؤولية إلى طموح- وجَعْل التجديد ثقافة مُستمرة وذات نفس طويل، واستهداف "العنصر البشري" بما يضعه ضمن حلقات السلسلة التكاملية؛ إذ إنَّ شعورًا كهذا يدفع نحو تفجير الطاقة الإبداعية الكامنة، وتوظيفها لخدمة الأهداف المنشودة.
ويبقى القول في الأخير.. أنه وبما أنَّ السياق عن "التطوير"، فإنَّ حديثا لابد أن يصبَّ في صالح التطوير المنشود للإعلام الجديد المراعي للثوابت ووحدة النسيج الوطني، ومنظومة القيم والأخلاق العمانية المستمدَّة من قيمنا العربية والإسلامية. وهو ما يعني أنَّ المرحلة الحالية تتطلب خطابًا إعلاميًّا موضوعيًّا يعزز روح الانفتاح ويحقق قيمة مضافة لعناصر قوة الدولة والمجتمع العماني، ولا يحيد عن دوره في إعلاء مصالح الوطن العليا، والتعبير عن أمانيه بأعلى درجات المسؤولية والمهنية، تأسيسًا على قاعدة الحرية المسؤولة، والتزامًا بالقيم المهنية والأخلاقية للعمل الصحفي.