"السنوات العجاف" ترفع كلفة تغطية عجز الموازنة.. والثقة في الأداء المالي تقلل من "خدمة الدين"

 

 

 

1.6 مليار ريال إجمالي 12 إصدارا ساريا من سندات التنمية الحكومية بمتوسط فائدة 3.8%

≤ 29% متوسط نسبة العجز إلى الإيرادات في "الخمسية التاسعة"

≤ 550 مليون ريال مرصودة لخدمة الدين حتى 2020

الحكومة تنفض عن كاهلها أعباء شركات القطاع العام عبر تحويل الأسهم إلى الصناديق

 

تقرير - نجلاء عبدالعال

لا تزال الأوضاع الاقتصادية العالمية تقبع تحت سحابة قاتمة، تنبئ بامتداد التأثير السلبي لـ"السنوات العجاف"، لاسميا على الدول التي تعتمد اعتمادا كبيرا في مواردها على العوائد النفطية، كما هو الوضع في اقتصاد السلطنة. وقد تعاظمتْ المخاوف مع تعدد التحليلات والرؤى الاقتصادية، القائمة على نسب مديونية تفوق قدرة الوضع المالي لكثير من الدول، ولكن ما كشفت عنه بيانات المالية العامة للدولة بنهاية الشهر السابع من العام الجاري، جاءتْ مُؤكِّدة على ثقة محلية وإقليمية ودولية في الأداء المالي والاقتصادي بشكل عام للسلطنة، فتمكَّنتْ الحكومة من تغطية عجز الموازنة وتحقيق فائض مالي، يبرز أن توقعات الأداء كانت في إطارها الصحيح.

 

 

تغطية.. بأي ثمن؟!

بَيْد أنَّ السؤال الواجب طرحه على طاولة النقاش، عندما يثار الحديث عن العجز وتغطيته، هو بأي ثمن ستكون تغطية العجز؟! فإذا كانت الإيرادات تتراجع بحدة والمصروفات -إن لم تتزايد- فهي على الأقل لا تنقص، لذا لابد أن ينجم عن تغطية الفجوة نتائج محددة ومتوقعة سلفا على أقل تقدير. غير أن المتاح من المعلومات يشير إلى أن ثمن التغطية لا يمثل عبئا عسيرا.

واعتمدتْ التغطية في الجزء الأساسي منها على الاقتراض، وفي المقام الأول عبر أدوات الدين متوسطة وطويلة الأمد، وأهمها سندات التنمية الحكومية، وخلال العام الماضي والحالي أصدرت الحكومة 6 إصدارات من سندات التنمية بقيمة 800 مليون ريال، لتضاف إلى 6 إصدارات أخرى مازالت سارية، ليصبح بذلك إجمالي قيمة الديون القائمة عبر سندات التنمية الحكومية 1.63 مليار ريال، والسندات التي لم تستحق بعد تبدأ بالاصدار رقم 39، وهو الإصدار المستحق سداده في نهاية العام الجاري، لكن أطولها مدة هو الاصدار رقم 46 والمستحق سداده في عام 2025.

ورغم تكثيف الحكومة لإصدار السندات، فإن البيانات تؤكد أن أسعار الفائدة لم تشهد ارتفاعا عن المعتاد خلال الإصدرات السابقة. ووفقا لحسابات أجرتها "الرؤية"، فإنَّ متوسط سعر الفائدة لإصدارات التنمية الحكومية السارية يبلغ 3.8% تقريبا، وهو سعر فائدة منخفض نسبيا لديون سيادية؛ خاصة في ظل ضبابية مستقبل أسعار النفط. وإذا كان البعض يرى أن الفائدة على آخر إصدار لسندات التنمية والتي بلغت 5% هي أعلى من المتوسط، فلابد من الإشارة إلى أن سندات التنمية رقم 40 والتي صدرت في منتصف 2012 بلغت الفائدة عليها 5.5%، وربما كان لمستوى الدين الحكومي للسلطنة تأثير إيجابي في الاقبال على السندات السيادية العمانية، والتي تبينت في الطلب المرتفع على السندات الأخيرة -سندات التنمية الحكومية 50- حيث كان الطلب ضعف الطرح بوصول طلبات السندات إلى 196 مليون ريال تقريبا بينما كانت القيمة التي طرحتها الحكومة 100 مليون فقط.

 

الدواء المر

وبرغم مرارة الاستدانة على المستوى الشخصي، إلا أنَّ خريطة اقتصادات العالم لا تعرف دولة واحدة بلا ديون، وبالتوازي مع وضع الدول ميزانياتها بحسابات الدخل والانفاق، فإن هناك حسابات تدخل فيها عوامل مالية واقتصادية وجيوسياسية، تجعل جميع الدول مدينة بصورة أو أخرى، سواء بديون محلية داخلية عبر الاقتراض من البنوك والمستثمرين بعملة الدولة، أو ديون خارجية بعملات أجنبية يتربع على عرشها بالطبع الدولار واليورو. وليس بمستغرب أن هناك بعض الدول دائنة ومدينة لدولة أخرى في نفس الوقت، بل وتسعى بعض الدول لأن تكون مصدرا تلجأ إليه دول أخرى في الاستدانة حتى تتحول الديون لديها إلى أوراق ضغط في مواقف سياسية معينة.

وفيما يخص وضع الفوائد على الديون الحكومية، فإنَّ هناك ارتفاعا يمكن رصده في ميزانية الخطة الخمسية التي تنتهي بنهاية 2020؛ حيث إنَّ تقديرات الفوائد على القروض بدأ بـ90 مليون ريال في السنة الحالية، وتصل إلى 130 مليون ريال في نهاية الخطة الخمسية التاسعة، بمجموع 550 مليون ريال. وفي المقابل، وضعت الحكومة في ميزانية الخطة الخمسية الثامنة والمنتهية العام الماضي، مبلغ 75 مليون ريال كفوائد على القروض العمانية سنويا وبشكل ثابت على مدار السنوات الخمس. وفي الوقت نفسه أصبح من غير المستبعد أن يتزايد حجم الدين لتغطية العجز المقدر بين الإنفاق والمصروفات، والذي تضع له الحكومة تقديرا بأن يمثل 29% من الايرادات خلال السنوات الخمس المقبلة.

 

ضبابية المشهد

ومن غَيْر الواضح حتى الآن ما إذا كانت السنوات العجاف التي تمر بها أسعار النفط ستطول أم ستقصر، وما إذا كان النفط كسلعة قد دخل في حسابات نوعية تجعل من المستحيل عليه الوصول مرة أخرى إلى عتبات المئة دولار مع تربص منتجي النفط الصخري لأية فرصة للقفز نحو الانتاج.. ومع ذلك، فإن السعي نحو استمرار النمو واستدامته تفرض التعامل مع واقع هذا التراجع في أسعار النفط. ونظرا لأن الحكومة تتوقع أن تصل نسبة العجز خلال العام الجاري إلى 38% من الإيرادات، فإنها لجأت بالفعل إلى أفكار جديدة على السلطنة لتمويل هذا العجز، بما يضمن استمرار القدرة على التمويل وفي الوقت ذاته تنويع هذا التمويل.

وفي إطار التنويع والخروج بحلول لم تلجأ إليها السلطنة من قبل، فإن الحكومة تدرس طرحا آخر للصكوك بعد تجربة ناجحة في إصدار أول صكوك سيادية بلغت قيمتها 250 مليون ريال، كما بدأت الحكومة على صعيد موازي في التخلص من أعباء الانفاق على شركات القطاع العام، عبر تحويل أسهم الحكومة في بعض الشركات إلى صناديق الاستثمار، بما يتيح مرونة أوسع في إدارة الاستثمارات فيها.

وظهرت أيضا أفكار خارج الصندوق لتوفير أكبر قدر ممكن من التمويل تجلى في السماح لأكبر شركة نفط في السلطنة، والتي تعد الاستثمار الحكومي الأكبر في القطاع إلى الاستدانة المباشرة لتمويل مشروعاتها. فبفضل الثقة في سمعتها كشركة والضمان الحكومي للقرض، تمكنت شركة تنمية نفط عمان من جمع قرض بما يزيد على 1.5 مليار ريال من مؤسسات تمويل عالمية، وهو ما يفتح الباب أمام توجه مشابه لمشروعات أخرى كديون غير مباشرة مثلما يجري في مشروع مجمع البلاستيك في لوى على سبيل المثال.

وما يتفق عليه الخبراء مع الحكومة هو أن الوضع الاقتصادي حاليا غير مسبوق، ليس في كونه يشهد أسعارا متدنية للنفط، لكن في هذا التذبذب الحاد من تكوين فائض مالي كبير في ميزانيات عدد من السنوات، ما أدى إلى رفع مستويات الانفاق، ثم وقوع عجز مالي كبير، وهو ما قد يعكس "ارتباكا اقتصاديا قويا".

لكن.. تبقى الحقائق على أرض الواقع الاقتصادي تقول إن الوضع الآمن يتطلب الوصول إلى متوسط سعر لبرميل النفط عند 100 دولار للبرميل، لتحقيق توازن بين الإنفاق والإيرادات، وأن الاحتياطي النقدي للسلطنة يكفي لنحو 5 سنوات، وأن بنود الإنفاق الحكومي تعاظمت عبر السنين الأخيرة الماضية وتحديدا منذ العام 2011، ولظروف النمو -وغيرها- كان بند الأجور ونفقات الوزارات المدنية يتضخم جراء استيعاب عشرات الآلاف من الوظائف الجديدة. ومن المعلوم أن الإنفاق في بنود الأجور والرواتب يعد الأقل تحقيقا للعوائد في الاقتصاد، لكن هذا الواقع من تفاقم الإنفاق وعدم ضمان مستويات عالية من الإيرادات، يُبقي الباب مشرعا أمام توجه أكبر نحو الاقتراض التي تظل في إطار آمن ما دامت الدراسات اللازمة له تجرى بدقة وتأنٍ.

تعليق عبر الفيس بوك