أخلاقيات "منحرفة"..!

 

مدرين المكتومية

خلَّفتْ الوتيرة المتسارعة لعالم اليوم بعضًا من الظواهر الاجتماعية "السلبية"، بدأت مؤشراتها تصل حدَّ التنامي الذي لم يعد مُمكنا معه التراخي في معالجتها؛ فمن منا لم يسمع عن وقائع غير أخلاقية وقعت هنا او هناك خلال الفترة الأخيرة، يُفجرها بُعد غريزي حوَّلته النوازع المرضية إلى سلوك مُدمِّر؛ سواء تعلَّق الأمر بـ"التحرش اللفظي أو الجسدي" أو "بيع الهوى وشراؤه" أو "الابتزاز والاستغلال"، لنجد أنفسنا أمام نوع غير مألوف من "الثقافة المنحرفة" لا تحترم قواعد، ولا تُقدِّس عادات.

ومن المؤكد أنَّ قراءة الموضوع من وجهة نظر قاصرة تلقي اللوم على المنظومة القانونية وأنها غير رادعة لوقف مثل تلك التصرفات اللا أخلاقية، لا يُمكن له البتة أن يمس الظاهرة في أصولها النفسية والثقافية، وإنما تبقى محصورة في أحسن أحوالها في معالجة التداعيات وتشديد العقوبة على الجاني، فالدور المنوط بالقوانين دور ردعي وجنائي يقوم بالتخفيف من امتداد الظاهرة فحسب؛ أي أنَّ "القانون" و"الأنظمة" بلا شك لن يكون قادرة وحدها على تحقيق المطلوب وحفظ عاداتنا المجتمعية، وفق الخصوصية العُمانية الضاربة في القدم.

وفي الحقيقة لم أكن أريد طرح مثل هذه القضايا، إلا أنني مع الوقت وتفاقم المشكلة، أصبح لابد من مناقشة جادة وواضحة؛ قبل أن يصل الأمر إلى ما هو أكبر من ذلك، بأن يتحول من حالات فردية، إلى سلوكيات ترسم للكثير من الأفراد طريقا ليس طريقهم.. وهو ما يفرض الحديث عن الاهتمام بالتوعية الأخلاقية ورفع الوازع الديني لدى أفراد المجتمع، حيث إنه وسواء تعلق الأمر بالحاجة إلى قوانين جديدة تكون أكثر صرامة وردعًا، فإن الحاجة تبقى ماسة لتحريك بقية المداخل للتعاطي السليم مع الظاهرة، ويوقف نموَّها من الجذور.

وما دام الأمر يتعلق بظواهر تتصل كلها بموضوع "ممارسات جنسية منحرفة"، فإنَّ المدخل المرتبط بتلك الثقافة الإنسانية وضرورة ترشيدها، والمدخل الديني المرتبط بتحديد الصيغ المشروعة للعلاقة بين الرجل والمرأة في الإسلام، يُعتبران من أهم القضايا التي يجب الرِّهان عليها في مواجهة مثل هذه الظواهر. صحيح أن التنوع الفكري نتيجة الانتفاح على العالم وريتم الحياة المتسارع، قد يختلف في نظرته إلى بعض التفاصيل المرتبطة بثقافة من هذا النوع وطرق تصريفها، إلا أنها لا تختلف من حيث محصلاتها في تجريم هذه الظواهر والدعوة إلى محاربتها، وهو ما يعني إمكانية الاشتغال المشترك على الحد من هذه السلبيات.

أي أنَّ الدور الآن أصبح منوطا بكافة أفراد المجتمع والجهات المعنية للتصدي لهذه الظاهرة ومعالجتها، جنبا إلى جنب مع المدخل الديني والتربوي، وأن يُفتح نقاش واسع بين جميع مكونات المجتمع، ينساب عبر وسائل الإعلام العمومية، تحضر فيه كل المقاربات بجميع المداخل الممكنة للتصدي لهذه الظاهرة.. ولهذا السبب، وفي مثل هذه الظواهر، تبدو الحاجة إلى إشراك العلماء والدعاة في النقاشات الساعية لإيجاد الخطط والحلول العميقة، حتى يتم الاستفادة من كل الخبرات في معالجة شاملة تزيد من فرص القضاء على تلك الظواهر الدخيلة على مجتمعنا العُماني، المشهود له بـ"حُسن الخلق"؛ وأختم بما رواه أحد صحابة رسولنا الكريم حين قال: بعث رسول الله رجلًا إلى حي من أحياء العرب، فسبوه وضربوه، ثم جاء إلى الرسول -صلى الله عليه وسلم- فأخبره.. فقال له النبي الكريم: "لو أنَّ أهل عُمان أتيت ما سبوك ولا ضربوك"؛ فلنحفظ على أنفسنا شهادة رسول الله.