إضاءة

شركاء في الوطن

 

 

 

مسعود الحمداني

 

نختلف -كمواطنين- أحيانا، ونتفق أحيانا أخرى مع توجُّهات الحكومة، أو مع قرار وزاري ما، ليس من أجل الاختلاف ولا طمعًا في رضا أحد، ولكننا نُمارس دورنا كشركاء في هذا الوطن، يهمنا جميعا مصلحته، ويهمنا أن نكون فاعلين فيه، لا مجرد مُتلقين سلبيين لا رأي لهم. فالمسؤول أينما كان ما هو إلا مواطن مثلنا، يصيب كثيرا، ويخطئ كثيرا، وبين هذا وذاك نقف -نحن المواطنين- كجزء من منظومة اجتماعية (أمنية)، لها حقوقها، وعليها واجباتها لكي نقول رأيا -هو كذلك- يحتمل الصواب ويحتمل الخطأ، وعلى المسؤولين الذين يجلسون على كراسٍ مخملية أن يُعيرونا بعضَ الاهتمام، وأنْ لا يعتقد البعض منهم أن كل كتابةٍ أو رأي غير متوافقٍ مع أهوائهم وتوجهاتهم هو تحقير أو تصغير من شأن جهودهم، وأفكارهم. وفي المقابل، عليهم أن يعلموا أنهم ليسوا ملائكة لا يأتيهم الباطل من بين يديهم ولا من خلفهم، وأنَّ يعوا أنَّ الآخرين ليسوا شياطين لا يملكون إلا الوسوسة و"الشوشرة" على مجهوداتهم.

فكم من مشروعٍ فشل، وانتهى به المطاف إلى الريح تذروه، وضاعت أموال الوطن هباء، ولم يحاسَب القائمون عليه، وحمّل المواطنون المسؤولين تبعات ذلك الإخفاق، لأنهم لم يُشركوا في القرار، ولأن من تم إشراكه في بعض القرارات -في مكاتب الولاة- ما هم إلا مجموعة من المنتفعين الذين كان همهم الأول مصالحهم الشخصية، والذين حرص بعضهم على أن تقام المشاريع الخدمية في ولاياتهم استئثارا وليس إيثارا للوطن والمصلحة العامة.

وكم من مشروعٍ أو قرار وزاري في ظاهره المصلحة العامة، وفي باطنه مصالح خاصة، كان وبالا على المجتمع والمواطنين، صيغ في ليلٍ، أو في مكاتب مغلقة أثبت فشله بعد حين؛ لأنه صيغ برؤية قاصرة، وقصيرة النظر، لم تراعَ فيه مصالح الوطن، ولم يكن للمواطن دور في صياغته، ولا رأي، وكأنه ابن قاصر، لا يفقه مصلحته، يحتاج إلى وصاية، وأن على المسؤولين على كراسيهم أن يتولوا أمر رعايته من بعيد، وهذا واقعٌ يجب أن يُعاد النظر فيه، وأن لا يقتصر لسان المواطن على أعضاء مجلس الشورى والدولة، بل يجب أن تكون هناك هيئة محايدة ومستقلة لقياس الرأي العام تُشرِك مختلف الفئات الاجتماعية في صناعة القرار الذي يهم المواطن بالدرجة الأولى.

نحن مواطنون، والحكومة مجموعة من المواطنين المؤتمنين على هذا الوطن، والجميع يمارس حقه الطبيعي في البناء والنقد، دون تخوينٍ أو سوء نوايا، أو تخريب لما يُبنى، ويشاد، وحين لا يجد المواطن مجالا لإبداء رأيه، فإنه قد يُدفع دفعا إلى اتباع طرق أخرى لإسماع صوته، سواء بالصراخ على المنابر الإعلامية، أو اللجوء -بحسن نية أحيانا- إلى من يتصيَّد على هذا الوطن أخطاء مسؤوليه، لذلك يجب على الحكومة سماع كل ما لا يعجبها، وأن لا يكتفي مسؤولوها بسماع ما يعجبهم، وما يحبون سماعه فقط.. هذا هو المعنى الأساسي للشراكة في بناء الوطن؛ حيث الجميع مسؤولون عن البناء، وحيث حرية الرأي متاحة للجميع دون تهشيم أو تهميش.

... إنَّ المواطن هو حجر الزاوية في كل بناء وطني، ولذلك يجب أن يكون هذا (الحجر) صلبا، وواعيا، وأن يكون اليد الأخرى للقرار الحكومي الرسمي الذي يمس وطنه ومصيره، لا أن يصحو في الصباح ليرى أن قرارا قد صدره مسؤول ما، وأن عليه (واجب) تنفيذه دون نقاش.

أخيرا.. أن نختلف بحبٍّ لأجل الوطن، خير من أن نتفق على شيء دون اقتناع.

Samawat2004@live.com